أستاذ العلوم الاقتصادية الأمريكي «تايلر كوين» يتحدث عن نيويورك ما بعد الوباء
في مرحلة ما سينحسر خطر «كوفيدـ 19»، لكنه لن يختفي. فكيف سيكون شكل أميركا حينها؟ وكيف سيكون أكبر مدنها “نيويورك” بشكل خاص، من المحتمل أن تظل حيوية وبالغة الأهمية، لكن مصيرها ستلفّه مشاكل صحية واقتصادية خطيرة.
ولعل الأهم من ذلك هو أنه سيكون ثمة نزوح للسكان من كبار السن. ونتيجة لذلك، ستصبح مدينة نيويورك مدينةَ الشباب أكثر من ذي قبل، متقلدةً الدور الذي لعبته برلين في ألمانيا. وهذا سيكون أمراً جيداً لحيوية المدينة على المدى الطويل.
ومن المحتمل أن تنخفض الإيجارات وأسعار الأراضي. ليس بسبب ارتفاع عدد الوفيات بالضرورة، وهو تفصيل من الصعب التنبؤ به.
غير أن العديد من الشركات ستفكر مرتين بشأن نقل مقراتها إلى مدينة نيويورك، وخاصة لأن كبار المدراء يميلون غالباً ما يكونوا من كبار السن نسبياً. التأثير المباشر لذلك سيتمثل في جعل المدينة أقل جاذبية وأكثر رخصاً بالنسبة للسكان، والذين سيكون معظمهم من الشباب. وبالتالي، ستكون أشبه بنيويورك السبعينيات والثمانينيات، حيث يحل الخوف من العدوى حالياً محل الخوف من الجريمة سابقاً.
ومن المؤكد أنها ستكون مدينة أفقر بكثير. وهذا بحد ذاته أمر سيئ بالطبع، لكنه أسوء بالنظر إلى عائدات الضرائب الأقل التي ستجنيها والتأثيرات التي ستترتب عن ذلك على جودة المدارس وخطط المعاشات التقاعدية. غير أنه بالمقابل، سيكون ثمة تطوير إقليمي أكثر في بقية مناطق الولايات المتحدة في وقت تجذب فيه مدن مثل ممفيس (ولاية تينيسي) وشارلوت (ولاية كارولاينا الشمالية) اهتماماً أكبر من قبل الشركات.
هذا، ومن المحتمل أيضاً أن تطوّر مدينة نيويورك أكثر المعايير صرامة في ما يتعلق بارتداء الكمامات، و«الاختبار والتتبع»، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى الحد من انتشار الفيروس. وإذا أضفنا إلى ذلك مزايا التباعد الجسدي، فإنه سيجعل المدينة في نهاية المطاف مفتوحة ومغرية بالزيارة من جديد. غير أن معدلات ركوب قطارات الأنفاق من المرجح أن تظل منخفضة، وذلك لأن السكان سينظرون أكثر إلى أحيائهم ومتاجر أحيائهم. وقد تصبح لدى المدينة متاجر أقل متخصصة في البيع بالتجزئة.
غير أنه سبق لنيويورك أن قامت بمثل هذا التأقلم من قبل، ولا شك أنها تستطيع القيام به من جديد. وإذا كنت تكره «تقييد» الكثير من مناطق منهاتن، فإنك قد تجد بعض الإيجابيات في هذا التطور.
الخطر المتبقي من بعض التنقلات المكوكية بين البيت ومكان العمل من المحتمل أن يجذب عدداً أكبر من المهاجرين الشباب من ذوي الأجور المتدنية. هؤلاء المهاجرون ممَثلون بأعداد كبيرة في العديد من أكثر الوظائف خطورة في أميركا، مثل العمل على مراكب الصيد. ولطالما كان المهاجرون الباحثون عن المخاطر مألوفين في نيويورك، من العقود الأولى للقرن العشرين إلى السنوات الأخيرة، ومن المحتمل أن يصبحوا مألوفين أكثر.
هذا التحول الديموغرافي ستكون له إيجابيات وسلبيات، لكنه تأقلمٌ ستكون نيويورك قادرة على القيام به، تأقلمٌ سيعني مرة أخرى نوعاً من العودة إلى الجذور التاريخية للمدينة.
وإذا امتلك الناجون من «كوفيدـ 19» مناعة، مثلما يحدث مع كثير من الفيروسات، فإن الحياة الاجتماعية للمدينة قد تصبح منفصلة ومنعزلة جداً. ذلك أن الناجين ستكون لديهم شهادات مناعة وسيعيشون حياة اجتماعية نشطة نسبياً. أما الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس، فسيكونون أكثر محافظة، وسيمضون وقتاً أكثر على الإنترنت، ويرفضون المصافحة بالأيدي، ويركبون الدرجات الهوائية بدلاً من قطارات الأنفاق.
ولا شك في أن هذا النوع من الفصل ليس سيناريو مغرياً. غير أن مدينة نيويورك، بخياراتها وتنوعها المذهل، ستكون مستعدة للتعاطي معه بشكل أفضل من أميركا الأرياف أو أميركا الضواحي. وبالطبع إذا لم تُصَب بالفيروس بعد، ولا تستطيع إثبات المناعة ودخول النوادي والمقاهي الآمنة، فإنك ستكون خائفاً أكثر من زيارة الفضاءات المتاحة لك.
بيد أن العديد من الأشخاص، لاسيما الشباب، قد يعرّضون أنفسهم للفيروس بشكل متعمد من أجل الانضمام إلى ما يبدو بوضوح أنها المجموعة الأكثر بحثاً عن المرح. وربما ستكون ثمة حفلات للأشخاص في مرحلة العدوى النشطة. والواقع أنني أشعر بالتوتر حين أفكر في الضحايا، لكنها ربما تكون تجربة أكثر أماناً مما هي عليه في الوقت الراهن.
وحتى الآن، كان لأميركا الضواحي امتياز واضح في ما يتعلق بالتعاطي مع «كوفيدـ 19». لكن مع تعافي الاقتصاد، ستتأقلم نيويورك وستستعيد بعضاً من امتيازاتها الطبيعية.