الأديب حسام الزمبيلي: الفيروس الذكي في روايتي يشبه «كورونا»
النشرة الدولية –
ما إن ظهر فيروس كورونا وبدأ يتفشى حول العالم، حتى اتجهت الأنظار إلى القراءة عن الفيروسات، وفي مصر لجأ عشاق أدب الخيال العلمي إلى رواية للأديب المعروف حسام الزمبيلي صدرت قبل سنوات بعنوان “الكوكب العجيب، أول حوار مع فيروس عاقل”. وفي حوار لـ”الجريدة” معه، أكد الزمبيلي، الذي يعمل طبيب عيون حصد العديد من الجوائز العلمية العالمية، أن خصائص الفيروس الذكي في روايته الشهيرة تنطبق على “كورونا”، وقال إنه يعتزم طرح طبعة جديدة من الرواية بعد تزايد الطلب عليها، ونقص المعروض منها في الأسواق، وفيما يلي نص الحوار:
- أنت صاحب أول رواية عربية تتناول عالم الفيروسات، حدثنا عن أجواء “الكوكب العجيب – أول حوار مع فيروس عاقل”؟
– هذه الرواية هي نتاج صراع شخصي مع عالم الفيروسات، وخصوصاً فيروس “هربس” في أروقة ومعامل جامعة لويزيانا الأميركية عبر قرابة العامين ومع فريق بحث البروفيسور هربرت كاوفمان عايشت صراع العلماء مع هذه الكائنات “المحيرة” مجموعة من خيرة العلماء في العالم يحاولون التوصل لعقار يقضي عليه، لكن المهمة ليست باليسيرة، فدائماً ومع تحقيق أي نصر علمي على عالم الفيروسات عموماً تبقى النتيجة معلقة، وكأنه “الفيروس” ينسحب ليقاتل في يوم آخر وبهذا الإلحاح الفكري واتتني فكرة الرواية، وهي فكرة أحسبها جديدة تحمل من التنبؤات الاجتماعية المستقبلية من توحد العالم العربي والإسلامي ونهوضه العلمي لمقارعة حضارات العالم الأخرى قلماً بقلم ونظرية بنظرية وبحثًاً ببحث، وقال لي أحد النقاد يوماً: “إنّ تفرُّد هذه الرواية ليس في سردها ولا في فنياتها، ولكنها ستخلد بفكرتها الأصلية التي لم يتناولها كاتب من قبل. فكرة الفيروسات الذكية أو العاقلة أو صاحبة الوعي وفكرة الحوار الحقيقي الفكري مع عالم الفيروسات”.
وأنا كعالم مصري عربي مسلم لا أرى مانعاً، لذلك لم تحرمها الأديان ولم ينفها العلم أو يثبتها، وهذا ما أوجد هذه الفكرة بين أروقة مؤلفاتي في الخيال العلمي وتحضرني في هذا السياق كلمة الناقد الكبير الدكتور عبدالحميد إبراهيم عن هذه الرواية “إن الصراع عند همنغواي في (العجوز والبحر) يركز على القدرات الفردية وهو صراع غير هادف ينتهي بصاحبه إلى لا شيء ولا يتبقى من السمكة سوى هيكلها العظمي، أما الصراع عند حسام فهو صراع العلم والعلماء ينتصر فيه للقيم الإنسانية النبيلة، وهو يمد يده نحو الإيمان”.
طبعة جديدة
- حظيت الرواية بإعادة قراءتها على نطاق واسع مع تفشي فيروس كورونا أخيراً لكنها باتت عملة نادرة لصدورها قبل سنوات، ألا تفكر في طبعة جديدة؟
– حدثني الكثير من القراء والنقاد عن الرواية وقامت الجمعية المصرية للخيال العلمي، بتخصيص صالون لها تولى مناقشتها الناقد خالد جودة ود. قدرية سعيد والأديب محمد نجيب مطر، وأعدوا دراسات نقدية حولها.
تميزت الطبعة الأولى بأنها “نوفيلا” موجهة لليافعة، وحالياً أعد طبعة جديدة منقحة مسخراً تجربتي السردية في العقدين الماضيين علها تردي ثوباً جديداً وتخاطب جمهوراً أعرض.
عمل أدبي
- “كورونا” ذلك الفيروس الذي يشغل بال العالم بأسره راهناً، ألا يستحق عملاً سردياً مستقلاً بقلمك؟
– تنطبق خصائص “الفيروس الذكي” الذي ذكرته في الرواية على “كورونا” بقدر ما تنطبق على “الهربس”، لكنني أعكف الآن على كتابة عمل أدبي بعنوان “الرحلة الأخيرة”، سيكون بين ثناياه فيروس آخر ولكنه متصور وليس حقيقياً وهذه المرة يُسمى فيروس “الريفرسال” (Reversal)، ومن يدري لعل الحقيقة تفاجئنا يوماً بملاحقة الخيال وظهور هذا الفيروس في الواقع.
قصتنا كبشرٍ مع الفيروسات طويلة وممتدة، وبدأت تأخذ منحنى خطيراً، فهذه الفيروسات تتحور وتتطور وهذا سر بقائها، وقد تشكل تهديداً وجودياً على عالمنا عالم الإنسان، فهل ستسود الفيروسات الأرض يوماً ما؟! أم أن وجودها مرتبط بالإنسان فإن فني فنت! هذه النظرة الخائفة الزائغة التي رأيتها في أعين دونالد ترامب وآنجيلا ميركل وبوريس جونسون تثبت أنه ليس بالعدو الهين، فهو خفي ذكي ماكر.
فن روائي
- كمتخصص في أدب الخيال العلمي، إلى أي مدى ترى أهمية هذه النوعية من الأدب في التثقيف العلمي؟
– الخيال العلمي وفنونه، تليسكوب العلم نحو المستقبل من دونه يجف العلم ويتوازى اهتمام الدول بالعلم باهتمامها بالخيال العلمي، فهو كفن روائي وسينمائي يمثل الحاضنة التي تفرخ علماء المستقبل يحتضن الأطفال فيحبون العلم، ويفكرون بالعلم، ويحلمون به ومن خلال أحلام هؤلاء تنهض الأمم.
فإدارة أوباما الأميركية أولت اهتماماً خاصاً بأدب الخيال العلمي، وهو قارئ جيد للكاتب الصيني الشهير سيكسن لي، وكان لديه من المستشارين في هذا المجال، وهذا يرسل رسالة مفادها “اهتموا”.
محور عصبي
- باعتبارك طبيب عيون أيضاً، كيف أسهم ذلك في إثراء الكتابة الإبداعية في قالب أدب الخيال العلمي لديك؟
– الطب حياتي وفص مخي الأيسر فهو المنطق والتحليل والعلم ويدي اليمنى. والخيال العلمي هو أحلامي وفص مخي الأيمن فهو الإبداع والحدس والفن ويدي غير التقليدية يربط بينهما “الكورباس كالوزام” (Corpus Callosum) وهي كوبري مكون من 200 مليون محور عصبي ليحقق التكامل الرائع والذكي بين فصي المخ.
أما طب العيون فهو جوهرة الطب ودرة تاجها، فمن خلالها رأيت العقل رأي العين، وما بين قرنياتها وشبكياتها رأيت مجرات الكون فطب العيون منحني متعة ممارسة الطب والجراحة فأصبحت جراحاً وباطنياً في الوقت نفسه وأخيراً، العين كانت باباً مجهولاً لأعماق النفس، عليه مرآة تعكس كل أسارير البشر وكم أسعدتني وأحزنتني ولكنها الحياة من سعادة وحزن، راحة وشقاء، سكر وملح.
صمام أمان
- ما تتعرض له الولايات المتحدة حالياً في ظل تفشي كورونا إلى أي يتلامس مع ما ورد في روايتك “أمريكا 2030” التي صدرت قبل سنوات؟
– سادت أميركا العالم بالعلم، عايشتهم وتعلمت منهم أن صمام أمان الحضارات هو سيادة العلم وتفعيل قوي لمنظومة “منع التمييز” (Anti-discrimination) بين المواطنين، ومنظومة “تحريم خطاب الكراهية”
(Hate Speech) ومع القوة يأتي الغرور فمساندتها للكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية من دون حق – من وجهة نظري – أخل بصورتها الجميلة، وخلق حالة من التوتر العالمي أسميها (المظلومية). والمظلومية وباء يشبه “كورونا”، انتشر أخيراً في الصين والهند وأميركا وبورما وغيرها من مناطق العالم. بدأ انتقائياً ولكنهم لا يعلمون أن هذا الوباء مثله مثل “كورونا” لا يسهل السيطرة عليه فهو “صندوق باندورا”، إذا فُتح انتشرت الشرور.