الإشاعة وخطرها على المجتمعات* د. خالد الملكاوي
النشرة الدولية –
إن المجتمع المسلم ينبغي أن يكون مجتمعا متماسكا متعاضدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. نعم فهذا ما علمنا إياه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وأرشدنا إليه، فالإسلام وضع الأسس والقواعد التي تضمن -لمن التزم بها- مجتمعا قويا حصينا ضد الأخطار الخارجية، وكذلك متينا في جبهته الداخلية لا تكاد تظهر فيه الفتن والقلاقل حتى تخمد نارها وتنطفئ قبل أن تستشري وتستفحل.
وإن من أخطر الأسباب التي هي مدعاة لتكدير صفو المجتمعات وزلزلة أمنها وأمانها انتشار الإشاعات وشيوع الأخبار الكاذبة بين أفرادها، ﻓﺎﻹﺷﺎﻋﺔ -في أغلب صورها- هي ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻐﻠﻮﻃﺔ، ﺃﻭ ﺧﺒﺮ ﻛﺎﺫﺏ ينتشر ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺨﺺ، ﺃﻭ ﺇﺣﺪﻯ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻹﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺒﻠﺒﻠﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺳﻴﺌﺔ، ﺃﻭ ﺿﻌﻒ ﻓﻲ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﺃﻭ ﻓﻠﺘﺎﻥ ﺃﻣﻨﻲ، ﻭﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ أو حرب الأعصاب، ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻵﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ.
ولقد لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار الإشاعات وسرعة تداولها بين أفراد المجتمع وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتختلف الإشاعة في طبيعتها وهدفها وخطورتها، فبعض الإشاعات تهدف لتقويض الأمن العام في المجتمع وتشكيل جو عام من التسخط والعداء بين فئات المجتمع، وهناك بعض الإشاعات التي تهدف إلى تشكيك المستهلك في نوعية المنتج وجودته وتأثيره على الصحة مما يؤدي إلي عزوف شريحة من شرائح المجتمع عن شراء أو استخدام هذا المنتج، أو تكون إشاعة تستهدف شخصية عامة ويتم نشرها لتشويه صورته أمام الناس لتنفيرهم عنه وتبخيس نجاحاته ومنجزاته، وقد تكون الإشاعات تدور حول أمور صحية مثل انتشار بعض الأوبئة والأمراض مما يؤدي إلي بث الرعب والخوف بين أفراد المجتمع.
وهنالك ما يسمى بالإشاعة الدينية وتكون عن طريق نشر فتاوى متطرفة غريبة ودون وجود سند صحيح لها من القرآن أو السنة أو إجماع المسلمين، وإظهارها وكأنها موافقة لتعاليم الدين، الأمر الذي يؤدي إلى ابتداع اعتقادات وسلوكيات هدامة فاسدة وانتشارها في المجتمع. ولذلك نقول: ينبغي على المسلم أن لا يتلقف المعلومات الدينية من أيٍ كان ومن أي مصدرٍ كان، وقد قال الإمام محمد بن سيرين رضي الله عنه: (إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم)، فعلم الدين أولى ما ينبغي للمسلم أن يتحرى دقته وموافقته لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكتفى بمجرد مطالعة الكتب وصفحات الإنترنت كما يفعل الكثير من الناس اليوم، فإنما العلم بالتعلم وإنما الفقه بالتفقه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من تلقي علم الدين من شخصٍ ثقةٍ تلقى هذا العلم بالإسناد المتصل، لأن علم الدين ليست فكرة مستحدثة ولا ميدانًا للآراء والأهواء، لذا قال التابعي الجليل عبد الله بن المبارك رحمه الله: (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).
إﻥ ﺍﻹﺷﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪﻯ ﻟﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻧﻈﺮﺍً ﻟﺨﻄﻮﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﻟﻤﺎ ﺗﺜﻴﺮه ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺗﻬﺪﺩ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ تعزيز أواصر ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻷﻟﻔﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﺰﺍﻣًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺪﻭﺍ ﻟﻬﺎ ﻣﺒﻴﻨﻴﻦ ﺧﻄﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﺮ ﺗﻔﻜﻜﺖ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺷﺎﻋﺎﺕ، ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺕ ﻫُﺪﻣﺖ، ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺿُﻴﻌﺖ، ﻭﺃﻃﻔﺎﻝ ﺷﺮّﺩﺕ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﺷﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻖ ﺃﻭ ﻛﺬﺍﺏ أو نقل خبر من غير تثبّت.
ولنا عبرة واضحة تدلنا وتظهر لنا خطر الإشاعات نقتبسها مما حصل في حادثة الإفك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلكم المقولة الخبيثة، والفرية العظيمة ألا وهي قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الطيبة الطاهرة، بقصد النيل من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نتج عنها من فتنة عظيمة وكرب شديد مر به المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.
لقد وضع لنا الإسلام وسائل لمحاربة هذه الشائعات حفاظًا على المجتمع وأفراده وعلى كل مسلم، فمنها التحذير من معصية الكذب وبيان ما قد تجر إليه من المفاسد والمهالك، فمن منا لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وإيّاك والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النّار” رواه مسلم. ومعنى يهدي إلى الفجور أي هو وسيلة إلى الفجور، يؤدي إليه، لذا فالحذر الحذر من اقتفاء تلك العادة الفاسدة البعيدة عن ديننا وشرعنا الحنيف المسماة بكذبة الأول من نيسان والتي قد يسميها البعض جهلًا وضلالًا كذبة بيضاء مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يصلح الكذب في جد ولا هزل” رواه البيهقي.
ومما دعا إليه ديننا الحنيف كذلك التثبت من الأخبار عند انتشارها في المجتمع، والله أمرنا بذلك قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” سورة الحجرات.
أيضاً من الحلول التي وضعها الإسلام لمحاربة الشائعات عدم ترديدها وعدم الخوض فيها مع الخائضين، وذلك لأن ترديدها يؤدي إلى انتشارها وترويجها، وهذه مساهمة فيها، ومساعدة للمغرضين، وإن كان بغير قصد منه، إلا أنه أصبح مشاركًا في رواجها، ولقد قال عليه الصلاة والسلام : “كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع”.
وفي الوقت نفسه أمر الإسلام برد الأمر إلى أصحاب الاختصاص والعلم والفهم قبل إذاعته ونشره، قال تعالى: “وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً” سورة النساء 83 .
هكذا حارب الإسلام الشائعات ووضع العلاج لها، قائمًا بالمنهج المعتدل الوسطي الذي أمر به القرآن والسنة المطهرة، ومن ثم على كل مسلم أن يعمل بهذه الحلول التي خطَّها له الشرع الحنيف حفاظًا على دينه، وأهله وماله وعرضه ووطنه ومجتمعه.
سائلين الله عز وجل أن يوفقنا للاتباع الكامل لنهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن يفرج عنا وعن أمة الإسلام ما نمر به من ضيق وكرب إنه سبحانه وتعالى على كل شىء قدير.