هواجس كورونا والاستعصاء الحكومي في العراق
بقلم: عريب الرنتاوي
النشرة الدولية –
أكثر من مئة وثلاثين يوماً انقضت على استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية الدكتور عادل عبد المهدي، من دون أن تنجح القوى السياسية العراقية في التوافق حول شخصية رئيس جديد للوزراء، فضلاً عن الاتفاق شكل الحكومة وتركيبتها وبرنامجها.
الحراك الشعبي غير المسبوق الذي اجتاح بغداد والمحافظات الجنوبية، أسقط حكومة عادل عبد المهدي، باعتبارها تجسيداً لنظام المحاصصة الطائفية، ومظلة تستفيء بها أحزاب السلطة المتهمة بالفساد والتبعية للخارج وانعدام الكفاءة في أداء الوظائف المنوطة بالحكومة… شهران من التحركات الشعبية واسعة النطاق في العديد من المدن العراقية، كانت كفيلة بترحيل الحكومة، بيد أنها لم تكن قمينة بتشكيل حكومة وفقاً لشروط المنتفضين ومعاييرهم.
ستتفاقم حدة الصراع بين طهران وواشنطن في العراق وعليه خلال هذه الفترة، ولن يتمكن المرشحان لتشكيل حكومة جديدة، محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي من الحصول على ضوء أخضر مزدوج، إيراني وأمريكي، لإنجاز مهمتهما… الأول بدا إيرانياً أكثر من اللازم، والثاني بدا أمريكياً أكثر من المحتمل… وحين تتسع الشقة بين طهران وواشنطن، يصعب أن يتحقق إجماع حزبي على مرشح بعينه، لذا رأينا القوى الشيعية تنقسم على نفسها كما بقية الكيانات السنية والكردية.
لا يعني ذلك أن العلاقة بين الولايات المتحدة وأصدقائها، أو بين إيران وحلفائها، هي علاقة «خطية/بسيطة» بين تابع ومتبوع، تقوم على «السمع والطاعة»، فللأطراف العراقية حساباتها ومصالحها التي تدفعها أحياناً للتمرد وعدم الانصياع، وإن لبعض الوقت… طهران أخفقت في فرض العلاوي على حلفائها الذين لا يريدون تسليم مقاليد وزراتهم لموظفين وتكنوقراط كما كان يطمح رئيس الحكومة المكلف… وواشنطن لم تفلح في إرغام أصدقائها ومريديها من سنة وكورد، على دعم الزرفي على الرغم من المسافة التي تباعده نسبياً عن طهران.
اليوم، ومع اشتداد جائحة كورونا، وتفاقم حاجة العراقيين لحكومة تتعامل مع الوباء وتحتوي تداعياته الصحية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومع انهيار أسعار النفط على نحو غير مسبوق منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين، وعدم كفاية إيراداته لتغطية رواتب العاملين في القطاع العام، المدني والعسكري، العامل والمتقاعد… اليوم، تبدو فرصة ثالث رئيس وزراء مكلف، أعلى من سابقيه، وتبدو حظوظه في تشكيل الحكومة أفضل من حظوظهما.
لا الولايات المتحدة ولا إيران، لديهما «ترف» الوقت والجهد والمال، لمواجهة انهيارات جديدة في العراق… ثمة ما يشي برغبة متبادلة في «تقطيع» مرحلة كورونا بأعلى قدر من الهدوء… وبهذا المعنى ربما يكون مصطفى الكاظمي، هو نقطة الوسط بين الخصمين اللدودين، وربما يصبح رئيس الحكومة «التسوية».
ويقال إن الرجل نجح عبر مسيرته المهنية، من الصحافة مروراً بفنون إدارة الحوار وفض النزعات، إلى ترؤس جهاز المخابرات، في نسج شبكة علاقات متوازنة مع الجميع، وربما يعد ذلك سبباً إضافياً لحصوله على تأييد شبه إجماعي، من مختلف القوى العراقية الوازنة.
الحراك الشعبي معطل (مؤقتاً على الأقل) بفعل جائحة كورونا، لا نعرف ما الذي كانت ستكون عليه مواقف الحراك، لو أنه ما زال يحتل الشوارع والميادين، لكن على رئيس الحكومة المكلف، أن يتحضر للحظة مواجهة وامتحان مع الحراك حين يعاود أنشطته… عليه أيضاً، أن يتقن فن السير فوق حبل رفيع، مشدود جداً، يمتد بين طهران وواشنطن، وآخر بين أربيل وبغداد، والأهم من كل هذا وذاك، حفظ سيادة العراق ووحدته وتأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشعبه.
نقلاً عن “الدستور” الأردنية