القطاع الإستشفائي يتداعى.. و”سيدة لبنان” أولى الضحايا* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
وقع القطاع الإستشفائي في المحظور، في أكثر المراحل دقة وخطورة وأشدّها حاجة للطاقة القصوى للمستشفيات الخاصة إلى جانب الحكومية، التي تنفرد حتى اللحظة في تحمّل أعباء مواجهة أزمة كورونا، رغم هزالة قدراتها. فالمستشفيات الخاصة خارت قواها بفعل عدة عوامل ترتبط بشكل أساسي بعجز الدولة عن سداد تكاليف استشفاء مواطنيها، ولا تنفصل عن الأزمة النقدية وإخفاق الدولة في ضبط سوق صرف الدولار، الذي يساهم بشكل أو بآخر بأزمة القطاعات كافة، لاسيما القطاع الإستشفائي.2200 مليار ليرة وتغريدتان
انفرط عقد المستشفيات الخاصة بإعلان إقفال مستشفى سيدة لبنان في جونية، وسط مخاوف من كرّ سبحة القطاع الإستشفائي، لاسيما المستشفيات المتهالكة، ما لم تتحرك الدولة بسرعة لمد القطاع ببعض السيولة، والشروع في سداد مستحقات مالية متراكمة على مدى سنوات، تجاوزت قيمتها 2200 مليار ليرة حتى اللحظة.
ولولا بلوغ مخاطر المستشفيات الخطوط الحمر، وإعلان إقفال إحداها، لما كنا سنشهد تسابقاً بين التيارات السياسية لحشد الجهود في سبيل إيجاد حلول لأزمة المستشفيات. وتجلى ذلك في تغريدتين على موقع تويتر. الأولى لوزير الصحة السابق غسان حاصباني، لفت فيها إلى أن “مستشفيات لبنان بدأت بالإقفال بسبب عدم سداد الدولة مستحقاتها”، مناشداً “الوزراء المعنيين اتخاذ الخطوات الطارئة فوراً قبل انهيار القطاع الصحي”. أما التغريدة الثانية، فكانت للنائب ابراهيم كنعان وقال فيها “ينذر هذا الأسبوع بكارثة في القطاع الاستشفائي الخاص، حيث بلغت ديون الدولة للقطاع ذروتها، وارتفعت كلفة التشغيل مع ارتفاع الدولار وتوقف كامل عن الدفع، ليخيم شبح الإقفال على عدد من المستشفيات في كسروان، المتن وبيروت. الحل بقانون برنامج يعالج الأزمة بتقسيط الدفعات”.
دفعات بالتقسيط
وبصرف النظر عن أن التيارين السياسيين اللذين ينتمي إليهما كل من حاصباني (القوات اللبنانية) وكنعان (التيار الوطني الحرّ) يشاركان بالمسؤولية عن السياسات التي أوصلت القطاع الإستشفائي إلى ما وصل إليه اليوم، إلا أن تغريدتيهما دقتا جرس الإنذار اليوم. إذ علمت “المدن” أن البحث يجري جدّياً في وزارة المال للتوصل إلى آلية تقسيم المستحقات المالية للمستشفيات، بشكل يتيح لها الاستمرار ويعزّز قدراتها لمواجهة أزمة كورونا. ومن المتوقع أن تأخذ الوزارة باقتراح المستشفيات، القاضي بتقسيط 30 مليار ليرة شهرياً من المكسورات. أي من الـ2200 مليار ليرة المتراكمة. إضافة إلى التزامها سداد التكاليف الدورية وتقارب نحو 100 مليار ليرة شهرياً.
هذا السيناريو قد يَصعب على الحكومة الإلتزام به، لصعوبة الوضع المالي القائم. لكنه يبقى أحد الحلول القليلة الضامنة للمستشفيات استمراريتها. ويصف نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الحل المطروح بالخيار “غير المعقد”. فلا خيارات إلا بجدولة المستحقات.
المستلزمات والفواتير
ولا تقتصر أزمة المستشفيات اليوم فقط على المتراكمات المالية المُستحقة على الدولة، بل تتعداها إلى أزمة مستلزمات طبية، وأزمة فواتير بالدولار، وأزمة علاقة مع شركات التأمين والمؤسسات الضامنة وغيرها. فكافة المستلزمات الطبية المُرتبطة بالوقاية من وباء كورونا تضاعفت أسعارها بما لا يقل عن 10 إلى 15 ضعفاً، يقول هارون في حديثه إلى “المدن”. كما أن الفواتير الأخرى المرتبطة بكافة الأقسام، باستثناء علاجات “كورونا”، فتُسعّر بالدولار أو بالليرة وفق سعر الصرف في السوق الموازي. ما يعني أن قيمة الفواتير تضاعفت جراء ارتفاع سعر صرف الدولار إلى ما يقارب ضعف ما كانت عليه سابقاً: “وكل ذلك في ظل توقف تام من قبل الدولة عن دفع مستحقات المستشفيات”.
وفي ما خص فواتير الضمان الاجتماعي لصالح المستشفيات والأطباء، فيعمل الصندوق على سدادها بشكل شهري. ويقارب القسط الشهري 58 مليار ليرة بين مستشفيات وأطباء. أما فواتير شركات التأمين، فعلى الرغم من تسعيرها بالدولار من قبل المستشفيات، وفق هارون، إلا أن شركات التأمين تقوم بسدادها بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1515 ليرة للدولار. كل تلك العوامل أضعفت قدرة المستشفيات المالية، وأنهكتها، وأوصلت بعضها إلى الإفلاس التام والإقفال.
في المحصلة، وقعت الكارثة الإستشفائية. وأولى ضحاياها مستشفى سيدة لبنان، التي ستقفل أبوابها بشكل تام منتصف شهر أيار المقبل.
تتسع هذه المستشفى، العاملة منذ عشرات الأعوام، لما يزيد عن 160 سريراً. ويعمل فيها نحو 350 موظفاً وطبيباً. وهناك مستشفيات أخرى تقع في دائرة خطر الإقفال، ما لم يتم تدارك الأمور قبل انفراط عقد المؤسسات الإستشفائية، في منتصف طريق المواجهة مع وباء كورونا.
نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني