العقدة التي لن تحلها الحكومة الأردنية* ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
لا تُحسد الحكومة الأردنية على الوضع الذي تواجهه هذه الأيام على الصعيد الاقتصادي تحديدا، إذ تنهمر الوصفات فوق رأسها، فيما هي وسط خيارات صعبة جدًا.
المشهد واضح جدا، حيث انكشفت أغلب مؤسسات القطاع الخاص، من بائع القهوة والسجائر الذي يقول إن خسارته اليومية بسبب الإغلاق تصل إلى مائة وعشرين دينارا تغطي مصاريفه وكلفة الإيجار وخمسة موظفين نهارا وليلا، وصولا إلى المؤسسات المتوسطة والكبرى، التي كان أغلبها يواجه مشاكل وأزمات وجدولة للديون والالتزامات، وسط مشاكل في التحصيل المالي، ونقص السيولة الشديد، والأمر يمتد هنا إلى الشغيلة وعمال المياومة من الميكانيكي وصولا إلى سائق سيارة الأجرة، مرورا بالمحلات التي يعمل فيها شخص واحد.
لا حلول لدى الحكومة، وكل الإجراءات الإطفائية التي اتخذتها الحكومة، قائمة على تأخير الالتزامات، أو الفواتير، أو منح القروض، أو المساعدات القليلة، حتى نعبر هذه الفترة، وهذا الواقع امتد كما أشير عشرات المرات إلى وضع الخزينة، وفاتورة الرواتب الشهرية للعاملين والمتقاعدين، وهي فاتورة قد لا تكون الحكومة قادرة بعد قليل على دفعها، وقد تضطر إلى وصفات لتعليق الزيادات السنوية التي تم منحها، مؤقتا ولفترة قصيرة، أو خفض الرواتب في القطاع العام، خصوصا، لمن رواتبهم مرتفعة ومعهم فئات من موظفي المؤسسات المستقلة، مع استثناء قطاعات محددة مثل الصحة، والقطاعات العاملة في الميدان خلال هذه الأزمة، وهذه إجراءات تحاول الحكومة تجنبها بسبب كلفتها، لكن لا أحد يعرف إلى متى ستتمكن من ذلك؟!
حتى القروض الدولية، ليست بهذه السهولة التي يظنها كثيرون، إذ كيف يعتقد البعض أن مؤسسات دولية سوف تقوم بمنحنا القروض فيما التقييمات تتحدث عن تراجع اقتصادي في النمو، إضافة إلى أن عشرات الدول الآن تطلب القروض، وقد يكون من بينها دول ثرية أساسا، وإذ بها تقف في ذات طابور الدول الفقيرة، أو المحتاجة، إضافة إلى أن الدول الغنية المانحة، لديها أولويات أخرى، غير توزيع أموالها يمينا ويسارا، على الدول التي يهمها أمرها لاعتبارات كثيرة.
ربما يبدو الكلام منفرا وسلبيا، لكن هذا هو الواقع، الذي يتعامل معه الأردن اليوم، وكل الحلول تقوم على المراهنة على الخلاص من الوباء سريعا وعودة حركة الاقتصاد الداخلي، حتى يستوعب الأضرار التي حدثت، لكن للأسف كل يوم تخرج حالات جديدة، فتضطر الحكومة أن تمدد الحظر، فتتعمق الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر، وكأن من يتسبب بنقل العدوى هنا، يذبح بلدا بأكمله.
الحقيقة المرة التي لا يريد الناس سماعها، تقول إننا أمام وضع جديد تماما، ومما يؤسف له أن تدار الأزمة على طريقة نداءات الاستغاثة الداخلية، فلا يتجاوب إلا عدد قليل جدا، فيما كل التقديرات تقول إن خسارتنا الشهرية بسبب الحظر تصل إلى مليارين ونصف المليار دينار، على مستوى القطاع العام الذي توقفت وارداته كليا، وعلى مستوى القطاع الخاص، هذا فوق أضرار خسارة الوظائف وخفض الرواتب، وقد يكون مفاجئا لكثيرين أن يقال إن أغلب القطاعات التي تم السماح لها بالعمل، يتذمر أصحابها من قلة الشغل، وغياب السيولة، وتوقف كل شيء.
وصفات كثيرة تنهمر على رأس الحكومة التي كلما فكرت بوصفة جديدة للوضع الاقتصادي، خرجت في وجهها أزمة كورونا، لتعيد التفكير بالوصفة مجددا، بسبب تفشي الحالات، وزيادة مدة الحظر، وتعطل دول الجوار، والحركة في العالم، وكأننا نختنق من كل الجهات، فلا تبقى أمامنا إلا حلول قليلة، من بينها الاستدانة الداخلية إذا كان ذلك ممكنا، أو اللجوء للقليل من أموال الضمان الاجتماعي التي لم يبق منها نقدا إلا أقل من مليار دينار، من أصل عشرة مليارات دينار تقريبا، وبقيتها إما سندات حكومية، أو أسهم وعقارات وغير ذلك من محافظ يستثمر فيها الضمان الاجتماعي، وهي استثمارات تعطلت الآن، ويرتد أثر ذلك على الضمان أيضا.
طوق النجاة الأول، خلاصنا من الوباء، حتى يعود الاقتصاد الداخلي إلى حركته، ويتم تعويض الخسائر تدريجيا، وبدون ذلك وكلما زاد أمد الحظر، كلما دفعنا الثمن في القطاع العام، والخاص أيضا، لكنك تكتشف أن بعضنا لا يسمع، ولا يريد أن يسمع، ويتصرف بطريقة تكسر كل التعليمات الصحية، ويمدد عمر البلاء.
هذه العقدة لن تحلها الحكومة، منفردة، فهي بحاجة للخلاص من كورونا، وبدون تعاون الناس، وشراكتهم، سيبقى الوباء، والفاتورة تتضاعف فوق رؤوسنا.
عن جريدة “الغد” الأردنية