مسلسل “الزعيمان” ينفض الغبار عن تاريخ ليبيا المنسي
النشرة الدولية –
في كل سنة، ينتظر عشّاق التلفزيون الموسم الدرامي الرمضاني لمُتابعة ممثلهم المفضّل أو لاكتشاف مسلسلات جديدة، فما بالك في هذه السنة، إذ من المتوقّع أن تقضي أغلب الشعوب العربية شهر رمضان في البيوت بسبب الحجر الصحي بعد تفشي فايروس كورونا المُستجد.
من الأعمال الدرامية الليبية المنتظر عرضها في الموسم الرمضاني الذي شارف على انطلاقه، يحضر مسلسل “الزعيمان”، وهو دراما ليبية تاريخية تجمع بين ثلة من الممثلين الليبيين والتونسيين.
و“الزعيمان” هو الجزء الأول من سيرة أعلام ليبيا للمخرج الليبي الشاب أسامة رزق الذي اختار العمل بمقولة الأديب الليبي الشهير إبراهيم الكوني “أن تترصّدنا عدسة تصوير أهون من أن تترصّدنا عين إنسان، عدسة التصوير تنقل ما نفعل، وعين الإنسان تضيف إلى ما نفعل ما لا نفعل!!”. وها هو رزق يعود إلى حقبة تاريخية من زمن ليبيا ليُعيد تمثّلها بعدسته ووفق رؤية فنية وإخراجية تعدّ الأولى من نوعها في الساحة الفنية والثقافية الليبية.
جزء من سلسلة
يحكي مسلسل “الزعيمان” قصة حياة سليمان الباروني وبشير السعداوي اللذين سطع نجمهما في القرن العشرين ضمن الحركة الوطنية وساهما بقوة في استقلال ليبيا، إذ يكشف العمل جزءا ولو بسيطا ومقتضبا من رحلة نضال محفورة في التاريخ الليبي وذلك بين عامي 1887 و1923.
وتدور كافة أحداث المسلسل الذي يجمع حوالي 250 ممثلا موزّعين بين 40 ممثلا رئيسيا وآخرين ثانويين يحظون بأدوار مهمة في سيرورة القصة التاريخية، حول سليمان باشا الباروني والبشير السعداوي ومحيطهما الضيّق والموسّع أيضا بما يحمله من شخصيات أثّرت بدورها في تكوين “الزعيمين” ومسارهما النضالي، وقد كتب السيناريو والحوار الخاصين بالمسلسل كلّ من عزة شلبي وأحمد نبيل وأنتجه وليد اللافي.
ولم يكن الباروني والسعداوي المؤثرين الوحيدين في تاريخ ليبيا، ولم يلقبا بالزعيمين طيلة حياتهما، حتى أن التاريخ لم يخلّد أيّا منهما بلقب “الزعيم” بل قد ناضلا من أجل حكم المجموعة وعدم تفرّد الحاكم الأوحد بدواليب الدولة. إلّا أنّ المخرج أسامة رزق وفي تصريحه لـ“العرب” يقول حول اختيار عنوان “الزعيمان” للمسلسل، إنه “نابع من إدراك أهمية الشخصيتين في تاريخ ليبيا ومحاولات استقلالهما، وهو العنوان الأنسب للعمل التلفزيوني، ضمن سلسلة كاملة تحت عنوان “سلسلة أعلام ليبيا” سيستمر العمل عليها على أجزاء متفرّقة تصوّر قصص أعلام ليبيا في السياسة والاقتصاد والفن وكافة المجالات المؤثرة في بناء الشعوب والمجتمعات”.
وكشف رزق أنه وبعد نجاح مسلسله التاريخي السابق “زنقة الريح” والذي عُرض في السباق الدرامي الرمضاني 2019، تشجّع للعمل الجديد مع فريق متكامل، وذلك لأجل المزيد من الغوص والبحث في تاريخ ليبيا الزاخر والثري، وتصويره بطريقة حديثة وبتقنيات متطورة من أجل التعريف به لدى أكبر عدد ممكن من المُتابعين في العالم العربي.
وصوّر المسلسل باللهجة العربية البيضاء، وهو ما يكشفه الإعلان الرسمي للعمل، وهي لغة درامية حديثة على الأعمال التلفزيونية الليبية التي اعتادت اختيار اللهجة المحلية في تصوير أغلب أعمالها سواء في عالم التلفزيون أو حتى المسرح والسينما.
ويقول المخرج أسامة رزق إن المسلسل يأتي في 20 حلقة باللغة العربية “لرغبة في ترويجه للدول العربية، خاصة وأنه مسلسل تاريخي ومن الخسارة أن تقتصر مشاهدته على الليبيين أو على جيرانهم في المغرب العربي الذين يعرفون في أغلبهم جزءا من تاريخ البلد ويفكون شيفرات اللهجة الليبية”. ولذلك اعتمد العربية لغة أساسية للمسلسل ولم ينس المخرج أن يثري عمله التاريخي “بحوارات باللهجة المحلية والأمازيغية لكسر حدة النسق اللغوي الواحد”.
وفي اختيار اللغة العربية أيضا توجه نحو جذب ممثلين من مختلف الدول العربية وعدم الاكتفاء بالممثلين الليبيين وعددهم قليل، خاصة وأن العمل تاريخي، ومعلوم أن الأعمال التاريخية عادة ما تتطلب طاقم عمل كبير، إذ تشارك في “الزعيمان” مجموعة من أشهر الممثلين الليبيين والتونسيين والعرب.
ولم يخض الفريق الليبي الشاب مغامرة إنتاج مسلسل تاريخي من فراغ، إذ استمرّ عمله على كل مراحل الإنتاج أشهرا طويلة، حيث خصّص نحو ثلاثة أشهر للتحضير للنصّ وتجميع المواد التاريخية ووثائق الأرشيف، لتتم بعدها كتابة السيناريو على امتداد أربعة أشهر، ثم تمضية حوالي خمسة أشهر كاملة في التحضير لأزياء الممثلين والإكسسوارات والديكور، ليتم تصوير أحداث المسلسل في أحد عشر أسبوعا.
ويقول المخرج إن “اختيار الممثلين كان أطول كاستينغ أشرف عليه في مسيرتي المهنية حيث استمر لـمدة أربعة أشهر، فتح المجال لحوالي 16 ممثلا جديدا من ليبيا وتونس، بناء على توجه اعتمدته منذ دخولي عالم الإخراج التلفزيوني عام 2012 عبر فتحي المجال لاكتشاف مواهب جديدة في البلدين”.
يكشف المخرج أسامة رزق أنه يرجو من هذا المسلسل “بثّ رسالة إيجابية ومشعّة للعالم، مفادها أن ليبيا ما زالت حية، وطالما الوطن موجود فالفنّ حيّ باق، وأن ليبيا لا يقتصر وجودها وذكرها على الحرب والنزاعات فقط بل هي بلد كسائر بلدان العالم ذات تاريخ عريق وفيها من الجمال ما يبعث الحياة في فنانين وموسيقيين ومبدعين ومؤرخين وليبيين أحبوا بلدهم فدافعوا عنه بالقلم والكاميرا وكل الأساليب الإبداعية والفنية المُتاحة لهم”.
وقال رزق “ولمن لا يعرف الشخصيتين الرئيسيتين للعمل الدرامي التاريخي، أذكّره بأنهما من أكبر المجاهدين السياسيين وقد ناضلا من أجل استقلال ليبيا”.
وكان سليمان الباروني الذي ولد في عام 1870 أحد المُبادرين لتأسيس دولة ليبيا الحديثة، إذ أسّس المدرسة البارونية بمدينة يفرن بليبيا و”مطبعة الأزهار البارونية” بمصر عام 1906، وفي عام 1908 أصدر جريدته التي أسماها “الأسد الإسلامي”. عاد الباروني إلى ليبيا ليقود معارك ضد الاحتلال الإيطالي من الفترة 1911 حتى 1916 حين عيّن واليا على ليبيا. تحصل من السلطان العثماني على الباشوية، ثم أعلن أول جمهورية في العالم العربي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية وعملتها البارونية. إلّا أنه اعتزل العمل السياسي عام 1919 بعد اعتراف إيطاليا المزيّف بالحكومة الوطنية الليبية.
وفي عام 1922 أجبرته السلطات الإيطالية على مُغادرة طرابلس حين قاوم محاولة بعض الليبيين اللجوء إلى الاستسلام ورفض الصلح مصرّا على مواصلة النضال ضدّ المستعمر.
تنقل بين دول عديدة في محاولة للبحث عن طريق للعودة إلى أرض الوطن. ولكن محاولاته باءت بالفشل، ليستقرّ أخيرا في سلطنة عمان سنة 1924، حيث عمل مستشارا لدى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، إمام عُمان، وظل فيها حتى وفاته عام 1940 في الهند أثناء رحلة علاجية من مرض الملاريا.
أما بشير السعداوي فهو سياسي ليبي برز في النصف الأول من القرن العشرين، ولد بمدينة الخمس شرقي طرابلس عام 1884، حصل على تعليمه الأول على الطريقة الكُتابية ثم درس الفقه وعلوما أخرى
وكان للمناضل البشير السعداوي دور مهم في محاولات ليبيا للحصول على استقلالها سنة 1951، إذ أسّس حزب المؤتمر الوطني الداعي بضرورة خروج المحتلّ، إلى أن استقلت ليبيا ونفته حكومة المملكة الليبية المتحدة. عمل مستشارا للملك عبدالعزيز بن سعود مؤسّس المملكة العربية السعودية. وظل السعداوي في المنفى حتى توفي عام 1957 بمدينة بيروت، وأعيد رفاته إلى ليبيا عام 1970.
ويتمنّى أسامة رزق أن “يساهم هذا العمل التلفزيوني ولو بشيء بسيط في إعادة البوصلة إلى الوطن الواحد واسترجاع سيرة الأجداد الذين ضحوا بالغالي والنفيس في قتال المستعمر الإيطالي لأجل استرجاع الأراضي الليبية منه وبناء مجدها”.
ومن المؤكّد أن سيرة أعلام ليبيا، ستخضع لتقييم المُشاهد. لكنها قد تخضع أيضا لتقييم النقاد وخاصة المؤرّخين ممّن يهتمون بتصحيح المعلومات والروايات التاريخية إن وجدت، علّهم يجعلون من سلسلة أعلام ليبيا مرجعا تاريخيا مصوّرا بتقنيات درامية تلفزيونية تلقى صداها عربيا وربما عالميا.