غوغل تعتزم تأسيس صندوق لمساعدة وسائل الإعلام لإنقاذ نفسها
النشرة الدولية –
الخطوة التي أعلنت عنها غوغل، الأربعاء، لتأسيس صندوق لمساعدة وسائل الإعلام الإخبارية، ودعمها للاستمرار بعملها في مواجهة تبعات كورونا، ليست كرما كما حاولت الشركة العملاقة أن تبدي الأمر، وقلّدت غوغل في ذلك الخطوة التي سبق أن اتخذها موقع التواصل الاجتماعي الأكبر فيسبوك.
الحقيقة أن الشركتيْن العملاقتيْن إنما تعيدان جزءا يسيرا مما يجب عليهما دفعه لوسائل إعلام وصفوها بالمحلية. بعد أن تلقت تلك الوسائل ضربة مزدوجة بفعل الوباء الذي اجتاح العالم؛ الأولى، جاءت من توقف الناس عن متابعة النسخ الورقية للصحف والمجلات، بعد أن تناقل الناس في ما بينهم خبرا يفيد أن الورق من أكثر الوسائط نقلا للفايروسات.
أما الضربة الثانية فقد تسببت فيها الاقتطاعات الكبيرة في ميزانية وسائل الإعلام بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن حالة الطوارئ الصحية، إضافة إلى الانحسار الكبير في الإيرادات الإعلانية التي تعتمد عليها وسائل الإعلام الإخبارية.
لا يجب السماح لغوغل وأشباهها بالتمادي في تجاهل حقوق النشر، فما كان لصناعة النشر أن تزدهر لولا حقوق الملكية
نائب رئيس غوغل نيوز رتشارد غينغراس، الذي أعلن عن خبر تأسيس الصندوق، أكد أن “الأخبار المحلية مورد حيوي لإبقاء الناس والمجتمعات على تواصل في أوقات الازدهار”، كان المنتظر منه أن يكمل كلامه ليقول، إن هذه الأخبار المحلية هي ما يضمن تواصل الناس مع غوغل ويكفل استمراريتها.
هناك جيش من العاملين؛ مراسلون وصحافيون يعملون جاهدين بحثا عن الأخبار، كلّ في بلده، البعض منهم يعرّض نفسه للمخاطر، وكثيرا ما ينتهي الأمر بهم للاعتقال أو القتل، هؤلاء واجب على غوغل وفيسبوك تقديم الدعم لهم؛ بذلك فقط تضمن تلك المواقع التي ظهرت فجأة وتسيدت الواجهة الإعلامية وجودها، وتتابع تحقيق أرقام خرافية من الأرباح على حساب الجنود المجهولين.
لا نعلم الأرقام التي قررت المجموعة العملاقة ضخها في هذا الصندوق، مكتفية بالقول إنها ستقدّم مساعدات تتراوح بين بضعة آلاف الدولارات لوسائل الإعلام الصغيرة، وبضع عشرات آلاف الدولارات للمؤسسات الكبيرة.
التقديرات الصادرة حتى الآن تشير إلى أن وسائل الإعلام الإخبارية حول العالم ضحّت بـ28 ألف وظيفة، بفعل الأزمة الصحية وتبعاتها الاقتصادية.
وكانت فيسبوك، قد سبقت غوغل وأعلنت في 30 مارس عزمها تقديم مساعدات بقيمة مئة مليون دولار للمؤسسات الإخبارية المتضررة من تفشي الوباء حول العالم.
رتشارد غينغراس: الأخبار المحلية مورد حيوي لإبقاء الناس والمجتمعات على تواصل في أوقات الازدهاررتشارد غينغراس: الأخبار المحلية مورد حيوي لإبقاء الناس والمجتمعات على تواصل في أوقات الازدهار
هذه المؤسسات تؤدي اليوم، وباعتراف غينغراس نفسه، دورا أكبر في نقل المعلومات المتعلقة بكل صغيرة وكبيرة حول الوباء، بدءا بالحجر المنزلي وإغلاق المدارس، وانتهاء بتأثيرات كورونا على الحياة اليومية. ورغم توقف معظم تلك المؤسسات عن طباعة النسخة الورقية، إلا أنها تعمل بشكل محموم لتغطية الأخبار بما فيها تتبع أخبار الوباء.
وإذا كنّا نجهل المبالغ التي ستقدمها غوغل، إلا أننا نعلم حجم الأرباح الصافية التي حققتها المجموعة من عائداتها الإعلانية، خلال الربع الثاني من عام 2019، وهو 32.6 مليار دولار؛ حسب أرقام صادرة عن الشركة. أما فيسبوك فقد تجاوز صافي أرباحها في عام 2019، 16 مليار دولار.
الرقم الذي تطوعت به فيسبوك، 100 مليون دولار، رقم ضئيل بكل المقاييس، ولا نتوقع أن تكون غوغل أكثر سخاء؛ بينما بمقدور الشركتين العملاقتين، تقديم أضعاف هذا الرقم، ليتم الاحتفاظ بجميع العاملين في المؤسسات الإعلامية، ومنع الاستغناء عن المزيد منهم.
يجب أن لا يقتصر الدعم الموجّه لتلك المؤسسات على غوغل وفيسبوك، كل الشركات الرقمية وفي مقدمتها مايكروسوفت وأبل مدينة للإعلام المحلي، وواجب عليها تحمل مسؤوليتها الأخلاقية في إنقاذ تلك المؤسسات من الإفلاس.
يجب أن لا يُسمح لشركة غوغل وأشباهها التمادي في تجاهل حقوق النشر، فما كان لصناعة النشر أن تزدهر لولا حقوق الملكية الفردية، التي استطاعت تلك الشركات أن تتجاوزها بأساليب وطرق ملتوية تصل إلى حدّ الابتزاز.
في مواجهة قوانين حقوق النشر الأوروبية، التي تجبر محركات البحث وفيسبوك وأخبار آبل، على الدفع للناشرين مقابل ما تشاركه من محتوى منهم في خدماتها، فضلت غوغل التهديد بإغلاق خدمتها أخبار غوغل، على الرضوخ للقانون الأوروبي.
وكان قد سبق لغوغل أن أغلقت خدماتها اعتراضا على فرض قوانين لا تلائمها، كما حدث في إسبانيا، ردا على قانون يجبرها على الدفع للصحف التي تتم مشاركة مقالاتها في الخدمة، وكانت النتيجة أن شهدت مواقع تلك الصحف هبوطا حادا في عدد زوارها.
وتراهن غوغل على ما حصل للصحف الإسبانية في دعم موقفها، ولذلك يأتي تهديدها بإغلاق خدمة الإخبار في أماكن أخرى نابعا من قوة؛ نحن من يسيطر على الإنترنت، وعليكم أن تخضعوا لشروطنا.
بالطبع لا نريد أن نقلل من قيمة الدور الذي تلعبه محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في تعميم الخبر ونشره، وتسهيل الوصول إليه، ولكن ما نريد التأكيد عليه أن غوغل وأخواتها تُدين لوسائل لإعلام التقليدية في الازدهار والوفرة التي ترفل بها.
ما يكابده الإعلام التقليدي اليوم هو، إلى حد كبير، بسبب منها، قبل أن يكون السبب هو كورونا، وبناء على ذلك يجب عليها تحمّل النصيب الأوفر من المسؤولية.
فيسبوك سبقت غوغل وأعلنت في 30 مارس عزمها تقديم مساعدات بقيمة مئة مليون دولار للمؤسسات الإخبارية المتضررة من تفشي الوباء حول العالم
الإنترنت مليئة بالأخبار، ولكن، من يمنح المصداقية للخبر هو وسائل الإعلام التقليدية؛ مازال الخبر يستند في مصداقيته على مصدره الأساسي، فالخبر لا يكون خبرا إن لم يكن مصدره نيويورك تايمز، أو الغارديان، أو اللوموند، أو العرب اللندنية، أو الأهرام وغيرها من الصحف والمطبوعات ووكالات الأنباء.
الشركات العملاقة التي تتفاخر اليوم بسطوتها، ما كان لها أن توجد لولا حضارة الورق، ولولا وسائل الإعلام التقليدية. رغم ذلك، الإعلام الورقي مطالب بالاستفادة من المحنة الأخيرة وإعادة اختراع نفسه، عليه أن يتحول من مجرد ناقل للأخبار، إلى حكم على أخبار التي يتناقلها هواة عصر الاستهلاك السريع.
هل كتب كورونا نهاية عصر الورق، وعصر الإعلام التقليدي؟ هذا متوقف على ردود فعلنا نحن البشر، الورق ليس الناقل الوحيد للفايروسات، البلاستيك والزجاج والمعدن كلها أسطح ناقلة للفايروسات، حتى الهواء هو الأخر ناقل للفايروسات.
وكما كانت أول بؤرة لكورونا في الصين، تم اختراع الورق بشكله الحالي أيضا في الصين، عندما أعدّ المخترع الصيني، تساي لون، أول عجينة للورق من قطع القماش الذي سبق نسجه وذلك بعد تقطيعه وخلطة بالماء وضربه جيدا.
هناك اختراعات وُجدت لتبقى، النار مثلا، والعجلة أيضا، وكذلك الورق؛ دعونا لا نشارك بتأبين الورق وإعلان وفاته قبل الأوان، دعونا لا نشارك بحرق 2115 عام من التاريخ.
28 ألف مراسل وصحافي فقدوا عملهم، لن يقولوا شكرا لغوغل، ما تقدّمه لهم هذه الشركة وأمثالها مجرّد فتات، لا يفي ولو بجزء يسير من فضل الإعلام التقليدي على محرّكات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي.