وصفة سحرية لتسكين الهواجس… الموسيقى لها فوائد غير مرئية على صحتنا النفسية والجسدية
النشرة الدولية –
أصبحت الأخبار السيئة خلال هذه الأيام العصيبة التي نعيشها بسبب الحجر الصحي، تأتينا من كل صوب وحدب، لتعكر صفو حياتنا، وتدخلنا في دوامة من الأفكار السوداوية، فيستبد بنا القلق وتنتابنا الهواجس والكوابيس، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في تغير الإيقاع اليومي ونمط النوم، وما قد ينجر عن ذلك من تقلبات عنيفة في الحالة المزاجية من النقيض إلى النقيض.
يمكن كذلك لطبيعة الوسط الاجتماعي أن تؤثر على سلوكنا وحالتنا المزاجية، وبينما نفترض أن هذا الاتجاه يمثل ظاهرة عامة بين كبار السن، إلا أنه قد يطول بدرجة كبيرة الأجيال الأصغر سنا.
كما أن الأطفال الذين يعاني آباؤهم من مزاج سيء، تزيد معدلات تعكر نفسيتهم وشعورهم بالقلق، وبلا شك فالمزاج السيء ينعكس بدرجة أكبر على حياة المراهقين، وقد يؤدي إلى إصابتهم بالاكتئاب.
وتدعم الكثير من الدراسات التي أجريت خلال الأعوام الأخيرة، فكرة عدوى المشاعر، وربطت الأمر بما يعرف بنظرية “العدوى الاجتماعية”، أي أن المشاعر والسلوكيات السلبية، يمكن أن تنتقل إلينا من الأشخاص المحيطين بنا، وأيضا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، حتى في ظل غياب التواصل الحسي أو لغة الجسد مع هذه الحلقات الافتراضية الموسعة.
فإذا كان معظمنا يتأثر بسلوك أفراد العائلة، فذلك يعني أنه في مقدورنا استغلال هذه النظرية السلوكية، لتحفيز أبنائنا على اتباع سلوكيات إيجابية من خلال أساليب بسيطة وغير ملحوظة، ونحثهم بشكل غير مباشر على اختيار ما يناسب مصلحتهم، وترك ما يضر بهم، من خلال ما نتبناه نحن الكبار من أفعال وسلوكيات دون مصادرة حريتهم أو إجبارهم على أشياء لا يرغبون فيها، كالمواظبة مثلا على غسل اليدين والأسنان وممارسة التمارين الرياضية والأكل الصحي وعدم ممارسة العنف المادي أو المعنوي ضد الشريك والمشاركة في الأعمال المنزلية.. وبدلا من أن تكون سلوكياتنا سلبية لم لا تكون إيجابية، وتعم فائدتها على الجميع؟ بل والأكثر من ذلك أن بعض هذه السلوكيات في مقدورها أن تساعد الحكومات والأجهزة الصحية على الحد من المعاناة من الأمراض النفسية والجسدية والفايروسات المعدية.
وهناك طرق أكثر فعالية تساعدنا على تفريغ مشاعر الإجهاد والإحباط وعدم تركها تتراكم وتفاقم المزاج السيء، وعلى الأغلب، فإن البعض منها تستغرق أحيانا دقائق فقط لممارستها، ولكن لها فوائد دائمة في تحقيق الرضا عن الحياة والرفاه.
ومن الأساليب المفضلة التي اختبرتها شخصيا، قضاء بضع الدقائق في الاستماع إلى الموسيقى، التي تلعب دورا كبيرا في المساعدة على التركيز الذهني وتخفيف حدة التوتر والقلق.
من الوجهة الظاهرية، قد تبدو الموسيقى بمثابة وسيلة ترفيه، لا فائدة ترجى منها، خصوصا في زحمة الأخبار حول وباء كورونا والشغف الجماهيري بالمستجدات، التي قد تحمل إليهم خبرا يبشر بقرب كسر عزلتهم، وعودة نسق حياتهم الطبيعي من جديد.
ربما لا تكون الموسيقى وصفة سحرية لعلاج كورونا، لكن من المؤكد أن الاستغراق الذهني الطويل في التفكير في هذا الوباء يؤدي إلى مشكلات نفسية أوسع نطاقا، لكن فاصلا قصيرا مع إحدى السمفونيات الكلاسيكية الشهيرة أو مقطوعة موسيقية معبرة، بعيدا عن صخب التداعيات الإخبارية والتهويل بفناء العالم – الذي أنهكنا وعكر صفونا بشكل غير مسبوق – له الكثير من التأثيرات الإيجابية المحتملة، التي يمكن أن يخلّفها على نفسيتنا، وهو ما يعني أيضا أن ثمة فرصة لا بأس بها في أن يكون هناك شخص ما يجلس بالقرب منا في المزل، قد تتشكل لديه مشاعر وإيحاءات إيجابية من حيث لا يدري.
ربما لم نكن يوما أكثر حاجة، مما نحن الآن إلى هذه المساحة العاطفية التي توفرها لنا الموسيقى بشكل عام، والكلاسيكية منها بوجه خاص.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الموسيقى لها فوائد غير مرئية على صحتنا النفسية والجسدية ومزاجنا، ورفاهيتنا، لكن معظمنا لا يتذكر متى كانت آخر مرة استمع فيها لموسيقاه أو أغانيه المفضلة.
وبالنسبة لي، أحسست من خلال مواظبة زوجي على الاستماع للموسيقى الكلاسيكية في إذاعة كلاسيك أف.أم البريطانية، وجعلها طقسا من طقوس حياتنا اليومية أثناء فترة الحجر الصحي، بأن مستويات التوتر والقلق قد انخفضت لدي بشكل كبير.
ومن حسن حظي أنني تمكنت بطريقة غير مباشرة من الاستفادة من هذه الجرعة الروحية والقوية للموسيقى التي تحسن المزاج وتبعد الهواجس المخيفة، وكل شخص منا له القدرة الذاتية على الاستماع ولو لبضع دقائق يوميا لمقطوعته الموسيقية المفضلة، عندها فقط سيدرك جوهر مقولة أفلاطون “الموسيقى تعطي روحا للكون، أجنحة للعقل، طيرانا للمخيلة وحياة لكل شيء”.