الحريري يرفع الصوت وجنبلاط يتهم دياب بالتحضير لانقلاب
النشرة الدولية –
تراقب الأوساط الدبلوماسية الغربية في لبنان عن قرب عمل الحكومة اللبنانية وترصد الخلافات التي تدور داخلها وبين رئيسها حسان دياب ومن ورائه رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه من جهة، وبين القوى السياسية المعارضة، سواء لتوجهاتها السياسية أو لجزء من مسودة برنامجها الإصلاحي الذي يتعلق بـ”الهيركات” منه، والذي تسبب بردود فعل سلبية خلال الأسبوع المنصرم، من جهة ثانية.
واهتمام سفارات الدول الغربية، وإن تفاوتت أشكاله، يستند إلى عاملين:
الأول هو طلب لبنان خلال اجتماع الرئيس عون والحكومة مع مجموعة الدعم الدولية مساعدة هذه الدول المالية لتنفيذ برنامج الإصلاحات قبل أسبوعين.
والثاني هو السجال السياسي العنيف الذي أطلقه تضمين مسودة الإصلاحات في شأن الاقتطاع من الودائع لتغطية خسائر القطاع المصرفي ومصرف لبنان، بين الفريق الحاكم وبين قوى بقيت خارج الحكومة، أي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي أخذ منحى تصعيدياً، لا سيما مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. فالثلاثة رفضوا “الهيركات” وتقاطعوا في ذلك مع فريق رئيسي في الحكومة هو رئيس البرلمان نبيه بري الذي عاد فنعى هذا الخيار.
سجال ناري بين جنبلاط وعون ودياب
وهذه المواقف استدعت هجوماً مضاداً من كل من عون ودياب. فالأول رد على الانتقادات لمسودة الحكومة واتهام جنبلاط فريق الرئاسة بالكيدية والتسبب بالهدر في الكهرباء وبالسعي للإفادة من أموال مشروع سد بسري (بتمويل من البنك الدولي بأكثر من 800 مليون دولار، ويعارضه أهالي المنطقة وجمعيات بيئية وجنبلاط). وقال عون إن “بعض السياسيين الذي ينتقد عمل الدولة ومؤسساتها، هو مِن الذين فتكوا بالدولة على مر السنوات، وارتكبوا المخالفات المالية وغير المالية، وها هو يحاسبنا على ما ارتكبه من ممارسات”، معتبراً أنه “لا يجوز بعد اليوم السكوت على التجني المتصاعد”. أما دياب الذي كان أقل حدة، فأشار إلى أن “الأموال تبخرت قبل وصولنا إلى الحكم”. ومع قوله إنه اعتمد سياسة النأي بالنفس عن السجالات السياسية، أردف “لن أنزلق إلى محاولات استدراج مكشوفة إلى معارك وهمية، تستخدم قنابل دخانية فاسدة، لم تعد تغطي رغبة البعض بالاستمرار في نهج العصبيات، والمحسوبيات، والحسابات الشخصية والمصرفية”. كما أنه نفذ تراجعاً جزئياً عن “الهيركات” بقوله، إن “نسبة الذين لن يتأثروا (به) لن تقل عن 98 في المئة من المودعين”، بعدما كان قال الأسبوع الماضي إنهم 90 في المئة.
وأعقب رد عون سجال وردود متبادلة بين نواب مقربين منه ومن جنبلاط بلغت درجة عالية من الحدة، مثل قول النائب مروان حمادة إن “العهد الرئاسي انتهى”، فيما رد عليه الوزير السابق عن “التيار الوطني الحر” غسان عطا الله متوعداً إياه بأن “المحاسبة ستطالك أنت وزعيمك ومن لف لفيفهم”.
لكن الرد على دياب تولاه جنبلاط، الذي يتهم رئيس الحكومة بأنه “موظف” لدى النائب جبران باسيل والضابط السابق في المخابرات اللبنانية، الذي كان على صلة وثيقة بالمخابرات السورية النائب الحالي جميل السيد، فقال “السطو على أموال الناس فكرة الأمنيين جماعة رستم (ضابط المخابرات السوري السابق في لبنان) في السراي ومستشار رئيس البلاد الذي طالب باستعادة الأموال المنهوبة والموهوبة وربما الموروثة لأنكم تحضرون انقلاباً مالياً سياسياً للاستيلاء على البلد على طريقة البعث”. وأشار إلى أن “مذكرة الجلب بحق مروان حمادة (صدرت عن السلطات السورية الأسبوع الماضي) تذكرنا بإرهاب الوصاية”.
وفي وقت تصدّر جنبلاط خلال الأسبوعين الماضيين الهجوم على فريق الرئاسة نتيجة معطيات لديه بأن تكرار عون حديثه عن السياسات الخاطئة خلال الثلاثين سنة الماضية، التي سببت الديون وإفلاس الدولة، تهدف إلى توجيه اتهامات لوزرائه وله بأنهم مع فريق الحريري، وراء “الأموال المنهوبة”، قالت مصادر رئيس “الاشتراكي” لـ”اندبندت عربية”، إنه “إذا كان صحيحاً أن دياب لم يكن في الحكم، فإنه ينفذ أهداف فريق عون ومخلفات المخابرات السورية الذين هم جزء من المصائب التي حلت بالبلد اليوم”. وهي تشير إلى “إحاطة دياب نفسه بمستشارين من الضباط اللبنانيين السابقين المعروفين بأنهم كانوا على صلة بالمنظومة الأمنية السورية اللبنانية إبان الهيمنة السورية على لبنان، وأن بعض الوزراء، ومنهم نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر تتولى تشجيع دياب على المواقف المعادية للحريري وجنبلاط، بالتنسيق مع “التيار الحر”. كما أن جنبلاط وسع اتصالاته فأوفد وفداً نيابياً للتشاور مع جعجع.
لم يقتصر الأمر على سخونة السجال بين فريق الحكم وجنبلاط، إذ إن كتلة “المستقبل” النيابية ألحقت انتقاد الحريري خيار الاقتطاع من الودائع لسد فجوة الخسائر المالية، الذي اعتبره “انتحاراً اقتصادياً” وتغييراً لنظام لبنان الاقتصادي، ببيان اعتبرت فيه أن “الحكومة تعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وأن لا حد أدنى لديها من الرؤية للأيام المقبلة، في ظل ما يتهدد البلاد من ملامح انفجار اجتماعي ولا تتشاطر إلا بالحديث عن إنجازات وهمية وعراضات إعلامية، ومواقف كيدية”. ورأت كتلة “المستقبل” أن الحكومة “مصابة بوباء التخبط بالارتجالية والزبائنية”. كما هاجمت “رعاة” الحكومة قاصدة بذلك فريق الرئاسة. وترتقي لغة “المستقبل” بهذا البيان إلى مستوى جديد في انتقادها دياب، بعدما كان الحريري قرر إعطاء الحكومة فرصة 100 يوم كي تبدأ برنامجاً إصلاحياً. وأشارت مصادر في “الاشتراكي” و”المستقبل” إلى أن هناك تنسيقاً وتواصلاً كان يجري في الأيام الماضية بين جنبلاط والحريري الذي كان موجوداً في فرنسا منذ أكثر من شهر، وعاد إلى بيروت بعد ظهر الجمعة 17 أبريل (نيسان). ولم تستبعد مصادر قريبة من “المستقبل” أن تكون عودته ليطلق معارضة تدريجية للحكومة، ستكون الجلسة النيابية التي دعا إليها الرئيس بري الثلاثاء المقبل، بعد طول غياب نتيجة تعليق الجلسات النيابية بسبب كورونا، اختباراً لها.
لكن البارز أن بعد دقائق من وصول الحريري إلى بيروت أعلن مكتبه الإعلامي أنه طلب “من محامي ممثلي الضحايا المشاركين في المحكمة الخاصة بلبنان إبلاغ المحكمة بما غرد به النائب جميل السيد نهار السبت في 11 أبريل الحالي لجهة إقراره بصورة مواربة أن مبلغ 27 مليون دولار أميركي قبضه ثمن قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري”. وكان دار سجال بين السيد والأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري في شأن الفساد، واتهمه الأخير بأن تحقيقات المحكمة الدولية معه في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كشفت 27 مليون دولار في حساباته، فرد السيد قائلاً “إذا الـ27 مليون دولار صحيح، خبّروا اللجنة. هالمبلغ قبضته ثمن قتل رفيق الحريري، وبلطوا البحر”.
واعتبر مكتب الحريري أن “التحدي الأحمق الذي تضمنته التغريدة قرينة عن تلطيه الجبان وراء حصانة نيابية أغدقها عليه الفريق إياه الذي أتى به نائباً لحمايته من أي مساءلة ومحاسبة”. وأشار إلى أن كتلة “المستقبل” ستدرس طلب رفع الحصانة عن السيد. فرد الأخير بأنه رفعها ودعا الحريري إلى ملاقاته في المحكمة.
قبل هذه التطورات كان لافتاً دخول كل من السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، والسفير الفرنسي برونو فوشيه، والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، على خط المداولات واللقاءات التي رافقت تصاعد الخلافات، فاهتموا بالاطلاع على التداعيات السياسية للحملات المتبادلة التي ظهّرها موضوع “الهيركات”، وأجروا اتصالات في هذا الصدد. والتقت كل من شيا وفوشيه جنبلاط مطولاً، فيما اجتمع كوبيش مع كل من رئيس جمعية المصارف سليم صفير وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اللذين عارضا خيار الاقتطاع من الودائع بشدة. وقالت شيا إن بلادها تمارس “الانتظار والترقب” حيال الحكومة لتقييمها و”هي تظهر أحياناً على أنها مستقلة ولديها الرغبة في الإصلاحات، لكننا لا يمكننا القول إن هذه الإصلاحات حاصلة”. ولوحظ تركيزها على أن الإصلاحات يفترض أن تحقق مطالب انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول).
وعلى الرغم من أن التحذير الأميركي من تعيينات في مناصب نواب حاكم مصرف لبنان، لأشخاص لا ترتاح واشنطن لهم حمل دياب على سحبها من جدول أعمال إحدى جلسات مجلس الوزراء قبل أسبوعين، يقول سياسي فضل عدم ذكر اسمه، ممن التقوا بعض السفراء، إن هؤلاء لا يتدخلون بالسجال اللبناني الداخلي الحاصل حالياً ويكتفون باستطلاع خلفياته، ويركزون على أهمية الإصلاحات ويدققون في البرنامج الإصلاحي ويبدون استغرابهم لعدم بدء الحكومة الإصلاح في قطاع الكهرباء، خصوصاً أن المجتمع الدولي اعتبره أولوية الأولويات والاختبار الأول لكسب ثقة المجتمع الدولي. لكن ممثل الأمم المتحدة كوبيش لمّح إلى “المخاطر والفرص التي تحملها مسودة الخطة الاقتصادية الحكومية”، مشيراً بذلك إلى المخاوف من تأثيرها في مستقبل القطاع المصرفي، وإلى الرفض الواسع لـ”الهيركات”. ما أدى إلى سحبه من التداول.
وكشف السياسي نفسه عن أن بعض الدبلوماسيين يبدي خشيته من أن استمرار حال المراوحة اللبنانية في الإقدام على الإصلاحات قد يوصل لبنان بعد مدة وجيزة إلى حال عدم القدرة على تمويل الحاجات الرئيسة المطلوبة وتسيير الدولة. وهم يستغربون التأخير في طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، خصوصاً أن مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الصندوق جهاد أزعور كشف أن لبنان لم يطلب بعد مساعدة الصندوق، على الرغم من أن دياب تحدث عن بدء حوار مع الصندوق الذي عكف على دراسة مسودة برنامج الحكومة. فالجانب اللبناني لم يستفد من الباب الجديد الذي انفتح بتخصيص الصندوق مساعدات لمواجهة وباء كورونا.
نقلاً عن ” اندبندت عربية”