عالم ما بعد كورونا.. فرصة للتحالف أم تعميقا للخلاف
بقلم: تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

ماذا بعد كورونا؟ سؤال يكاد يطغى على الأسئلة العديدة التي يطرحها الوباء، منذ بداية انتشاره، وحتى تحوله إلى آلة قتل عمياء تحصد حياة الآلاف من البشر دون تمييز بين غني وفقير، وبين قوي وضعيف، أو صغير وكبير.

وبقدر الصعوبة التي يجدها المختصون في الإجابة عن أسئلة الناس القلقة، تجد النخب السياسية والاقتصادية والفكرية، صعوبة في تقديم أجوبة جامعة مانعة، لما ينتظر البشر من مشكلات إن هي أفلتت من تهديد الفيروس القاتل، أو نجحت في وقف انتشاره.

والقاسم المشترك بين كل الإجابات، والتوقعات لما ستحمله مرحلة مابعد الكورونا، هو أننا سنكون أمام عالم جديد تختلف فيه الأولويات، وتتبدل فيه العلاقات، ويتغير فيه السلوك الإنساني.

المتفائلون يرون أن هناك فرصة لأنسنة الصراع السياسي والدولي، بما في ذلك الاستعداد لقبول حلول وسط بشأن القضايا والخلافات العديدة المزمنة التي استعصت على الحل، وكلفت البشرية الكثير من الأرواح والموارد. فالكلفة الباهظة المتوقعة لمواجهة آثار الوباء المدمر، ستجعل الجميع -بما في ذلك الدول الكبرى- أمام تحديات غير مسبوقة ، بل إن الرغبة في السيطرة والتفرد بقيادة العالم -كما كانت الحال في مرحلة ما قبل كورونا- ستتراجع إلى حد كبير، فما خلفته الجائحة من نتائج اقتصادية واجتماعية كانت من الضخامة بحيث باتت تشكل عبئا كبيرا حتى على الدول الغنية التي أصبحت أنظمتها الصحية والخدمية في حالة انكشاف، في حين أضحت قدراتها على احتواء الآثار الاقتصادية والمالية الحادة التي نتجت عن الوباء في أدنى مستويات الملاءة والقدرة .

وحتى لو استطاعت بعض الدول الكبرى أن تنجح في احتواء تلك الآثار على اقتصاداتها الوطنية، وأن تحقق السبق في المعركة العلمية لمواجهة الفيروس القاتل ،وفي احتواء ما خلفته هذه المعركة من آثار ونتائج اجتماعية. فإن هذا السبق لا يراكم — بعكس المعارك العسكرية والسياسة السابقة– ، قدرات إضافية توظفها تلك الدول في خدمة طموحاتها السياسية الخارجية ورغباتها في الاحتفاظ بمكانتها الدولية، ضمن نظام دولي قائم على الهيمنة والتفرد بزعامة العالم.

بالمقابل فإن المتشائمين يرون أن الآثار الحادة التي تركها الوباء ستعمق الخلافات القائمة بين القوى الكبرى على طيف واسع من القضايا العالقة والمستجدة .ويجعل الوصول إلى حلول وسط بشأنها غير سهل – حتى لا نقول غير ممكن — في المدى المنظور، لأن مثل هذه الحلول قد تعني سلسلة من التراجعات في مسائل دولية وإقليمية معقدة، مضى على محاولات حلها عقودا عديدة، وأورثت العالم جراحات عميقة يصعب أن تندمل بسهولة.

بالإضافة إلى ذلك فإن المتشائمين يعتبرون أن الخلافات السياسية الإقليمة أو الثنائية، هي صدى للخلافات والمنافسة الاقتصادية المتصاعدة بين الدول الكبرى وبالخصوص بين الصين والولايات المتحدة . فالصين التي ظنت الولايات المتحدة أنها ستكون نسخة جديدة — او معدلة — من النموذج الياباني، والذي نظرت إليه واشنطن حتى سنوات قليلة ماضية، باعتباره حديقة خلفية للاقتصاد والصناعة الأمريكية، أخذت تنافس الولايات المتحدة على المسرح الدولي ، وتتسبب في خسائر مالية وتجارية متنامية. والأخطر من ذلك فإن الصين بعكس اليابان التي انكفأت سياسيا وعسكريا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، لم تعد تتورع عن استخدام قوتها الاقتصادية كأداة سياسية تناطح بها الولايات المتحدة وتنازعها الزعامة على العالم .

والصراع على زعامة العالم لا يعني وفق الواقع الدولي القائم، صراعا سياسيا مجردا، بل صراع متعدد الوجوه، يبدأ بخلافات تجارية ومنافسات تقنية ويمتد ليطال قضايا سياسية وتاريخية عديدة، محكومة بعلاقات البلدين الكبيرين ومصالحهما الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية.

وبين المتفائلين بأن تكون كورونا الضارة النافعة التي تسهم في صياغة عالم جديد، وبين المتشائمين الذين يخافون ان تعمق آثار الجائحة الخلافات الدولية الحالية، هناك من يأمل أن يشهد العالم استراحة محارب ومرحلة التقاط أنفاس، يتفرغ فيها لمعالجة الأثر المدمر الذي خلفته الكورونا، وخاصة في الدول الفقيرة، التي حتى لو نجحت في النجاة من خطر الوباء فإنها لن تنجو من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظرها بسبب الآثار التي تركها الفيروس القاتل.

نقلاً عن موقع “إرم نيوز”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button