هل تنجح حرب حزب الله المعلنة على المصارف؟* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
يبرر المسؤولون اللبنانييون الحاليون، هبوط وتراجع الاقتصاد الوطني بأزمة الفساد المستشري في البلد منذ سنوات. لذا حاولوا تحويل أنظار المجتمعيّن الداخلي والدولي نحو محاربة الفساد. ومن حمل لواء محاربة الفساد، كان بالدرجة الأولى التيار الوطني الحر ومن بعده جاء حزب الله بهذا الملف كأولوية.
لكن سرعان ما فترت همة الحزب أو أنه قرر تأجيل هذا الملف لوقت أخر، يكون فيه الضغط بالبحث عن الفاسدين ذي فائدة، دون إغفال أن من سوف تطالهم سهام الفساد هم الحلفاء قبل الخصوم. أيضاً لظروف سياسية واقليمية ضاغطة، وهو بحاجة لكل ذرة دعم بعد العقوبات الشديدة التي طالت إيران وطالته، وبعد الأزمة الصحية المتمثلة ب”كوفيد 19″.
أما فيما خصّ التيار الوطني الحر، أقصى ما كان يطمح إليه هو الوصول عبر شعارات مكافحة الفساد والنزاهة لكرسي الرئاسة، أما وقد دخل جنات بعبدا فلا فساد ولا من يكافحونه.
لكن الأزمة استمرت وتحولت إلى كارثة اقتصادية مستعصية، تنذر بانفجار إجتماعي قد يكون قريباً جداً. ذلك أن الاستقرار المالي الذي كان يتمثل بالإحتياط النقدي من العملات الأجنبية، الدولار واليورو، أوشك على النفاذ حسب حاكم مصرف لبنان، يقابل ذلك انخفاض في قيمة الليرة اللبنانية، وفي القدرة الشرائية للمواطن. لكن إحتياطي المصرف بدأ بالتراجع منذ نيسان 2018، حيث بدأ في كانون الثاني 2018 بحوالى 43.821 مليار دولار وانخفض في كانون الأول إلى 40.115 مليار دولار. أي أنه تراجع في العام 2018 حوالى 3.706 مليارات دولار. ووصل الإحتياطي من العملات الأجنبية في أواخر آذار 2019 إلى 39.012 مليار دولار. ورغم أنه ما يزال رقماً لا بأس به، إلّا انه تراجع أكثر من مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من 2019. ومن ثم جاء إعلان رياض سلامة أوائل السنة الحالية 2020 ان لدى المصرف حوالي 29 مليار دولار استخدم 7 مليارات منها لإعطائها للمصارف تلبية لإلتزاماتها.
لكن هذه الأرقام لا تعبر حقيقةً عن مرض لبنان الحقيقي، وهو الإختلاف إلى حد التطرف في الرؤية للمعالجة. قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يوماً “إن على لبنان أن يختار من يكون، إما هانوي أو هونغ كونغ”. ولكن هانوي التي خاضت حرباً مدمرة شرسة ها هي تستقبل قمة دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في 27 و28 شباط 2019. فيتنام عرفت كيفية معالجة إرث الحرب وفتح إقتصادها أمام الإستثمارات الاجنبية، وكيفية تطبيع علاقاتها حتى مع من كانت على حرب معها. لأن بناء الأمم والدول لا يقوم على عداوات شخصية، وثارات وإيديولوجيات عفا عنها الزمن.
لكن لبنان البلد المفلس يصر على أن يبقى في حرب مفتوحة مع الدول الصديقة قبل العدوة، وعلى أن يحمل على أكتافه مقاومتان، عسكريةٍ وإقتصادية.
يقول رئيس الجمهورية ميشال عون وخلال زيارته إلى روسيا في أذار 2019 “إن لبنان سوف يكون على رأس “المقاومة الاقتصادية”. ويلاقيه السيد حسن نصر الله وخلال الاحتفال الذي أقيم بالعيد السنوي لـ”كشافة الامام المهدي”، في 22 نيسان 2019، ويقول “كنا نتمنى لو أن القادة السياسيين يذهبون إلى الحل بمحض إرادتهم، لكن يبدو أننا ذاهبون مجبرين بسبب شروط سيدر والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.
“ذاهبون مجبرين” تفاعلت وعلى مدى سنة تقريباً، إلى أن قامت جمعية المصارف ومساهمة منها في الحملة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، بالتبرع بقيمة 6 مليون دولار، في 24 أذار 2020. لكن رد السيد جاء سريعاً، “تبرعتم بـ 6 مليون دولار ببث مباشر عبر وسائل الاعلام بينما بعضكم وبعض أغنياء البلاد يصرفون 2 مليون دولار على فرح وهذا المبلغ لم يكن من الواجب قبوله وهذا أمر معيب”، وتابع “كيف يمكن أن نستثير انسانية أصحاب المصارف وأتمنى مساعدتي لأعرف ما هي الطريقة التي يجب أن نخاطبهم فيها، لا أريد أن أفتح ملف كيف حققوا الأرباح رغم أننا قد نضطر إلى فتح هذا الملف لاحقا”، في 30 أذار 2020 . أيضا النائب عن التيار الوطني الحر جورج عطالله، غرد قائلاً، “المعلومات بتقول إنو تعميم حاكم مصرف لبنان حول تسهيل سحب الدولار للمودعين الصغار جاء بعد كلمة السيد حسن وإتصال اللواء إبراهيم بالحاكم، يعني ما في شي بيمشي إلاّ بالعصا وعلى ما يبدو لازم نغيِّر طريقة التعاطي”.
بغضّ النظر عن التهديد العلني من قبل النائب و”السيد”، قد يكون صحيح أن اللواء عباس إبراهيم تدخل ولكن من باب الحفاظ على الأمن النقدي اللبناني، وليس لهز العصا لحاكم مصرف لبنان كما يتمنى التيار العوني.
ولا يخفى على أحد أن حزب الله يخوض مواجهة مع المصارف وذلك لأسباب عديدة. منها تغيير وجه لبنان الذي يمتع بإقتصاد ليبرالي.
تنص مقدمة الدستور اللبناني (1989)، على أن “النظام الاقتصادي اللبناني نظام حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. ويضيف موقع الرئاسة اللبنانية أن، “للبنان نظام اقتصادي حر يكفل روح المبادرة والملكية الخاصة. وهذا النظام يقوده قطاعٌ خاصٌ يلعب دوراً رئيسياً في مختلف المجالات الاقتصادية، لا سيما قطاع الخدمات والقطاع المالي والمصرفي، والتي تمثل 70% من الدخل القومي اللبناني”. لكن هذا النظام الاقتصادي ظلّ بمنأى عن محاولة حزب الله السيطرة عليه. وهذا ما يقلق الحزب، لأنه يحمّل المصارف تبعات العقوبات الأميركية التي طالته، وهو يعتبر أنه كان عليها أن تحمي ظهره. هو يريد لبنان السياسي والاقتصادي ضمن الحرب المفتوحة بين واشنطن وطهران في المنطقة، ولا يعطي أدنى اعتبار لسياسة الإدارة الأميركية الواضحة فيما خص العقوبات على إيران وحلفائها.
علماً أن المصارف المتهمة بتقديم خدمات مالية لحزب الله وانتهاك قوانين غسل الأموال، بدأ وضعها على لوائح الإرهاب ليس أخرها جمال ترست بنك، بعدما أعلن عن أسماء جديدة ستوضع على لائحة “أوفاك”. وكان سبقه البنك اللبناني الكندي الذي كان خامس أكبر المصارف اللبنانية وذلك منذ عام 2013، بعدما أتهم حينها بتبييض أموال مخدرات لمصلحة حزب الله.
أيضاً، جمهور الحزب غير مستقل عن الشعب اللبناني، وبما أنه قد يكون أكثر المتأثرين بسياسة الحزب وبالوضع الاقتصادي، يريد السيد أن يحول نقمتهم كما نقمة من نزل في 17 تشرين الأول، بإتجاه المصارف.
يشير رئيس الجمهورية إلى مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، خلال إجتماعه بهم في بعبدا، “أن الدولة اللبنانية تعمل حالياً على اعداد خطة مالية اقتصادية شاملة…ضمن برنامج إنقاذي لمعالجة التشوهات التي نتجت عن 30 سنة من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة”. وذكرهم بمسؤولياتهم تجاه أزمة النازحين واللاجئين في لبنان، ظناً منه أنه معفي من تحمل مسؤولية ما ألت اليه الأوضاع، وينسى أو يتناسى أنه في موقع الرئاسة منذ 3 سنوات ونصف، وقبلها رئيس كتلة التيار الوطني النيابية ومنذ 2005.
ويظن السيد نصر الله أن النظام المالي العالمي هو “دكان خاص” يستطيع أن يمحي من دفتره دين مستحق على جار أو عجوز محتاجة. وأنه بالضغط على المصارف وبإجبارها بالتبرع للدولة يجنب البلد اللجوء للمؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي. وكل هذا بهدف واحد هو تحويل النظام الاقتصادي الليبرالي الى نظام يشبه الانظمة الاشتراكية وهو ما يمهد لتدمير هوية الاقتصاد اللبناني القائم على المبادرة الفردية.
هنا تغيب الرؤية والسياسة الاقتصادية التي يجب على الحكومة وضعها، يحيث تكون المصارف في خدمة المشروع الإقتصادي وليس العكس ما عدا ما سرب من إقتراح “لازار” للاستشارات المالية، وهو حسب المعلومات خطة متفائلة للغاية لكن على الورق، إذا لم يكن هناك تغيير في المنظومة السياسية يكاد يكون من سابع المستحيلات تنفيذ هذه الإصلاحات. عدا عن أنه بالكاد تم ذكر الإصلاحات الاساسية في الكهرباء والأملاك البحرية…إلخ. كما يفترض أن هناك مساعدات سوف تأتي من “سيدر” أو أي جهة دولية أخرى، وهو افتراض غير واقعي بالنظر إلى المعطيات. عدا عن الاتكال على الايرادرات التي من الممكن أن تأتي من الزيادة في الضرائب وضريبة القيمة المضافة والوقود وهو أيضاً لا يمكن ان يحصل في فترة الركود التي يعيشها البلد.
لكن المصارف غير بريئة بدورها، وهي تتحمل جزءً من الأزمة الحالية، وعليها مسؤوليات كثيرة. كما كان عليها أن تبادر من تلقاء نفسها للمساهمة ضمن الأزمة المالية، لأنها أولاً وأخيراً، حققت أرباحاً خلال السنوات الماضية. عدا عن أنها دخلت في خضم الأزمات السياسية عندما وافقت أن تكون ممول ومدين لمشاريع الدولة، مما عرضها للإبتزاز السياسي، مع ذلك لازالت مبادرتها دون المتوقع. وعليه، وكي تعيد بناء الثقة مع المودعين صغاراً وكباراً، كما مع المجتمع الدولي، عليها إعداد سياسات تحفيزية تكون جاذبة للودائع الأجنبية كما لأصحاب رؤوس الأموال المحلية، عبر الاستثمار في الصناعات الانتاجية، والقطاع الزراعي. وعدم حجب الودائع عن أصحابها.
كما على مصرف لبنان ضخ السيولة المطلوبة بالعملات الأجنبية حتى لو تخلى عن بعض الاحتياطات، والتدخل لوقف الانحدار في سعر صرف الليرة مقابل ثلاثة أسعار للدولار في السوق السوداء، وتنفيذ مشاريع انتاجية مدعومة من الدولة.
قد يكون من المجدي إعادة هيكلة القطاع المصرفي في المستقبل. لكن حالياً، يجب فصل السياسة عن الاقتصاد، وعدم تصوير أن كل الأزمة هي بسبب الفساد والسياسات المالية. بل وجب وضع الاصبع على الجرح الأساسي، والذي يتمثل بهيمنة حزب الله، ورفضه تدخل مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي لحل الأزمة المالية، وذلك بسسب اقتراح الاصلاحات التي قد تفرض من قبل هذه المؤسسات، كإغلاق المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، كما مراقبة حركة الموانئ والمطار مما قد ينتج عنه اعاقة تهريب الحزب للسلع والأسلحة. هذا فضلاً عن إغراق السوق بالمنتجات الإيرانية، والتي تدخل إلى البلد معفاة من الضرائب، وأخرها مصادقة وزراة الصحة على ستة أدوية لأمراض مستعصية غير مستوفية الشروط.
نقلاً عن موقع “نداء الوطن” الإخباري اللبناني