“الحقائق الملفقة” في عصر “الكورونا” دمار للمستقبل ..!!* صالح الراشد
النشرة الدولية –
تُبدع الدول في أوقات الحروب والمواجهات في صناعة “الحقائق الملفقة” حتى تكسب معاركها، وتختلف قدرات الدول في الإستفادة من هذا المصطلح كونه يحتاج إلى قدرات خاصة، وبالذات في مجال صناعة الإعلام والتلاعب في الأخبار، وتزوير الحقائق وتأليف أكاذيب متعددة بطريقة علمية مبنية على تواتر القصة والرواية، حتى تحولها إلى حقيقة واقعة يصدقها المتلقون في العالم أجمع، وعندها تختفي الحقائق الأساسية وقد تصبح خرافات في عصر يسيطر فيه الإعلام على العالم أجمع، والأخطر أن يتم بناء الدول وسياساتها الإقتصادية والتعليمية والعسكرية على الحقائق الملفقة، كون ذلك يجعل مستقبلها هلامي ويجعل منها دول هشة قابلة للكسر بكل يسر وسهولة.
وفي عصر كورونا ظهرت هذه الصناعة وراجت بشكل غير مسبوق، ولم نشاهدها إلا قبل سنوات حين تم مهاجمة برجي التجارة في نيويوك، واليوم نعود لذات الإسطوانة القديمة بتحويل الإعلام من ناقل للخبر إلى صانع للحدث، فالإعلام الأمريكي يسوق وبكل قوة وتواتر بأن الصين سبب مرض كورونا وأنها من صنعت فايروس ” كوفيد -19″، واستطاعت أن تحول الصين إلى الشيطان الأكبر وهو اللقب الذي كان حكراً على الولايات المتحدة، وتسعى الصين عبر إعلامها الضعيف إلى تثبيت هذا اللقب على عدوها الإقتصادي اللدود، لذا فإن الحقيقة تغيب حالياً كون حجم الحقائق الملفقة كبيرة جداً وحجبت الرؤيا السليمة عن المتسبب في تهديد العالم بالدمار وإنهيار بعض إقتصادات الدول.
وحاولت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في الدول العربية الدخول في لعبة التلفيق الإعلامي، لكنها فشلت كونها تجيد التلفيق في مجال الحروب في ليبيا واليمن وأحداث سوريا، أما في الأحداث الكبرى فتتصاغر وتعود إلى حجمها الطبيعي، وتتحول إلى متلقي غير قادر على طرح أفكار مبنية على أسس قابلة للتصديق، وحاولت بعض المؤسسات الإعلامية في دول عربية صناعة وجهات نظر معينة، فهناك من ذهب بأفكاره إلى أقصى درجات التشاؤم وآخرون إلى قمة التفاؤل، وبقي بين الطرفين مجموعة يمسكون العصا من المنتصف، وينتظرون إماطة اللاعبين الرئيسين من دول العالم للثام عن حقيقة المرض والعلاجات التي تم إكتشافها.
لذا فإن الحروب الكبرى تحتاج إلى أسلحة تتناسب مع المعركة وهي متوفرة لدى الولايات المتحدة، التي تتحكم في أبرز قنوات العالم القادرة على صناعة “الحقيقة الملفقة”، وفي مقدمتها “فوكس نيوز”، “سي أن أن”، “ان بي سي” وتجد هذه القنوات دعماً من قناة “بي بي سي” البريطانية إضافة إلى عدد ضخم من الصحف منها الجارديان البريطانية وول ستريت، نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكية، وتتحدث جميع هذه القنوات والصحف باللغة الإنجليزية المنتشرة عالمياً، ويقابلها في الصين صحيفة “تشاينا ديلي” الناقطة باللغة الإنجليزية، أما عربيا فلدنيا “جزيرة” قطر و”عربية” السعودية و”سكاي نيوز” الإماراتية وبعض القنوات المصرية، وجميعها ذات تأثير محدود في المنطقة العربية، وبالتالي لن تكون قادرة على صناعة “الحقيقة الملفقة” أو “صناعة الكذب” إلا بما يخص المحيط والشأن العربي، وعدا ذلك فهي بلا قيمة في الصراع العالمي الجديد بين كبريات دول العالم، مما يجعلنا غير قادرين على أن نكون عناصر فاعلة في التأثير على الفكر والتخطيط العالمي، لنرتضي بلعب دور الكومبارس معتقدين أننا الأبطال، ولن نستفيق إلا بصدمة تتجاوز جائحة كورونا بأضعاف لتعيد الشعور والفكر والروح العربية إلى مكانها قبل أن تختفي ونتحول إلى ظلال للغرب.