رمضان … شهر راحة الأرواح
بقلم: الدكتور خالد الملكاوي

النشرة الدولية –

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أما بعد …

يطل علينا شهر رمضان المبارك هذا العام في ظرف استثنائي، ونحن والبشرية جمعاء نعيش في ظل هذا الظرف الصعب الذي عمَّ أرجاء المعمورة، فانقلبت كثير من الموازين واختلت كثير من العادات، وانتشر الخوف والاكتئاب والقلق والتوتر دونما بارقة أمل لحل قريب أو نهاية متوقعة لهذا المرض الذي أرعب كثيرا من الناس وأقض مضاجعهم.

يأتي شهر رمضان المبارك على الأمة الإسلامية ونحن أحوج ما نكون إليه، نعم فما أحوجنا إلى استشعار معاني الافتقار إلى الله تعالى والتسليم بقضائه وقدره في ظل هذا البلاء والامتحان الذي نمر به، هذه المعاني التي ترسخ وتستوطن في النفس إن لزمتَ طريق التقوى وألفته، وأين كرمضان شهرٌ يقوى فيه الإنسان على كسر نفسه وكبح جماحها وإلزامها بالطاعة وإلجامها عن المعصية؟ أي شهرٍ كرمضان يأتي كمدرسة عملية يتعلم فيها المسلم كيف يكون الصبر وحبس النفس وقهرها على مفارقة المستحسنات والمألوفات فيتفرغ عندها للضروريات والمهمات وينطلق نور بصيرَته متجاوزًا حجاب الدنيا الفانية وزخرفها متشوقًا إلى الآخرة الباقية مقبلًا إليها؟ فيا له من شهر عظيم مبارك، ويا له من فرصة نفيسة ثمينة لتصويب مسار حياتنا في هذه الدنيا وفق ما دعانا إليه شرعنا الحنيف وأرشدنا إليه سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه.

وفي رمضان كذلك تجليات لمعاني الوحدة الإسلامية، فالصيام يجمع المسلمين في رمزية للأخوة والتواصل والاجتماع وإن تباعدت البلدان، واختلفت الألسن والألوان، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في كل حين وأوان، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

رمضان يأتي ونحن بحاجة ماسة لإظهار معاني التكافل والتعاضد بين أبناء الوطن الواحد ونحن نعاني الظروف الصعبة التي منعت الكثيرين من العمل والتكسب وتوفير لقمة العيش، فأين كرمضان شهرٌ تجود فيه الأنفس ويغمرها الإيثار والشفقة والعطف، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في سخائه وكرمه وإنفاقه الكثير الكثير في سبيل اللّه تعالى. كيف لا وهو سيد الكرماء وأجود النّاس فقد جاء في الصّحيحين عن أنسٍ رضي اللّه عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ». وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في رمضان ويزداد، وذلك لأسبابٍ: أحدها: أنّ شهر رمضان موسم الخيرات لأنّ نعم الله على عباده فيه زائدةٌ على غيره، ثانيها: أنّ الصّدقة في رمضان أفضل منها في غيره لما جاء في سنن الترمذي عن أنسٍ عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» ومنها أنّ شهر رمضان شهر المواساة والتّعاون والمساعدة والرّحمة والمغفرة والعتق من النّار.

هو رمضان، شهر راحة الأرواح بتعب الأبدان في طاعة الله، ومن اشتاقت روحه للراحة والطمأنينة والسكينة، فليشمر عن ساعد الجد وليمضِ بقدم العزم، وليجاهد نفسه لتنقاد له، وليسارع إلى مغفرة من الله ورضوان وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

سائلين الله عز وجل أن يبلغنا شهر رمضان وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وقراءة القرءان وأن يجعله شهر أمن وسلام على بلدنا الأردن وسائر بلاد المسلمين إنه سبحانه على كل شىء قدير … والحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى