الكاتبة وداد رضا الحبيب: أطرح قضايا عديدة من رحم الواقع ولي اهتمام خاص بقضايا المرأة
النشرة الدولية – حاورها طلال السُكّر –
الكاتبة التونسية، وداد رضا الحبيب، تجيب على الأسئلة بذكاء محترف، دون تحوير ومراوغة، حاولنا معرفة خفايا الكتابة وأسرارها عندها، استطاعت أن تشد القارئ إلى نصوصها المتنوعة، وتشعر أثناء حديثك معها بأنّها امتلكت ناصية القلم وكبرياءه.
تقول الكاتبة وداد: الكتابة الأدبية حياة من نوع خاص، إنّها مكابدة لذيذة ووجع جميل. أكتب من نفسي لكلّ الذين يقفون على ضفّة الانتظار… انتظار ميلاد جديد وفجر متجدّد… أكتب للإنسان الذي يكابد من أجل أن يعيش ..للمرأة التي تبحث عن كيانها المفقود ..العاشقة التي تُذبَحُ مشاعرها على خشبة النسيان والقه.
تتلمس ثقافتها الواسعة المتعدّدة التي أضافت لشخصيتها المبدعة الكثير، مما يجعلك تطيل الحوار معها.
1/ من هي الكاتبة وداد رضا الحبيب ولمن تكتب؟
أديبة وشاعرة تونسيّة متحصلة على الأستاذية في اللغة والآداب الفرنسيّة وأتمّم حاليا مرحلة البحث في الماجستير فلسفة الحداثة والتنوير. يتقاسمني عالمان النّثر والشعر. صدر لي في القصّة “ثرثرة أنثى” و”سزيف الأخير” كما صدر لي في الشّعر “أنا العاشقة “، ‘خيال المرايا” و ” كأسطورة في كتاب الفناء”. كما ستصدر لي قريبا أوّل عمل روائي.
لمن تكتب وداد رضا الحبيب؟ من الصعب الإجابة على هكذا سؤال لأنّ الكتابة ليست قرارا، ليست طرفا فكريا وليست على هامش الحياة. الكتابة الأدبية حياة من نوع خاص، إنّها مكابدة لذيذة ومتعة حقيقيّة. عندما أكتب أكون في مناخات مختلفة وأنا أعتقد أنّ فعل الكتابة قائمة بذاته لذاته. الكتابة بالنسبة لي هي الوجود وهي التي من خلالها أوجد وينبثق المعنى من حولي. هذه النقطة بالذات: لمن يكتب الكاتب أو لمن يبدع الفنان بصفة عامة؟ هذه اشكالية طرحها عديد المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ ولازالت تطرح وستطرح دائما لأنّ الفعل الابداعي هو جوهر الكيان الإنساني وربّما هو أجمل ما يمكن أن يبقى من الانسانيّة بصفة عامة.
2/ كيف ساهمت سنوات النشأة الأولى ثم دراستك في تشكيل وعيك الثقافي وذائقتك الإبداعيّة؟
أعتقد أنّ الكاتب – أيّ كاتب – لا بدّ أن يكون قد انطبع في مرحلة أولى بشتّى المدارس الفكريّة وتشبّع بعديد الثقافات. بداية دراستي كانت علميّة فأنا متحصلة على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبيّة واكتشفت الفلسفة وشّغفت بها في السنة الأخيرة من نهاية المرحلة الثانويّة. وأنا مولعة باللغة الفرنسيّة منذ صغري وتخصّصي في هذه الحضارة واكتشاف الآخر المختلف فكريا سياسيا ايديولوجيا أدبيا جعلني أدرك أن لا وجود لحقيقة مطلقة وأن جمال العالم هو نتاج هذا الاختلاف و الان وطبعا دراستي الحاليّة في الماجستير فلسفة ستؤثّر ايجابا على كتاباتي النثريّة والشعريّة. هذه الينابيع الفكريّة المختلفة وغيرها تمنح الكاتب مساحات ابداعيّة وحريّة ورؤية مختلفة. ويبقى عشقي دائما للغة العربيّة التي أستمدّ منها عمقي الحضاري. في كتاباتي بين الشعر والنثر أعترف أنّني أميل إلى الواقعيّة المشوبة بالرّومنسية الحالمة.
3/ كيف أستطاعت وداد رضا الحبيب الجمع بين النثر والشعر؟
أوّل كتاباتي كانت في الشعر الصوفي لكن أوّل اصدار لي كان في النثر مع مجموعتي القصصيّة “ثرثرة أنثى” ولا أرى في ذلك أيّ تناقض. هذا التنوّع يثري التجربة الابداعيّة ويجعل من فعل الكتابة في حدّ ذاته أكثر عمق حيث المبدع يذهب بعيدا في غواية الكتابة ويتحدى حدود اللّغة ويحاول أن ينحت منها نصوصا تحلّق بجناحي جمالية اللّغة من ناحية وعمق المعنى من ناحية أخرى.
أعتقد أنّ النثر والشّعر توأمان لكنّهما من رحمَيـْن مختلفيـْن وإذا كنت قد أصدرت شعرا ونثرا، فالأكيد أنّني لا أرتهن لجنس واحد في الكتابة الإبداعيّة.. وأنا لا أعتبر التخصّص في جنس واحد استثناء، بل أراه تحنيطا للمبدع وتكبيلا له وقيودا تحدّ من انطلاقه نحو فضاءات أرحب… التنويع ليس مبدأ بل حقيقة تفرضها روح الإبداع وقريحة المبدع… ولا أرى أنّ ذلك يخلق تشتّتا وفوضى، بل على العكس ..التنويع يخلق امتداداً وتواصلاً وانتشاراً.
4/ هل فكرت في الكتابة بغير العربيّة للتواصل مع القارئ من ثقافة أخرى؟ وهل لك اهتمام بالترجمة؟
في فترة المراهقة كنت أكتب بعض القصص باللغة الفرنسيّة. ولم أفكّر يوما في نشرها. منذ مدّة أيضا كتبت قصائد باللغة الفرنسيّة قصص للأطفال ولكن لا أفكّر في نشرها. مسألة التواصل مع من يقرؤون بغير اللغة العربيّة ، أنا أفضّل الترجمة ولي بالفعل عديد النصوص الشعريّة المترجمة للغة الفرنسيّة وقام بترجمتها الشاعر التونسي المعروف رضا صرصر وهوفنان تشكيلي وشاعر له عديد الدواوين باللغة الفرنسيّة .
بالنسبة للترجمة فأنا أؤمن بالاختصاص و الترجمة ليست مجرّد اعادة كتابة النص بلغة أخرى بل يجب ترجمة روح النص و من يكتفي بمجرّد الترجمة القاموسيّة والنحويّة فهو ناقل للنص و ليس مترجما ذلك أنّ اللغات ليست مترادفة وليست منظومات متشابهة بحيث يمكن الاكتفاء بتوفير الألفاظ أو التراكيب. والترجمة هي عمل ابداعي بامتياز وفي عديد الأعمال نجد أنّ النص المترجم له من الجماليّة ومن الطرافة وحتى العمق في المعنى ما يفوت النص الأصلي. لذلك أعتقد أن الترجمة لا تقلّ أهميّة وخطورة عن العمل الأدبي نثرا كان أو شعرا.
5/ لماذا الكاتب المبدع مُكرَّم خارج بلده أكثر من بلده نفسها؟
هذه مسألة وعي من قبل المشرفين خاصّة في وزارة الثقافة ولكنّها ليست قاعدة، فكثيرون هم الأدباء الذين كرّمتهم بلدانهم وعُرفوا فيها أكثر من غيرهم ممّن استقطبتهم دول أخرى .. الفيصل في المسألة وعي المشرفين بدرجة أولى.
6/ كيف تصف الكاتبة وداد رضا الحبيب المبدعين والأدباء التونسيين ومستوى النشاطات الثقافيّة في تونس مقارنة بالدول العربيّة؟
الساحة الثقافيّة التونسيّة تشهد حراكا ثقافيّا ملفة وعلى جميع الأصعدة وبمختلف الفنون وأجناس الابداعيّة فالمبدعون والمبدعات التونسيون كثرٌ ولهم حضور مشرّف في الساحة الأدبية والثقافيّة داخل تونس وخارجها .. لا أزعم أنّي على درجة من الكفاءة لأقيّم تقييما نقديا لأدباء وأديبات بلادي ولكنّي أؤكّد بكثير من الثقة ما لهم من قيمة جليلة ..المبدع التونسي ليس أقل أو أكثر من أيّ مبدع عربي والظروف التي حفّت ببلادنا ألقت بظلالها على بلدان أخرى ..تلك الظروف لم تحدّ من تميّز المبدع التونسي .. بل زادته تميّزا وحضورا لافتا ويكفينا فخرا فوز، هذه السّنة ، الدكتور محمد آيتميهوب بجائزة الشيخ زايد للكتاب لفرع الترجمة وفوز الشاعر التونسي المنصف الوهايبي بنفس الفائزة لفرع الشعر.
7/ ماذا عنك، ما هي الموضوعات التي تتناولينها في نصوصك؟
نصوصي القصصية والشّعريّة تطرح قضايا عديدة من رحم الواقع و لي اهتمام خاص بقضايا المرأة بكل تمفصلات وضعها وقضاياها الحارقة الاجتماعيّة والسياسيّة و العاطفيّة و غيرها.
8/ كيف ترين التجربة الشعريّة عند الشباب من الجيل الجديد ،وخاصة قصيدة النثر؟
الكتابات الشعرية للجيل الجديد فرضها عصرهم والقول الإبداعي عندهم مختلف عن الغزل عند القدامى أو حتى عند المحدثين. هي نصوص رومنسية مشحونة بطاقة اللغة المعاصرة والصور الشعريّة المناسبة لزمانهم واهتماماتهم و مشاغل عصرهم وهذا ما على النقّاد أن يدركوه جيّدا اذ لا يمكن ومن غير المُنصف أن تُقارب نصوص الحاضر بأساليب الماضي. شبابنا استحدثوا شعرا خاصا بهم له أساليبه ومواضيعه وجماليّته وفلسفته الخاصة ومن هذا المنطلق يجب ولوجه والخوض في هندسته وعوالمه الخاصة.
9/ ما جديدك؟
ستصدر لي قريبا رواية و مجموعة شعريّة. كل مولود أدبي هو عالم جديد يرقص على ايقاع خاص به. وأرجو أن ينالا استحسان القراء. الرواية من عنق الواقع العربي المعاصر ومشاغله تطرح قضايا الدين والتسامح والعلاقات لزوجيّة والاجتماعية. أما المجموعة الشعرية فهي تحلّق بجناحي القصيدة العموديّة والقصيدة النثر.
10/ كلمة أخيرة لقراء النشرة الدّولية؟
سعيدة جدّا بهذا اللقاء المميّز.. شكرا لكم على هذه الدعوة الكريمة التي مكّنتني من مصافحة محبّي الأدب والشأن الثقافي العربي بصفة عامة.. أرجو لكم مزيد التألّق والانتشار ..