ما مصير الودائع في البنوك اللبنانية بعد خطّة التعافي؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 –  نوال الأشقر –

حجز أموال المودعين في المصارف اللبنانية منذ حوالى عامين ونصف العام، وتحوّل القطاع المصرفي إلى “زومبي بنك”، وإلى حلبة صراع مع المودعين، كفيل بالتأكيد أنّ خللًا بنيويًا أصاب هذا القطاع، الذي طالما شكّل عماد الإقتصاد اللبناني. إصلاحه بعد الحال الذي وصله وأوصل المودعين إليه، هو حاجّة ملحّة، قبل أن يكون شرطًا ضمن الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي. هذا الخلل لا تُسأل عنه المصارف وحدها، وإن كانت تتحمّل جزءًا من المسؤوليّة، في إقراض أموال الناس لتُنفق في دهاليز الهدر والفساد، والذي تتصدّر الكهرباء قائمته بلا منازع، بعد إنفاق ما يقارب الـ 50 مليار دولار على قطاع الكهرباء وحده، بلا جدوى.

الحكومة تعمل على مشروع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهي تسابق الوقت لإنجاز رزمة القوانين المطلوبة ضمن السلّة الإصلاحية، وإرسالها إلى المجلس النيابي في الفترة الفاصلة عن 15 أيار، الأخير يحاذر مقاربة هذه القوانين، لأهداف انتخابيّة شعبويّة، فلا الوقت يسمح ولا المصالح بإقرار هذه القوانين في الولاية المجلسيّة الحاليّة، بالتالي إصلاح القطاع المصرفي، وكافة القوانين المدرجة ضمن خطة التعافي، ستنتقل حكمًا إلى المجلس النيابي الجديد.

ما يهم اللبنانيين من إعادة هيكلة القطاع المصرفي، أمران، استعادة ودائعهم، وعودة هذا القطاع للممارسة وظيفته في العجلة الإقتصادية عبر القروض المصرفيّة. خلال الأزمة، أتاح مصرف لبنان للمصارف البدء بعملية هيكلة ذاتيّة، لاسيّما من خلال التعميم 154 الصادر في آب 2020، الذي ينصّ على زيادة رأسمال المصارف بنسبة 20%، خلال مهل محدّدة، على أن تخرج المصارف المتعثّرة من السوق، وكان المركزي يمدّد المهل بعد انتهائها مرّة تلو الأخرى، انقضت سنتان، ولم يتحقّق هدف التعميم، وكان يفترض أن يصدر تقريرٌ عن اللجنة التي شكّلها مصرف لبنان وجمعية المصارف، لتحديد المصارف التي استوفت الشروط وتلك المتعثّرة، ليُصار بعدها إلى طرح إعادة الهيكلة، كوسيلة تؤدّي إلى الدمج أو الشراء أو البيع أو التصفية الذاتيّة للمصارف التي فشلت في زيادة رأسمالها، وفقًا لوضع كلّ مصرف. كل ذلك لم يتحقق، استكملت المصارف سياسة تحميل المودع الجزء الأكبر من الخسارة من خلال هيركات على السحوبات وصلت إلى 80%، فضلًا عن حجز الودائع وصولًا إلى حجز جزءٍ من الرواتب. حجّة المصارف الدائمة أنّها أقرضت الأموال للدولة عبر مصرف لبنان، وأنّ الدولة توقّفت عن الدفع وتطلب شطب ديونها، في الحالتين المودع لا يتحمّل مسؤولية مغامرة المصارف بأمواله وإقراضها لأيّ جهة، كما لا يتحمّل مسؤولية الفساد الأعظم الذي طبع إنفاق المال العام.

كيف ستحصل عملية هيكلة القطاع المصرفي؟ من هي الجهة المولجة بتطبيقها؟ وما مصير أموال المودعين في الهيكلة المفترضة؟

من الناحية القانونيّة يجب أن يقرّ مشروع هيكلة القطاع المصرفي في الحكومة، ثمّ يُرسل إلى المجلس النيابي ليقرَّ بصيغته النهائيّة، أمّا التنفيذ فيعود لمصرف لبنان، وفق رئيس الجمعية الإقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد، وهو محاضر في إقتصاد الطاقة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وإقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي. في حديثه لـ “لبنان 24” يرى راشد أنّه لا يمكن مقاربة كلّ المصارف ضمن سلّة واحدة، واعتبار أن وضعها مماثل بل يجب تقييم وضع كلّ مصرف على حِدَة “والأهم يجب أن يزيلوا من حساباتهم شطب الودائع، ليس لأنّها تعاقب الجهة البريئة على ذنب لم ترتكبه، وليس لكونها غير شرعيّة وغير قانونيّة فحسب، بل لأنّها تضرب الثقة بالإقتصاد اللبناني لمدة عشرين سنة قادمة، وتضرب القدرة الشرائيّة للمواطن وتوقف عجلة الإقتصاد. ولأنّ الخطة المفترضة مع صندوق النقد يجب أن تبني لا أن تهدم، لا بل من استبعاد هكذا إجراء”.

أكبر مصارف العالم لا تملك النقدي

بالمقابل القول إنّ المصارف لا تملك أموالًا لتعيد الودائع، ليس في مكانه، يلفت راشد “فالمصارف في كلّ العالم لا تملك الأموال النقدية، ولا يمكن لها في أكبر الإقتصاديات أن تعيد أموال الناس في الوقت نفسه. في الولايات المتحدة في حال أراد المودعون سحب ودائعهم في الفترة نفسها، لا يمكن للمصارف تلبية ذلك. وكذلك حال الدولة، من الخطأ الإعتقاد بأنّها مفلسة، فالدولة عندما تُنفق أكثر من مدخولها تتجه للإستدانة، وتنفق أموال الضرائب وما استدانته على الخدمات، كبناء الجسور والطرقات والصحة والتعليم وما إلى ذلك، في لبنان صحيح أنّ جزءًا من الخسارة هي في الأموال التي استخدمتها الدولة على قطاعات مثل الطاقة وأدارت هذا القطاع بطريقة سيئة جدًا، لكن كلّ الدول بما فيها ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تعيد ديونها، بل المهم أن تتمكّن من خدمة هذه الديون. مثلًا ديون الولايات المتحدة تبلغ عشرين تريليون دولار في حين أنّ مدخولها يقارب 16 مليار دولار، ولا يمكن لها أن تقوم بسداد ديونها. من هنا إجراء كشطب الديون، صحيح أنّه يخفّف التكلفة ولكن ضرره كبير جدًا، تمامًا كقتل المريض قبل شفائه، ويجب أن نتعلم كيفية إدارة الموارد التي نملكها”.

السوق يحدّد حجم المصارف

في لبنان حوالي 59 مصرفًا، قد يعتبر البعض أنّ عدد المصارف أكبر من حجم السوق اللبناني، وأنّ الحلّ بتصفيتها، وإنشاء 5 مصارف جديدة، وهو ما طرحته حكومة دياب. هذه المقاربة غير صحيحة بنظر الدكتور راشد، فالعدد ليس هو المهم، إذ لا يمكن القول يجب أن يكون في بيروت 100 مطعم، بل أنّ السوق هو من يحدّد، والمصرف يقدّم خدمات، وطالما السوق يستوعب، يكبر العدد أو يصغر حسب الحاجة، لكن المعيار يكمن في عمل كلّ مؤسّسة مصرفيّة، ويمكن لمصرف صغير أن يكون أفضل من مصارف كبيرة. أمّا إدخال مصارف جديدة، فيكفلها النظام القائم على حريّة الإستثمار، لكن استبدال 60 مصرفًا بخمسة بنوك جديدة لا يُحدد من قبل الدولة بل الإقتصاد من يرسم ذلك”.

خطة التعافي يجب أن تكون مدروسة بشكل دقيق كي لا تضرب الإقتصاد، وهيكلة المصارف هي جزء منها، يختم الدكتور راشد، مشيرًا إلى وجوب التوجه نحو القطاع الخاص في الكهرباء وغيرها من القطاعات أسوة بالدول المتطورة، على أن يبقى التنظيم بيد الدولة، مع وجوب الإلتزام بعدم ضرب المنافسة لصالح الإحتكار بطرق غير قانونيّة.

بأي حال لا بدّ من تحديد أيّ اقتصاد نريد، لتحديد دور الوساطة المالية فيه، واستعادة دور القطاع المصرفي حاجة ملحّة ليس للمصارف فحسب بل لأيّ خطة نهوض، والمسؤولية تقع على عاتق المجلس النيابي المقبل، عبر التشريعات التي يفترض أن يقرّها والتي ستحدّد وجه الإقتصاد ودوره في المرحلة المقبلة.

Back to top button