بين نعوم شبيب ومسلسل “أم هارون”* نيرڤانا محمود

النشرة الدولية –

هل تعرف من هو نعوم شبيب؟ ماذا عن برج القاهرة، هل تعرفه؟

لا يوجد مواطن مصري أو زائر إلى مصر لا يعرف برج القاهرة. أحد أهم معالم العاصمة المصرية. ولكن ما لا يعرفه كثيرون، أن من صمم ونفذ هذا البرج، على شكل زهرة اللوتس المصرية، هو المهندس اليهودي المصري نعوم شبيب، الذي يعد من أهم رواد العمارة المعاصرة في مصر.

ترك نعوم شبيب تراثا تاريخيا كبيرا لا تزال ملامحه موجودة حتى الآن في كل أنحاء القاهرة.

لم يصمم نعوم برج القاهرة فقط، بل صمم مبنى جريدة الأهرام والعديد من المباني الأخرى المميزة الأخرى ومنها كنيسة سانت فاتيما الجميلة بمصر الجديد.

ولكن بالرغم من هذا التراث المعماري الجميل، إلا أن شبيب أصبح اسما في طي النسيان. لماذا؟ ببساطة لأنه “يهودي”.

هوية تعتبر من قبل البعض وصمة عار. يربطونها بالحركة الصهيونية والتطبيع مع إسرائيل. حتى المقالات المنشورة عن شبيب تعمدت عدم ذكر هويته اليهودية.

تذكرت شبيب حين قرأت عن الجدل الذي فجره المسلسل الخليجي “أم هارون” المقرر عرضه في شهر رمضان، والذي يتناول التواجد اليهودي في دول الخليجية في أوائل القرن العشرين. وكالعادة، وجهت اتهامات التطبيع مع إسرائيل ضد المسلسل حتى قبل عرضه.

على مدى عقود عديدة، أصبحت تهمة التطبيع مع إسرائيل وسيلة لطمس ذكرى اليهود العرب ومساهمتهم الإيجابية في المجتمعات العربية.

وكأن إنكار تاريخ الوجود اليهودي في العالم العربي هو الحل للقضية الفلسطينية، والأسلوب الأمثل لإفشال ما سمي بـ “صفقة القرن”.

أصبح كل شيء مرتبط بشخص يدين باليهودية، في نظر العديد من المصريين والعرب، رمزا للعمالة والخيانة والصهيونية.

نعوم شبيب هو مثال صارخ يعكس مدى ضحالة هذا التفكير. فقد كلف شبيب ببناء برج القاهرة في عهد جمال عبد الناصر، وبقي في مصر حتى عام 1971. وعندما ترك مصر لم يهاجر إلى إسرائيل بل إلى كندا.

هناك أمثلة عديدة ليهود مصر والعرب الذين أحبوا أوطانهم العربية وأخلصوا لها، وأجبروا على تركها من غير ذنب غير هويتهم الدينية اليهودية. حتى بعض من هاجر منهم إلى إسرائيل، ما زال يتباكى على بلاده الأصلية ويتمنى العودة إليها.

سبعون عام من الطمس الممنهج لتاريخ اليهود في عالمنا العربي، لم تؤد إلى نتيجة إيجابية لصالح الفلسطينيين والعرب.

نسينا شبيب وبنزيون وقطاني، ولم نكسب إلا مزيدا من الاحتلال للأراضي العربية في الجولان والضفة العربية.

أصبحنا نعبد شعارات المقاومة والممانعة، مع أنها لم تخدم يوما القضية الفلسطينية، بل خدمت أجندات الملالي وجماعات الإسلام السياسي، التي حولت بلادنا إلى مجتمعات منغلقة تعبد الشك والخوف والتخوين.

هناك مجهودات عديدة في مصر الآن لتغيير ثقافة الرفض والتخوين. فقد تم ترميم وافتتاح المعبد اليهودي في الإسكندرية مؤخرا.

ولكننا، وعلى الرغم من الاهتمام بالمباني، لا نزال نتحرج من الأشخاص، كنعوم شبيب وغيره، وكأن تذكرهم ذنب لا نريد أن نرتكبه، لا لشيء إلا لنثبت لأنفسنا أننا ما زلنا نرفض التطبيع مع إسرائيل. حتى المسلسل المصري “حارة اليهود” الذي عرض منذ بضعة أعوام كان مليئا بالمغالطات والتهويل.

هناك فارق كبير بين ثقافة النضج وثقافة التطبيع. فالنضج هو أن تتعامل مع حقائق التاريخ بموضوعية، وألا تطمس تفاصيل الماضي خوفا من عدو، أو حبا في صديق.

والنضج هو أن نرفض سياسة التعتيم الإعلامي ضد أقلية من أهل الكتاب عاشت بيننا لقرون عدة. النضج أن تجعل الفن يشفي جروح الماضي ويفتح الباب لمستقبل أفضل.

ولذلك أتمنى من الأخوة في الخليج ألا يكرروا التجربة المصرية، وأن يستقبلوا مسلسل “أم هارون” بلا تشنج أو رفض. كما أتمنى ألا يكرر المسلسل أخطاء الدراما المصرية وأن يكون إضافة إيجابية في سجل الدراما العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى