“ثورة ناعمة” تقودها خليجيات لفرض العمل الرقمي من المنزل* يمينة حمدي

النشرة الدولية –

نساء خليجيات يوظفن مهارتهن في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة للمضي قدمًا في تسيير أعمالهن اليومية من المنزل، وكسر العزلة الاجتماعية التي فرضها تفشي وباء كورونا المستجد، والمساهمة في خلق نمط مهني جديد يسمى “العمل الرقمي الحر”.

فرض التباعد الاجتماعي بسبب فايروس كورونا المستجد ضغوطا وتحديات مهنية لم يسبق لها مثيل على معظم الموظفين في العالم، بعد أن أرغمت معظم الشركات والمؤسسات على تبني نمط العمل عن بعد، فانقلبت حياة الكثيرين رأسا على عقب، بسبب الجلوس في البيت وتغيير روتينهم المهني بشكل جذري، لكن العزلة الاجتماعية عادت بالنفع على العديد من النساء الخليجيات اللواتي انتقلن بسلاسة من نمط العمل التقليدي إلى العمل على نحو مرن وعن بعد.

وفي الوقت الذي يتذمر فيه الملايين من العمال من فقدان وظائفهم، تمكن عدد كبير من خريجات الجامعات الخليجيات من إيجاد فرص عمل افتراضية، ساهمت في زيادة دخولهن، ومنحتهن شيئا من التوازن بين مسؤولياتهن الأسرية والمهنية، فيما فتحت آفاق أكبر للنساء اللواتي يعانين عقبات ممنهجة تحول دون توظيفهن للعمل في وظائف لم تكن متاحة من قبل.

ويعدّ العمل الرقمي من المنزل العنصر الأساسي القادر على تسخير إمكانات المرأة التي لم تجد فرصتها حتى الآن في سوق الشغل، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضمّ نحو 30 مليون امرأة متعلّمة، في سنّ العمل وقادرة على استخدام الإنترنت، ما يمثّل أكبر فرصة اقتصادية في المنطقة اليوم. إلى جانب ذلك، تمثّل النساء أكثر من 50 في المئة من خريجي الجامعات، لكنّ المرأة لا تساهم في سوق العمل إلّا بنسبة 25 في المئة.

وأظهرت الأبحاث أن النساء اللاتي يؤدين المزيد من المهام المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في وظائفهن يحصلن على رواتب أعلى بنسبة تصل إلى 12 في المئة من النساء اللاتي ليس لديهن تلك المهارات.

وعلى الرغم من أن ثقافة العمل تتسم في الدول الخليجية بنمطها التقليدي بشكل كبير، فيما لا يشيع فيها نظام العمل عن بعد بقدر شيوعه في البلدان الغربية، إلا أن ذلك لم يمنع النساء العُمانيات من اختبار وبأنفسهن إيجابيات وسلبيات العمل عن بعد، ودعم نمط حياة، يتسم بأنه أكثر توازنا ومساواة بين الجنسين.

وتحاول الإعلامية والباحثة العُمانية مرفت بنت عبدالعزيز العريمي مثل العديد من النساء العُمانيات التأقلم مع الظروف الصعبة التي فرضها وباء كوفيد – 19، مشددة على أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يحب أن تفرض عليه القيود، إلا أن جائحة كورونا أجبرت الجميع على التكيف مع الأوضاع الراهنة للحجر الصحي حفاظا على صحة الناس وسلامتهم.

وقالت العريمي لـ”العرب”، “لا أعتقد أن الحجر المنزلي يشكل عبئا على المرأة العربية، فهي عادة ما تتحمل مسؤولية إدارة المنزل، وبالتالي فهي أكثر قدرة على الاستفادة من الحجر للقيام بالأعمال المؤجلة، مثل البستنة، كما يمكنها ابتكار أنشطة حرفية مدرة للمال، وكذلك تسعى إلى استغلال مهارات جميع أفراد الأسرة في القيام بأعمال، قد توفر بها دخلا إضافيا لعائلتها”.

وأضافت “اعتادت المرأة العُمانية على العمل سواء من المنزل أو خارجه وهناك كثيرات يحاولن تحقيق التوازن بين عملهن الأصلي، ومشاريعهن الجانبية من المنزل، ويكرسن وقتهن للقيام بأنشطة مهمة لزيادة دخل أسرهن”.

ولفتت العريمي إلى أن المواطن العُماني بطبعه سريع التكيف مع الظروف الصعبة، ويبدي تجاوبا خاصا في أحلك الظروف منوهة إلى أن ثقافة العمل عن بعد متاحة للجنسين في بلادها.

واعتبرت الإعلامية العمانية أن بلادها من الدول التي أولت اهتماما بدعم عمل المرأة سواء خارج المنزل أو داخله، مشيرة إلى أنها نظمت العديد من الأنشطة التجارية المنزلية لسنوات طويلة، وخصصت سجلات تجارية للمرأة التي تفضل العمل عن بعد في مجالات الخياطة والاكسسوارت وصناعة العطور والبخور والزهور وإعداد الأطعمة والكماليات بمختلف أنواعها.

وعللت العريمي رأيها قائلة “أطلقت سلطنة عُمان بمؤسساتها المختلفة مجموعة من المبادرات الاقتصادية للحد من تبعات جائحة كورونا على المجتمع عبر إنشاء وتفعيل منصات إلكترونية لتسويق السلع تشجيعا للشابات والشبان العمانيين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تسويق منتجاتهم وأصبح بإمكان أي فرد الاشتراك في تلك المنصات في حالة عدم توفر منصة خاصة بمؤسسته لتسويق منتجاته، فعلى سبيل المثال أطلق الصندوق العماني للتكنولوجيا مبادرة بمبلغ مليون ريال عماني لدعم مشروعات توظف التكنولوجيا لمواجهة الجائحة، بعض منها كان حلولا تكنولوجية للتسويق وخدمات التوصيل”.

 

وختمت العريمي بقولها “ربّ ضارة نافعة، لقد أخرجت الجائحة الكثير من المبادرات المؤسسية والفردية والكل بادر بفكرة أو تطوع بمبادرة من أجل التخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع وأعتقد أنها البداية لتغيير مفاهيم العمل في مختلف دول العالم أجمع وليس في سلطة عمان وحدها”.

أما في المملكة العربية السعودية، فتبدو مميزات خدمة الإنترنت، من حيث كونها سريعة وتُقْدم بتقنية النطاق العريض، تتناغم مع شغف السعوديات بوسائل التكنولوجيا، ما أسهم في دعم الجهود التي تبذلها السلطات السعودية لتمكين النساء من العمل عن بعد بدلا من الانتقال إلى المكتب، كما أبقت عجلة الاقصاد دائرة، والحياة متواصلة على نحو معتاد، رغم وطأة العزلة المنزلية التي فرضها الوباء.

لكن هذا الوضع تراه بعض السعوديات صعبا وليس من السهل عليهن أن يتحوّلن بين عشية وضحاها إلى العمل من المنزل، ويتأقلمن مع التغييرات التي أدخلها الوباء على حياتهن والطريقة التي يمارسن بها أعمالهن. وأكثر ما يخيف المحامية السعودية أمل عمر بقاء الحجر إلى أجل غير مسمى، وصعوبة أداء وظيفتها بكفاءة وفعالية مثلما هو الأمر في مكتب العمل.

ولفتت المحامية السعودية أمل عمر إلى أنها تعيش اليوم وسط أجواء مشحونة بالقلق والتوتر بسبب انشغال ذهنها الدائم بالتفكير في تحديات الوباء ومخاطره الصحية، وتخشى أن يؤثر هذا العصف الذهني على تركيزها على عملها.

وقالت عمر لـ”العرب”، “تفشي فايروس كورونا غيّر نمط حياتي بالكامل، وأحدث الكثير من الأوضاع الطارئة التي لم أعهدها مسبقا، لم أكن متعودة على الطبخ لكنني بتّ طباخة بارعة.. كنت أتذمر من العمل في المكتب في السابق، لكن منزلي اليوم أصبح أشبه بمحكمة أو قاعة للمرافعات، ولدي بين يدي اليوم مئة وعشرون خدمة إلكترونية عدلية قدّمتها لي وزارة العدل وأنا جالسة في المنزل وعليّ وضع جميع الأمور في نصابها وأتمنى أن أوفق في ذلك بإذن الله”.

وأضافت “ربما تصبح العزلة المفروضة علينا نمطا لممارسة العمل من المنزل في المستقبل، ومن المؤكد أن البعض من السعوديات الموظفات قبلن العمل عن بعد على مضض، لكن من المرجح أيضا، أن البعض الآخر حالفهن الحظ لإيجاد وظائف شاغرة في شركات ومؤسسات وفرت لهن إمكانية العمل من المنزل والمدخول المادي الذي كن يطمحن إليه”.

واستدركت “لكنني شخصيا أؤمن أن العمل من البيت لا يمكن أن يكون بديلاً عن التواصل والتفاعل وجهاً لوجه. فالأشياء التي تصل إلى الذهن عند لقاء زملاء العمل مثل لغة الجسد، وطريقة الكلام، والحدس الذي يخبرك ما إذا كان الشخص يفهمك، كلها من المزايا التي تتوفر في مكاتب العمل، ولا يستطيع العمل من المنزل ووسائل التكنولوجيا وحدها توصيلها إلينا”.

وشددت عمر قائلة “وسائل التكنولوجيا منحتنا اليوم الفرصة لمزاولة أعمالنا بعيدا عن مكاتب العمل، ومكنتنا من قضاء فترات أطول مع أسرنا واستغلال الوقت بكفاءة وفعالية بقدر المستطاع، لكن أكثر ما نخشاه هو أن يكون العمل من المنزل سببا في تآكل جوهري في الحقوق التي تحظى بها النساء العاملات، أو يضر بنوعية الوظائف التي يؤدينها، رغم أنني أستطيع الجزم أن المرأة السعودية لديها الموهبة والخبرة وقادرة على النجاح في مختلف مجالات العمل الرقمي، وهو مجال واعد، وخاصة في ظل نجاح تجارب الكثيرات في العمل عن بعد خلال الأزمة الراهنة”.

يرجح خبراء أن تعزيز حضور المرأة في القطاع الرقمي يلعب دورا كبيرا في إحداث تأثيرات إيجابية مهمة، تتأتى من مشاركة النساء على نطاق واسع في الحياة العامة، بينما تمثل التكنولوجيا الأداة الأقوى لسد الفجوة بين الجنسين في مجالات العمل.

وإذا ما وصلت الإنترنت إلى جميع النساء في الخليج، فإن هذا الأمر قد يمثل نقطة التحول التي ستجعل من “العمل الرقمي الحر” يصبح أكثر شيوعا على المدى البعيد. علاوة على ذلك، هناك مجال كبير لتحسين مشاركة النساء في أنشطة الأعمال والتوظيف التي لا تتجاوز 25 في المئة فقط من مجموع القوى العاملة بحسب تقرير سابق للبنك الدولي، وزيادة الناتج الإقليمي لدول الخليج، ووضع المنطقة على مسار نمو أعلى يتسم بالاستدامة والشمول على المدى الطويل، إذا ما تم تمكين النساء من التكنولوجيا الحديثة.

وتوقع مسؤول في البنك الدولي أن تساهم المرأة بـ47 في المئة من الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات المقبلة.

وأشار ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى المرأة العالمي دبي 2020 إلى أن الإمارات والسعودية احتلتا المرتبة الأولى في التقدم في مؤشرات التوازن بين الجنسين.

من جانبه يرى وضاح الطه، المحلل المالي العراقي المقيم في دبي أن المرأة العربية عموماً مدبرة، وعندما تتاح لها الفرص والإمكانيات، فإنها تبدع وتحول الكثير من الأفكار النظرية إلى أرباح حقيقية.

وقال الطه لـ”العرب”، “الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا على الرغم من سلبياتها، إلا أنها في الوقت ذاته حفزت معظم النساء على الإبداع، فالكثير منهن اكتشفن أنفسهن.. والكثير منهن استثمرن مهاراتهن في تصميم الاكسسوارات أو الملابس التقليدية مثل العباءات أو الديكورات المنزلية أو في التدريب الرياضي أو عرض أطباق منزلية مبتكرة وكشف ميزات فريدة لديهن في تسويق منتوجاتهن، وهذا هو سر النجاح الحقيقي”.

وأضاف “هذه الطاقات الدفينة حفزت المرأة في الإمارات وفي دول الخليج عموما على تنويع مهاراتها، وهو إنجاز مهم على الصعيد الشخصي ينعكس بشكل إيجابي على جو الأسرة العام، إضافة إلى أنه يحقق دخلا إضافيا، ما يشعر المرأة بالارتياح والسعادة بإنجازاتها أكثر من مجرد الحصول على المال”.

وعبر الطه عن تفاؤله بأن تقوم بعضهن بالاستمرار وعلى نطاق تجاري أوسع لما يمتلكنه من شغف، ولمسات تضفي خصوصية وتميّزا على منتوجاتهن.

ولفت المحلل المالي العراقي إلى أن الكثير من النساء الموظفات في الدوائر الحكومية الإماراتية قد عملن عن بعد خلال الأزمة الحالية، وهذا يؤكد قدرتهن على التعامل مع المتغيرات التكنولوجية وأساليب العمل المتطورة في الإمارات على وجه التحديد.

وفتح قرار الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية في الإمارات بتفعيل نظام “العمل عن بعد” آفاقا أكبر للإماراتيات الباحثات عن فرص عمل عن بعد، كما أتاح لهن إمكانية تحقيق التوازن المطلوب بين مهامهن الوظيفية ومتطلبات الأسرة، وجنّبهن عناء الذهاب والإياب من وإلى مؤسسات العمل، لاسيما القاطنات في مناطق بعيدة عن المدن.

وليس من المستبعد أن ينتهي الأمر بأن يكون لدى معظم النساء الخليجيات الحرية في العمل من المكان الذي يردنه، لكن لا يزال أمام الشركات والمؤسسات بوجه عام، شوط كبير لتقطعه، في ضوء أنها ما زالت تعتمد نمط إدارة يتضمن إلزام الموظفين بتسجيل أوقات دوامهم، وجعل تقييم مؤشرات أدائهم وما قد يحصلون عليه من مكافآت مرتبطا بشكل وثيق بعدد أيام تواجدهم في العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button