هل تقلّص العملة الرقمية من وهج المعدن الأصفر؟
بقلم: شانتال عاصي
النشرة الدولية –
الديار –
للتداول بالذهب تاريخ طويل، فلطالما مثّل أهمية كبيرة للبشر منذ القدم، ولا يزال مادة ذو أهمية كبيرة حتى اليوم تشكّل أساس الإقتصاد العالمي. هذا وتقيّم الدول الذهب كمقياس للثروة و كجزء أساسي من احتياطاتها، بينما يُقيّم الأفراد الذهب كملاذ آمن بعيدًا عن العملات الورقية، فماذا عن “العملات الرقميّة”؟
مع ظهور موجة العملات الرقمية والتداول المتزايد فيها، بات الكثير من الأشخاص يعتبرونها ملاذاً آمناً ومستقبل الإقتصاد الحديث الذي لا مفرّ منه. فكلّما تداولوا فيها، كلّما زادوا من نسبة جنيهم للأرباح في المستقبل، في ظل توقّعات إرتفاع سعر العملة الأكثر تداولاً والأكثر شهرة “البيتكوين” في السنوات القليلة المقبلة.
منافسة بين البيتكوين والذهب
هذا وسبق أن توقع “غولدمان ساكس” أن تواصل العملة الرقمية “بتكوين” الاستحواذ على حصة سوقية على حساب الذهب، وذلك في ظل التوسع في تبني الأصول الرقمية، ما يجعل التوقعات في كثير من الأحيان بأن يصل سعرها إلى 100 ألف دولار أمراً ممكناً.
وأشارت تقديرات البنك الأميركي إلى أن القيمة السوقية المعدلة لتعويم الـ”بتكوين” أقل بقليل من 700 مليار دولار، بما يمثل 20% من حصة سوق الأصول “مخزن القيمة” الذي أشارت التقديرات إلى أنه يضم كلاً من “بتكوين” والذهب، فيما تقدَّر قيمة الذهب المتاح للاستثمار بـ2.6 تريليون دولار.
وشدّد على أن البيتكوين سوف يتنافس مع الذهب باعتباره “مخزنًا للقيمة”.
أوجه التشابه والإختلاف
أثبت الذهب قوته خلال التوترات العسكرية والسياسية الحاصلة في العالم وبخاصّة في خضمّ الحرب الأوكرانية -الروسية، فازداد الطلب عليه كونه من الأصول الآمنة التي يتمّ التحوّط بها ضد ارتفاعات التضخم، وضد المخاطر الجيوسياسية وأوقات الأزمات الاقتصادية والحروب.
أما عن أوجه الشبه بين الذهب والعملة الرقمية، فكلاهما يمتلكان كميات محدودة، مثلاً لا يمكن تعدين أكثر من 21 مليون وحدة من عملة البيتكوين، على عكس النقود التي يمكن طباعتها إلى أجلٍ غير مسمى وبكميات غير محدودة.
هذا فضلاً عن أنهما غير مرتبطتان بأي نظام، وكلاهما يستمدان الكثير من قيمتهما من العرض المحدود وتزايد طلب المستهلكين خلال فترات التضخم.
وعلى الرغم من الارتباط في بعض النقاط، إلّا أنّ الفرق بينهما أيضاً واضح.إن العملة الرقمية، على عكس الذهب المادي، تعتبر أبخس نوعاً ما (بحسب نوعها)، وأسهل في التخزين.
أما على صعيد الإستقرار، فالذهب يعتبر من أكثر الأصول استقرارًا، فهو أقل تقلبًا من معظم السلع الفردية ومؤشرات السلع الأساسية، وبالطبع أقل تقلّباً من العملات الرقمية التي تتأثّر بجميع العوامل والأخبار، أو حتى تتأثر بتغريدة على تويتر لـ “إيلون ماسك” على سبيل المثال.
أما برإي بعض خبراء الإقتصاد، فالعملة الرقمية مناسبة للمعاملات المحفوفة بالمخاطر على المدى القصير، ولكن الذهب مناسب لتخزين طويلِ الأجل”.
ومن أحد النقاط الخلافية بينهما هي أن الذهب معترف به عالمياً كأصل آمن للتداول، أما العملات الرقمية، فلا زالت غير منظّمة رسمياً من قبل الحكومات، إلّا أن الإمارات العربية المتحدة بدأت باعتماد العملات الرقمية في عدد من قطاعاتها لتصبح في القريب العاجل مركزاً لقطاع العملات الرقمية.
قطاع الذهب أكثر أماناً؟
صحيح أن قطاع العملات الرقمية يتطور يوماً بعد يوم ويتّجه في مسار تنظيمي، ولكن القيمة السوقية تلعب دوراً مهمّاً أيضاً، فعلى سبيل المثال، إن القيمة السوقية لعملة البيتكوين هي 850 مليار دولار، وقطاع العملات الرقمية كلّه تبلغ قيمته حتى اليوم 1.8 تريليون دولار. لذلك نرى أن الأسعار في سوق الأصول والعملات الرقمية تتأثر بسرعة بالعوامل الإقتصادية والسياسية وغيرها، لأن قيمته السوقية ليست كبيرة جداً. بينما سوق الذهب، تفوق قيمته السوقية الـ 12 تريليون دولار، لذلك لا نرى تفاوت كبير في أسعار الذهب بين يوم وآخر، وحتى لا يتأثر كثيراً بالعوامل السياسية والإقتصادية، كما شهدنا في الحرب الأوكرانية – الروسية.
إن العملات الرقمية واقع إقتصادي لا مفرّ منه، لذلك علينا أن نتمرّس جيداً قبل الدخول في هذا المعترك وفهم خبايا وكل تفاصيل هذا القطاع الجديد، فمن خلالها يمكن جني الكثير من المال وخسارة الكثير في آنٍ واحد.
ويبقى السؤال الأهم: هل تقلب العملات الرقمية المعادلة وتصبح إحتياطي إستراتيجي للدول؟ فحتى ذلك الحين علينا الإنتظار لنرى أيّ من الذهب والعملات الرقمية سيخطف بوهجه أنظار الناس.