ماذا لو دمرت إسرائيل؟
بقلم: نيرڤانا محمود

النشرة الدولية –

فجأة، يتسرب “التفاؤل الحذر” إلى التقارير والتحليلات التي تتناول الأزمة السورية وتدور حولها، على الرغم من اختلاف مصادرها وتباين مرجعيات أصحابها، وذهب باحثون ومحللون للتكهن باحتمال أن يأتي الحل السياسي لهذه الأزمة، الذي طال انتظاره، على “جناحي كورونا” التي تجتاح العالم متسببة بأعلى درجات الإنهاك الاقتصادي والمالي (دع عنك الصحي) لمختلف دوله ومجتمعاته.

خلال الأسابيع القليلة الفائتة، أوردت التقارير ومصادر المعلومات، جملة من المعطيات والمؤشرات، التي إن قُدّر لها أن تتراكم في الاتجاه ذاته، دون مفاجآت، قد تفضي إلى حدوث “اختراق نوعي” على طريق الحل، من بينها:

(1) ظهور علائم علنية على “ضيق” موسكو بسلوك النظام في دمشق، سياسيا وميدانيا، دفعت بالبعض حد التكهن بإمكانية انفتاح روسيا على خيار “نظام من دون أسد، وسوريا من دون إيران”…

 

(2) “تسريبات” إسرائيلية تتحدث عن بدء إيران سحب وحدات من “حرسها الثوري” من سوريا، تحت ضغط الضربات الجوية والصاروخية المتكررة وتكتيك “حرب الظلال” الإسرائيلية…

(3) بدء الحديث عن سيناريو يتجاوز مساري جنيف وأستانا، وشق مسار ثالث، تلعب فيه واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كل من إيران وتركيا وإسرائيل، أدوارا في تحديد معالم الحل النهائي للأزمة السورية…

(4) وصول التطورات الميدانية (العسكرية) حدا في الشمال الغربي يصعب تجاوزه دون صدام تركي سوري، أو تركي روسي، وفي الشمال الغربي، دون صدام سوري أميركي أو روسي ـ أميركي، وجميعا صدامات غير مرغوبة.

سجلت العلاقات بين موسكو ودمشق، ثلاثة تطورات لافتة خلال الأسابيع الستة الفائتة، الأول؛ رسالة التحذير “اقرأ التوبيخ” التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، وحملها وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى “قصر الشعب” في 23 مارس الفائت، وتتعلق بوجوب احترام “برتوكول موسكو” بين بوتين وإردوغان، بعد ورود معلومات للكرملين، عن “نيّة النظام مواصلة العمليات العسكرية في إدلب، مدفوعا بدعم وتشجيع من قبل أطراف عربية (الإمارات) وإقليمية (إيران)… استجابة الأسد لطلب “القيصر” جاءت فورية.

الثاني؛ قيام مؤسسات إعلامية وبحثية روسية بشن حملة انتقادات لاذعة للأسد، واتهام النظام بالغرق في الفساد وسوء الإدارة، وعجزه عن قيادة “مرحلة السلم وإعادة الإعمار”… صحف ووسائل بحث وإعلام مملوكة للملياردير الروسي يفغيني بريغوجين، الشهير بـ”طباخ بوتين”، استخدمت أكثر العبارات فجاجة، في نقد النظام، والعائلة الحاكمة، مستنتجة ـ وهذا هو الأهم ـ أن الشعب السوري لن ينتخب الأسد في المرة القادمة، وهي خلاصة ذات مغزى تصدر عن “عراب فاغنر”، على مبعدة عام واحد من الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.

الثالث؛ اندلاع صراع علني بين أجنحة النظام السوري، هو الأخطر، منذ العام 1984 عندما انشق رفعت الأسد عن أخيه، مستغلا فترة مرضه، قبل أن تتدخل موسكو لدعم الرئيس ضد شقيقه، الذي سيبعد منذ ذلك عن سوريا… الانشقاق هذه المرة، يحصل بين الجناح السياسي للنظام: “الرئيس وعائلته” من جهة، والجناح الاقتصادي الأهم للنظام منذ أزيد من عشرين عاما، رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، وعائلته من جهة ثانية، وسط معلومات لم تتضح بعد، عن “دور روسي” في إذكاء هذا الصراع، لا سيما وأن “عائلة مخلوف” تتخذ من موسكو مقرا شبه دائم لها، ولها في روسيا استثمارات مالية كبرى.

تزامنت هذه التطورات المتسارعة والدرامية، مع تقارير أخرى، تتحدث عن مشاورات تجريها موسكو على مسارات متعددة، منفتحة على خيار “دمج مساري أستانا وجنيف”، بهدف حلحلة العقد التي تعترض طريق الحل السياسي في سوريا، وأهمها اثنتان: مصير الأسد ومستقبل الوجود الإيراني في سوريا.

تزامنت هذه التطورات، مع تسريب مصادر أمنية إسرائيلية معلومات عن بدء انسحاب وحدات من الحرس الثوري من سوريا، الأمر الذي أدرجته طهران في عداد “حرب نفسية” تشنها تل أبيب عليها بموازاة عملياتها العسكرية التي لا تتوقف ضد الوجود الإيراني (والحليف) على امتداد الأرض السورية وصولا إلى الداخل العراقي في بعض الأحيان، وغالبا من فوق الأجواء اللبنانية.

إسرائيل تعوّل على “الدعم الأميركي المطلق” لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وتراهن على “التفهم الروسي المتزايد” لتقليص هذا الوجود، إن تعذر إنهاؤه، والأهم من كل هذا وذاك، أنها تبني حساباتها على حالة الضعف والإنهاك المالي والاقتصادي الذي تعانيه طهران، في ظل العقوبات الأميركية المشددة، وانهيار أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا التي ضربت إيران بقسوة شديدة، فضلا عمّا أوردته تقارير استخبارية تحدثت عن “فراغ قيادي” يعاني منه الحرس الثوري بعد اغتيال قاسم سليماني بغارة أميركية على مطار بغداد في الثالث من يناير الفائت.

ومن دلالات هذا الفراغ، قيام الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني بزيارة لبغداد سعيا لتوحيد “البيت الشيعي”، وقيام جواد ظريف بزيارة مفاجئة لدمشق (20 أبريل الماضي)، لتجديد الحضور الإيراني أملا في درء محاولات “تغييبه” كما تجلت في مسار سوتشي ـ موسكو الذي انفرد به شريكاها في مسار أستانا: روسيا وتركيا… وهي المهام التي اعتاد سليماني على القيام بها، ويبدو أن خلفه إسماعيل قاآني غير قادر على القيام على مواصلتها بالكفاءة ذاتها، أقله في هذه المرحلة.

حتى الآن، يصعب الحصول على تأكيدات من مصادر محايدة حول صدقية التسريبات الإسرائيلية، ويجب أخذ هذه المعطيات بحذر شديد، لا سيما إن أخذنا بنظر الاعتبار، كثافة الاستثمار الإيراني في سوريا، في السنوات والعقود الأخيرة، ولكون سوريا من منظور طهران الاستراتيجي هي “واسطة العقد” في مسبحة نفوذها الإقليمي، التي إن انتزعت من مكانها، ستنفرط حبات المسبحة وتتناثر.

يُجمع المراقبون على أن جائحة كورونا قد ألقت بأعباء ثقيلة على الاقتصادات المنهكة أصلا، للأطراف المتورطة في الأزمة السورية… روسيا التي تعاني ذيول العقوبات الأميركية وتداعيات حرب أسعار النفط السعودية، جاءتها الجائحة في توقيت غير ملائم أبدا، وهي وإن حاذرت من قبل الانزلاق إلى “مستنقع عسكري أفغاني” في سوريا، فإنها اليوم، شديدة الحذر من مغبة الغوص في “مستنقع اقتصادي” مترتب على عزلة سوريا والعقوبات المفروضة عليها والمتطلبات الثقيلة لعمليات إعادة الإعمار وإعادة توطين ملايين اللاجئين والنازحين وتأهيلهم.

إيران تجابه وضعا أشد صعوبة، فإلى جانب “الخانقة الاقتصادية”، ثمة اهتزاز لنفوذها في العراق ولبنان بفعل الانتفاضات الشعبية التي استهدفت من ضمن ما استهدفت، حلفاءها المحليين، المثقلين اليوم بأعباء اقتصادات منهارة ومجتمعات منقسمة وجماهير غاضبة ويائسة… فلا “البيت الشيعي” في العراق في وضع جيد، وإلا لما “رسا عطاء” التكليف الحكومي على مصطفى الكاظمي، ولا “الثنائي الشيعي” في لبنان، لا سيما حزب الله، في وضع يؤهله لمواصلة أدواره المحلية والإقليمية كالمعتاد.

تركيا وإن كانت في وضع أفضل نسبيا من إيران، إلا أن أزمتها الاقتصادية وتآكل عملتها الوطنية، كانا سابقين للجائحة، وتفاقما في ضوء تداعياتها الصحية والمالية والاقتصادية، وهي متورطة اليوم في معارك وحروب خارج حدودها (العراق، سوريا وليبيا)، فيما حزبها الحاكم يتآكل بفعل انقساماته المعلنة والكامنة، ما يجعلها أكثر جاهزية للانخراط في تسويات وحلول للأزمة السورية، تقلل من أعباء وكلف انتشارها العسكري القائم والمواجهات العسكرية المحتملة.

أما الولايات المتحدة، فقد ارتضت منذ سنوات، تسليم الملف السوري لروسيا، مبقية لنفسها ملفي “نفط الفرات” ومصير “الكيان الكردي”… زلزال كورونا ضرب الاقتصاد الأميركي بأعلى تدرجات مقياس “ريختر” للكوارث والأوبئة، ومن المؤكد أن تسوية تراعي بعضا من معاييرها وحسابات إسرائيل ستكون مقبولة لديها، ومنها: إضعاف نفوذ إيران في سوريا (أو إنهاؤه إن أمكن)، هنا تكمن مصلحة إسرائيل أولا وقبل أي طرف آخر، ترتيب دستوري يحفظ لكرد سوريا بعضا من حقوقهم الوطنية والمدنية وإدارتهم الذاتية، وإخراج الأسد من قصر الشعب إن أمكن، باعتبار أن تحقيقين الشرطين السابقين، يبدو متعذرا إن طال بقاؤه فيه.

روسيا في عجلة من أمرها، ليس بفعل الأسباب والعوامل الضاغطة التي سبق ذكرها فحسب، بل ولاقتراب الاستحقاق الرئاسي السوري في العام المقبل، الذي تقول بعض المعلومات، بأن موسكو ترغب في جعله مناسبة لاستحداث انعطافة أو اختراق نوعي” في مسار الأزمة السورية.

عوائق على طريق الحل

إن توفر هذه “الشروط الموضوعية” للحل السياسي للأزمة السورية، لا يعني أن الطريق بات معبدا أمامه… فثمة عوائق وعقبات، قد تعرقل هذا الحل وتعيد جدولة روزنامته الزمنية، بل وقد تطيح به إن هبت الرياح بغير ما تشتهي سفنه.

إيران ستقاوم محاولات إخراجها عن الحلبة السورية، حتى وإن كانت في حالة ضعف وبلا أدوات فاعلة كما كانت عليه من قبل… وجود الجماعات الإرهابية الكثيف في الشمال الغربي بخاصة، من دون أن ننسى سيناريو “عودة داعش” الذي يطل برأسه من جديد… صحيح أننا سنرى محاولات لإعادة تأهيل “النصرة”، بما فيها فتح “معبر تجاري” بين مناطق سيطرتها (معرة النعسان) ومناطق سيطرة النظام في ريف إدلب الجنوبي (مينزناز)، وصحيح أنها “سهّلت” مؤخرا مهمة تسيير دوريات تركية ـ روسية مشتركة بعد رفع العوائق وفض “اعتصام النيرب”… لكن الصحيح كذلك، أنها ما زالت منظمة إرهابية، يصعب إدماجها في مسار حل سياسي، أقله في مدى زمني قصير، برغم سابقة “طالبان في أفغانستان”.

ومن بين العوائق أيضا، تلك المتصلة بالفجوة القائمة بين القامشلي ودمشق، فلا أكراد سوريا بوارد “خفض سقوف” مطالبهم المرتفعة حتى الآن، ولا النظام مستعد حتى الآن كذلك، للارتقاء بأرضية موقفه التفاوضي مع أكراد بلاده… أما المعارضة، الطرف الثاني في معادلة الحل السياسي، فهي في أسوأ أحوالها، بعد تفاقم الصراعات بين مرجعياتها الممتدة من أنقرة إلى الرياض مرورا بأبوظبي والدوحة والقاهرة، فضلا عن كونها باتت في تكوينها الميداني أقرب لمليشيات المرتزقة المستعدة للقتال حيثما تريدها المخابرات التركية، من شرق الفرات إلى غرب ليبيا.

فرص الحل السياسي لسوريا وشروطه الموضوعية تكاد تنضج، بيد أن طريقه ما زال مزروعا بالألغام، والشروط الذاتية للأطراف لم تكتمل بعد، وإن كان تحدي كورونا، ينطوي على فرصة نادرة، لاستيلاد هذا الحل وتعميمه.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى