ثلاث إشارات مهمة في قرار إعادة الساعدي
بقلم: سهاد طالباني

النشرة الدولية –

وأخيرا نال مصطفى الكاظمي ثقة مجلس النواب العراقي وأصبح رسميا رئيسا لوزراء العراق بعد مخاض سياسي عسير وفشل مني به المرشحان السابقان علاوي والزرفي.

لم يكن لحكومة الكاظمي ان ترى النور لولا التوافق الذي تم بين معظم القوى السياسية العراقية، وهو توافق تم على أساس المحاصصة السياسية بشكل مباشر، حيث تفاوض الكاظمي مع القوى السياسية حول عدد وماهية الحقائب الوزارية التي سيتم منحها لكل كتلة سياسية. هذه الالية التي لا ترضي جزءا كبيرا من المتظاهرين كانت هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء حالة الفراغ السياسية الذي تعيشه البلاد منذ استقالة عادل عبدالمهدي.

كان من الملفت ان يكون أحد اول قرارات الكاظمي هو إعادة الفريق ركن عبد الوهاب الساعدي الى جهاز مكافحة الإرهاب بل ووضعه على قمة هرم الجهاز، ولهذا القرار دلالات مهمة واشارات لا يمكن اغفالها او التعامل معها ضمن إطار القرارات العادية، فكما أحدث ابعاد الساعدي عن جهاز مكافحة الإرهاب ضجة كبيرة، فان اعادته وبهذه السرعة هو أمر على قدر كبيرة من الأهمية.

يحظى الفريق ركن عبد الوهاب الساعدي بشعبية كبيرة لدى الشارع العراقي، حيث وصفه كثيرون بأنه “رمز النصر” على الإرهاب بعد نجاحه في قيادة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العديد من المناطق، هذا النجاح العسكري ترافق مع صورة إنسانية مؤثرة جعلت من الساعدي شخصية محبوبة في كافة انحاء العراق، وخاصة في المناطق السنية التي تم تحريرها، على الرغم من ان الرجل لا ينتمي مذهبيا الى هذه المناطق والمحافظات. وقد اثار ابعاد الساعدي بقرار من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في أكتوبر 2019 غضبا وجدلا كبيرين، وقد كانت شعبية الرجل الكبيرة واضحة في ساحة التحرير بين المتظاهرين، حيث تم طرح اسمه بقوة لتولي منصب رئيس الوزراء في حينها.

ثلاث إشارات مهمة يمكن التقاطها من قرار إعادة الساعدي، أولها ان هذا القرار هو بمثابة رسالة من رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي يحاول من خلالها بناء الثقة بين الحكومة والشعب، هذه الثقة التي تقلصت بل وانعدمت بين العراقيين وحكوماتهم، مما دفع الالاف الى النزول الى الشوارع في مظاهرات احتجاجية غاضبة. هي رسالة الى الشارع العراقي يقول فيها الكاظمي انه يريد تصحيح الأخطاء السابقة، ويقول فيها انه يدرك تماما أي الشخصيات يثق بها العراقيون، وان إعادة الساعدي لا تعني فقط رد الاعتبار لقائد عسكري يحظى بشعبية كبيرة بين الناس، بل انها تعني ان رئيس الوزراء يريد ان يخبر العراقيين بأنه سيضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

الإشارة الثانية عسكرية وأمنية بحتة، حيث لا يخفى على أحد بأن تنظيم داعش قد نشط مؤخرا وقام بتنفيذ سلسلة من الهجمات ضد القوات الأمنية في بعض المناطق المحررة، وبالتالي هناك حاجة ملحة لمواجهة التنظيم عسكريا وأمنيا، وهنا يمكن البناء على خبرات وقدرات الساعدي ونجاحاته السابقة في التعامل مع التنظيم الإرهابي، وبتعيينه قائداً لقوات مكافحة الإرهاب، فالساعدي لديه الفرصة لإعادة هيكلة وتنظيم الجهاز ليكون أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة داعش.

أما الإشارة الثالثة فقد تكون سياسية بامتياز، حيث دار حديث سابق عن ضغوطات مارستها القوى السياسية والعسكرية المقربة من طهران على حكومة عادل عبد المهدي للإطاحة بالساعدي الذي تعتبره هذه القوى مقربا من واشنطن، او على الأقل غير موال لإيران، وكانت ترى في وجوده خطرا يهدد رغبتها في السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية. وهنا فإن عودة الساعدي وتكليفه برئاسة جهاز مكافحة الإرهاب قد تعني بداية عملية الحد من سيطرة الشخصيات والمجموعات السياسية والعسكرية المقربة من ايران على مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما سيكون له اثر سياسي مباشر في المستقبل القريب، سواء على مستوى الداخل العراقي، او على مستوى العلاقات بين العراق وايران والولايات المتحدة.

بالتأكيد حقق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بقرار إعادة الساعدي نقطة إيجابية مهمة لصالح حكومته، لكن الامر قد ينقلب الى ضده فيما إذا تبين لاحقا ان هذه الخطوة كانت شكلية أو مجرد تكتيك مؤقت لكسب تأييد الشارع، ولذلك فان نتائج هذا القرار ستظل مرهونة بما سيحدث على ارض الواقع خلال الأسابيع والشهور القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى