الخطر يبدأ من الرئة.. لماذا يخترق كورونا أجسامنا ويدمرها؟

النشرة الدولية –

مع مواصلة فيروس كورونا انتشاره في شتى الأقطار مخلفا مزيدا من الضحايا، يتكرر باستمرار السؤال: هل يكتسب المرضى المتعافون مناعة ضد المرض؟

ولأن الفيروس جديد، الجواب ليس مفهوما بشكل كامل، غير أن العلماء يقولون إن سارس-كوف-2 يحفز مناعة مثلما تفعله فيروسات أسرة كورونا الأخرى، أي أن جسم الإنسان سيحتفظ على الأرجح بذاكرة للفيروس لبضع سنوات على الأقل ويجب حمايته من الإصابة مرة أخرى، على الأقل على المدى القصير.

أستاذ الطب المساعد في كلية ماونت سايناي أيكان للطب في مدينة نيويورك والمتخصص في علم الفيروسات والمناعة، نيكولاس فابريت، قال لموقع لايف ساينس “ليس لدينا أي سبب لافتراض أن الاستجابة المناعية ستكون مختلفة بشكل كبير” عن تلك التي تحدث مع الفيروسات التاجية الأخرى.

لكن التحقيقات حول كورونا الجديد حتى الآن تقترح أن الاستجابة المناعية للفيروس تساهم أيضا في التأثيرات المدمرة للمرض لدى بعض الأشخاص.

وبحسب أستاذ علم الأحياء في كلية ماونت سايناي أيكان للطب، بنجامين تينوفر، فإن الفيروس عندما يهاجم الخلية الأولى في الجسم، يكون للأخيرة وظيفتان قبل أن تموت.

وتحتاج الخلية المصابة إلى إطلاق نداء لتعزيزات من خلال إرسال سلسلة من الإشارات الكيمائية التي ستنشط جيشا من الخلايا المناعية يأتي لمحاربة الفيروس الغازي، كما تحتاج إلى إصدار تحذير للخلايا القريبة منها لتحصين نفسها، وهو ما تفعله عن طريق إطلاق بروتينات تسمى إنترفيرون.

وعندما تحط بروتينات إنترفيرون على الخلايا المجاورة، فإنها تحفزها على الدخول في وضع دفاعي. وتبطئ الخلايا من أيضها، وتوقف نقل البروتينات والجزيئات الأخرى حول مناطقها الداخلية، وتبطئ النسخ، وهي العملية التي تصبح من خلالها التعليمات الجينية بروتينات وجزيئات أخرى. ويعد النسخ، العملية التي تستحوذ عليها الفيروسات للتكاثر.

وفي دراسة تم قبولها في مجلة الخلية، وجد تينوفر وزملاؤه أن سارس-كوف-2 يبدو أنه يحجب إشارة إنترفيرون، ما يعني أنه يعبث بالوظيفة الثانية للخلية. لذا فإن الوظيفة الأولى المتمثلة في الدعوة لدعم من جهاز المناعة تعمل بشكل جيد، في حين أن خلايا الرئتين لا تدخل في وضع دفاعي وبالتالي تظل عرضة للعدوى الفيروسية.

تينوفر قال في تصريحات للموقع إن كورونا الجديد “يواصل التكرار في رئتيك، ويتكاثر فيهما، وطوال ذلك الوقت تستمر أنت في طلب مزيد من التعزيزات”.

وعند كثير من المرضى تكون الاستجابة المناعية غير المثالية كافية للتغلب على الفيروس، لكن ولأسباب لم تفهم بالكامل بعد، يدخل آخرون في حلقة مفرغة.

ففي وقت يستمر الفيروس في التكاثر، يبدأ جيش المناعة الذي يحاربه في القيام بعمله القائم على مهاجمة الخلايا المصابة، وهضم الحطام والمواد الكيميائية التي تنفثها الخلايا الميتة، وحتى قتل الخلايا المجاورة في محاولة لوقف الضرر.

ولسوء الحظ، إذا استمر الفيروس في اختراق خلايا الرئة، فقد يتسبب هذا الجيش في أضرار أكثر من نفعه. إذ تصبح أنسجة الرئة ملتهبة بشكل ميؤوس منه، وتبدأ الأوعية الدموية تسريب سوائل إلى الرئة، ويبدأ المريض في الغرق على أرض يابسة.

وهذا بحسب تصريحات أستاذ علم الأحياء، هو السبب في أن بعض الأشخاص يصابون بمرض شديد بعد أسبوعين من إصابتهم الأولية، مضيفا أنه “في هذه المرحلة، الأمر لا يتعلق بما فعله الفيروس بل بالتحكم في الالتهاب الشديد”.

ووسط كل تلك الأخبار السيئة، هناك بصيص أمل في نتائج الدراسة. لأن النظام الذي يستدعي جيش الخلايا المناعية يعمل بشكل جيد، يبدو من المرجح أن الناجين من المرض الذي يسبب كورونا المستجد سيحتفظون بمناعة ضد الفيروس.

وبالفعل، وجدت دراسات مستويات عالية من الأجسام المضادة لسارس-كوف-2 عند المرضى الذين تعافوا في الآونة الأخيرة. والأجسام المضادة هي بروتينات تصنعها خلايا جهاز المناعة تسمى الخلايا البائية (خلايا B).

هذه البروتينات تبقى في الدم بعد الشفاء من العدوى ويمكن أن ترتبط بالفيروس إما بإبطال مفعوله مباشرة أو وضع علامة عليه لكي تدمره خلايا مناعية أخرى.

كم تستمر هذه المناعة؟

فيروس كورونا الجديد لم يمض على ظهوره عند مضيفين من البشر إلا خمسة وستة أشهر، ما يعني ببساطة أن ما من مجال لمعرفة ما إذا كانت المناعة ضد المرض الذي يسببه تستمر لفترة أطول من ذلك.

وقال الباحث في معهد المناعة وكلية الطب في جامعة تسينغوا في بكين، تشين دونغ، الذي قاد دراسة حللت دم 14 مريضا شعروا بأعراض خفيفة نسبيا لكورونا بعد 14 يوما على مغادرتهم المستشفى،  إن “مدة استمرار الحصانة سؤال كبير”، وأردف لموقع لايف ساينس “وفقا لنتائجنا، يمكننا فقط أن نؤكد أن مرضى كوفيد-19 يمكنهم الحفاظ على المناعة التكيفية ضد سارس-كوف-2 لمدة أسبوعين بعد مغادرة المستشفى”.

وقال فابريت إن الأدلة من فيروسات تاجية أخرى تشير إلى أن المناعة ربما تستمر لفترة أطول من ذلك. وقاد فابريت إلى جانب زميليه في ماونت سايناي روبرت سامستين وميريام ميراد، أكثر من 20 من طلاب الدكتوراه والباحثين بعد الدكتوراه في محاولة لمراجعة الكم الهائل من أبحاث علم المناعة التي تصدر حول كورونا الجيد في المجلات العلمية والموجودة على خوادم تحفظ فيها أوراق علمية قبل النشر.

وتشير دراسات البروتينات وعلم الوراثة الخاصة بسارس-كوف-2 إلى أن الفيروس يبدو أنه من المحتمل أن يؤدي إلى استجابة مناعية طويلة المدى مماثلة لتلك التي تسببها فيروسات تاجية أخرى مثل سارس 1 الذي ظهر في عام 2002 أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي ظهرت في 2012.

وأوضح  سامستين للايف سابنس أن الأبحاث التي أجريت على سارس 1 ومتلازمة الشرق الأوسط تشير إلى أن بعض مستويات مناعة الأجسام المضادة تستمر لسنتين أو ثلاث سنوات على الأقل، وتبدأ قوية ثم تتراجع تدريجيا مع مرور الوقت.

جهاز المناعة ينتج نوعا آخر من الخلايا يسمى الخلايا التائية الخاصة بالفيروس (Virus-specific T cells) استجابة لعدوى فيروس فيروس كورونا. وقال فابريت وسامستين، إن هناك القليل من المعلومات عن الخلايا التائية مقارنة بالأجسام المضادة، لأن من الصعب العثور عليها في الدم ودراستها.

ولكن يبدو أن فيروسات أخرى من عائلة كورونا تتسبب في إنتاجها، ويبدو أن هذه الخلايا التائية تستمر لسنوات في تلك الحالات.

وفي دراسة أجريت على سارس 1 نشرت في مجلة فاكسين، وجد الباحثون أن خلايا T ذاكرة (memory T cells) تستمر مدة تصل إلى 11 عاما بعد الإصابة.

لكن سامستين قال “إننا نتعلم من الفيروسات القديمة، لكننا لا نعرف بشكل مؤكد مدى تشابهها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button