شيرين، إصحي، أفيقي !!!
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
فقد كنتِ تنتظرين الشهادة، وها هي دون أن تستأذنك، ودون أن تسألك عن طائفتك أو عن مذهبك، تأتيكِ صاغرة، تحملك إلى مصاف البرَرة. قُومي وافِينا بالتغطية فقد اتضحت الصورة، وصرتِ نشرة الأخبار كلها وفلسطين تغطيك. وكل انبياء الله ورسله وامنا مريم البتول راضون عنك وبك فخورون . معجزة فلسطينية أنت توحد المزاج الشعبي العام.
نعم، في أحد أيام الغضب الفلسطيني الذي لا حدّ لوجعه، كان الخبر الفلسطيني الوحيد الذي لم تنقله شيرين أبو عاقله ، هو خبر إصابتها مباشرة بالرأس خلال تغطيتها اجتياح جنين. فقد نجح قتلة العصر ومارِقيه، في اغتيال صوت مُبصرٍ، يشهد دمُه المُسالُ هناك، على أنه دم عربي فلسطيني مقاوم جرئ، لم يصمت ولم يجبن ولم يهادن أو يهاب الموت.
الوفاء لشيرين يلزمنا قبل أن نحزن أو نشكر او أن نقول وداعا، أن تقول قبضاتنا لقتلة العصر ومارقيه، أننا وعهد الله باقون على العهد ولن نرحل، فكل مناضل منزرع في ثراها هو مشروع شهيد. وأن نقول بغضبٍ ساطع وبكل اللغات، لأذلاء وجبناء أوسلو المتصهينِ منهم والمُموِّهِ المُستكين الخانع، أن أوسلو ترخيصٌ منكم علني مُسبق للقتل المجاني. إن ما فعلتموه بنا وما زلتم ، يعجز عن فعله عدونا. فلم يحدثنا تاريخ أن الأوطان قد تتحرر باتفاقيات إذلال وإذعان.
اليوم وفي قلب كلِّ حرٍّ حيٍّ جرحٌ، نعلمُ أن أسوأ ما يَخدش عظمة الأفعال الوطنية الكبرى، هو حشرها في براويز ضيقة من تديُّنٍ بشري مُثقلٍ بالهوى المقيت، وبالسفيه منَ الأغراض الدنيوية المُمعنة في الضيق . لا يضير عظمة ما فعلته شيرين لأجلنا، ولا يضير هذا النضال العَلِيَّ العفوي الذي يُنحَتُ يوميا في فلسطين، أن يكون هناك حُثالة تنتحل يُفَطا دينية، مُنحطة الأخلاق ناعقة بالسوء.
أما لأرذلِ تجليات سقط البشر من حملة ” مفاتيح الجنة والنار “، الموغلون في قول ما لا يُقال إلا في اليوم الآخر، أصحاب الفهم المُستَفزِّ، المُمعنون في المواقيت الملغومة الحارفة للبوصلة، نقول ونحن نبصق في جباههم، أن شيرين أبو عاقله رصاص في حلق المحتل، بعبق الزيتون والزعتر.
وللحيارى من ناسنا، إن سألوكم عن دينها، قولوا إنها أميرة شهيدة، عربية فلسطينية الهوى مقدسية الانتماء. وأمام بشاعة الجريمة وعظمة الموقف وهيبة الدم، اتركوا الجدل ووجهوا سهامكم نحو القاتل الغادر المحتل، والمتواطئين معه من المتصهينين المتخاذلين، والعاجزين الصامتين الواهمين.
منذ بواكير النضال مِن أجل الحرية، والأمة مأهولة بالشهداء، ومع كل شهيد جديد، إعتدنا أن نُنْصت خاشعين لترانيم القيامة، المقرونة بالتكبير والتهليل، وهي تشيع جثامين خيرة أبنائها بالقوافل، إلى كلِّ عتبات السماء، ومنها الناصرة وعكا وجنين وغزة العزة، لتَنبُتَ أرواحهم بكبرياء هناك، وهي تهتف باصرار: فليسقط غصن الزيتون الأعزل الذليل، فعندما تكون الأرض أرضك ويحتلها محتل يقتلك فوقها، فإن اللغة التي يمكن أن يصغي لها هكذا عدو، ليست الشجب ولا الاستنكار، بل هي القوة وحدها بكل اشكالها وصورها ومواقيتها.
سيبقى صوت الحق فوق صوت الرصاص الجبان، وستبقى جراح الأمة نازفة راعفة، وسنبقى بالدم نكتب لفلسطين، وسننهض من جديد كلما سقطنا، نحاذر الموت الطبيعي ونحرص على ألا نموت إلا بين زخات الرصاص. فساعة النصر قد اقتربت، وطيور الرعد قادمة.