حتى يأتي ذاك اليوم يا شيرين
بقلم: حياة الحريري
النشرة الدولية –
لماذا أبكيك يا شيرين مع أنني لا أعرفك إلا من خلال مسيرتك الصحفية؟ لماذا كلّما قرأت اسمك سبقتني الدموع؟ لماذا أبكيك بحرقة كأن ما يجمعنا صداقة تمتدّ لعمر؟
هي ليست المرّة الأولى ولن تكون المرة الأخيرة التي نُتابع فيها خبر استشهاد أو عملية اغتيال يرتكبها العدوّ الإسرائيليّ. أأبكيك أم أبكي حالنا في فلسطين ولبنان ومصر وتونس والمغرب وسوريا والعراق؟ هل خبر اغتيالك أسقط عنّا ثقل الأقنعة الني نضعها على وجوهنا بأننا بخير؟ فنحن لسنا كذلك. لم نكن من قبل وحتماً لسنا اليوم.
بكيناك بحرقة هنا في بلادنا التي عرفت معنى الاحتلال وتذوّقت جرعة إجرام كيان تشرّع كتبه الدينية قتلنا، بينما في بعض أراض عربية أخرى تقوم الاحتفالات بتطبيع من هنا وصمت جبان حول اغتيالك من هناك.
يقولون إننا سئمنا الحروب. نعم سئمناها ويحقّ لنا نحن كما أنتم في فلسطين أن نقول تعبنا من هذه الحروب التي لم نردها يوماً بل نحن في مواجهة مستمرة معها دفاعاً عن حقّنا الطبيعيّ في العيش بكرامة كما تنصّ الشرائع التي يحاضرنا فيها من يُغطّي الاحتلال. تعبنا من مواجهة تنازلات تُحاصرنا حدّ انقطاع النفس والتي للسخرية يفرضها الأقربون افتراضياً باسم “السلام” وباسم “التعايش” وباسم “الإنسانية”. تعبنا من التنازلات ليس فقط عن الحقّ، بل حتى عن قول الحقيقة وتسمية الأمور بأسمائها بينما نذبح كل يوم منذ أن خلقنا على هذه الأرض تارة بالحروب وطوراً بالحصار متعدّد الأشكال من الاقتصاد إلى الثقافة وغيرها.
لا أدري إن كنت سأرى يوماً قدسك وفلسطينك محرّرة، لكنني إن حييت هذا اليوم فاعلمي أنني سأبكي، سأبكي كثيراً كما أبكي الآن لعلمي أنك لطالما انتظرت هذا الحلم، وسأدقّ جرس كنيسة القيامة وأصرخ مع صيحات التكبير وسأزورك في منزلك الذي تنامين فيه وأقول: “أنا شيرين أبو عاقلة، قناة الجزيرة، فلسطين”
مشهد جنازتك بالأمس يُدرّس للتاريخ تماماً كمسيرتك، أقوى من ترسانة الاحتلال ومن الحماية الدولية التي يتمترس بوقاحة خلفها. لم تحتضنك فقط أرضك فلسطين التي تحبين، ولا القدس التي تعشقين، بل احتضنتك صرخات من أحبك لمناقبيتك وإنسانيتك ومن عرفك من أصدقاء وعائلة، واحتضنتك دموعنا التي لم تتوقّف حتى كتابة هذه السطور.
لسنا بخير يا شيرين، ولست أنا بخير يا شيرين. في نفسي غضب كبير لا يستكين وشعور أكبر بالظلم وبالغبن في جريمة اغتيالك؛
سنقاوم، محاولات طمس هذه الجريمة كما جرت العادة عند كلّ اعتداء إسرائيلي؛
سنقاوم تلك النكتة السمجة التي سنسمعها في القادم من الأيام أن اغتيالك هو “خطأ غير مقصود”؛
سنقاوم كلّ محاولات التطبيع مع كيان لا يعترف بنا نحن أبناء هذه البقعة من الأرض ولا بحقّنا في العيش؛
سنقاوم بالكلمة وبقول الحقيقة، تلك التي لطالما كانت سلاحك الذي أزعجهم وأخافهم حتى قتلوك؛
سنقاوم بذكر اسمك لطلابنا في الجامعات وفي كلّ محاضرة وفي كلّ مقال عن فلسطين وعن الانتماء وعن الوطن وفي كلّ قضية إنسانية، هذا الاسم الذي أرعبهم حتى في استشهادك وعهداً لك أنه سيظلّ يرعبهم وسيعلمون جيداً أن ما قاموا به هو حماقة وإن كانت موجعة جداً بالنسبة لنا.
لا أدري إن كنت سأرى يوماً قدسك وفلسطينك محرّرة، لكنني إن حييت هذا اليوم فاعلمي أنني سأبكي، سأبكي كثيراً كما أبكي الآن لعلمي أنك لطالما انتظرت هذا الحلم، وسأدقّ جرس كنيسة القيامة وأصرخ مع صيحات التكبير وسأزورك في منزلك الذي تنامين فيه وأقول: “أنا شيرين أبو عاقلة، قناة الجزيرة، فلسطين”.