ما موقع “الحزب القومي السوري” في نزاع مخلوف والاسد؟ قراءة سيكولوجية مختلفة لجذور الأزمة المستعصية
النشرة الدولية –
كشفت دراسة استقصائية أجراها “مركز دراسات السياسة الأممية / سي جي بي” الامريكي، بشأن حقيقة وحدود الخلاف بين الرئيس السوري بشار الاسد وابن خالته الملياردير رامي مخلوف، وجود أوراق مخفية غير التي طال الحديث عنها، تتصل بتركيبة الطائفة العلوية وتستحضر تاريخا في الظلّ، من العلاقة الخاصة بين أل مخلوف والحزب القومي السوري (الحزب السوري القومي الاجتماعي) الذي حظره الرئيس الاسد العام الماضي، بحسب ما نشره موقع “إرم نيوز” الإخباري.
الدراسة البحثية التي اجراها المركز من داخل التشكيلات السياسية في لبنان وسوريا، ونشرها يوم امس بعنوان” الجذور المستعصية للدراما السورية الجارية بين ال مخلوف وآل الاسد”، جعل مدخلها صورة تاريخية غير متداولة باتساع، يظهر فيها مؤسس الحزب القومي السوري انطون سعادة يتوسط اثنين من زعامات آل مخلوف في قرية بستان الباشا بغرب سوريا.
بديع مخلوف هو الذي قتل عدنان المالكي
الصورة تعود الى نهاية اربعينات القرن الماضي، قبل فترة قصيرة من عودة انطون سعادة الى لبنان حيث أُعدم عام 1949. مع الاشارة الى ان أحد ابناء عمومة رامي مخلوف، وهو بديع مخلوف، هو الذي كان اطلق النارعلى عدنان المالكي، نائب رئيس أركان القوات المسلحة السورية عام 1955 في عملية الاغتيال الشهيرة التي نُسبت للحزب القومي السوري.
ويكشف التقرير أن رامي مخلوف كان “اشترى” رئاسة الحزب القومي السوري من أمينه العام عصام المحايري عام 2005، وعمل رئيسا غير مرئي لهذا الحزب المنافس لحزب الدولة “البعث”، مستفيدا من امتدادت “القومي السوري” في معظم بلدان شرق المتوسط، (سوريا الكبرى) ومتيحا لهذا الحزب ممثلين في البرلمان والحكومة.
وفجأة في عام 2019 صدر قرار باغلاق مقرات الحزب، ليقوم اعضاؤه برفع هذه الصورة وتعميمها، في رسالة سياسية تتضمن تمجيدا لال مخلوف وتذكيرا بادوارهم التاريخية في المحيط القومي بالمقارنة مع آل الاسد، كما يقول التقرير الذي يستحضر أن والدة بشار الاسد، السيدة أنيسة، كانت مع شقيقها محمد، والد رامي مخلوف بين الذين اعتقلوا وسجنوا بسبب اغتيال احد ابناء العائلة لعدنان المالكي.
الحلم بشخصية عابرة للطوائف
ويذهب التقرير الاستقصائي الى ان رامي مخلوف في شراكته المالية الطويلة مع بشار الاسد، حاول باستمرار أن يصنع من نفسه شخصية عامة عابرة للطوائف، مستثمرا شبكة علاقات الحزب القومي السوري في المنطقة، ومثلها شبكة مصالح مع بعض النافذين في المجتمع السني بسوريا. لكنه عاد مؤخرًا الى التركيز على الطائفة العلوية الحاكمة، خاصة بعد أن تعرضت الطائفة العلوية الى الاستنزاف البشري خلال السنوات العشر الماضية من الحرب.
وقد اشاعت عودة رامي مخلوف الى التركيز على الطائفة العلوية مخاوف داخل حلقة الحكم من تجديد الانقسام الكبير الذي حصل عام 1984 عندما حاول رفعت الأسد الاستيلاء على السلطة من شقيقه حافظ العقدة العائلية ويشير التقرير الى ان الحساسية بين بشار الاسد وابن خاله رامي مخلوف، سببها حقيقة ان آل مخلوف لهم دور تاريخي في الطائفة العلوية يفتقده ال الاسد.
فقد كان ال مخلوف من الأعيان و ملاك الأراضي في المجتمع العلوي، حيث حكموا في القرى الساحلية إلى جانب مجموعة من العائلات العلوية البارزة مثل عائلات خير بك والعلوي والكينج. وعندما ضربت المجاعة الساحل السوري خلال الحرب العالمية الأولى، فتح مشايخ آل مخلوف منزالهم للقرويين المحتاجين، وزودوهم بالطعام والمأوى، مما زاد من مكانة الأسرة داخل المجتمع العلوي.
ولهذا السبب، اعترض شيوخ أسرة مخلوف عندما اطلب الطيار الشاب حافظ الأسد – والد الرئيس الحالي – الزواج من ابنتهم عام 1958. وبالنظر إلى أصوله الفلاحية المتواضعة، قالت الأسرة، إنه لا يتكافأ مع أنيسة، التي كانت آنذاك في مدرسة دير القلب المقدس التي تديرها فرنسا.
لكن الأسد ساد في النهاية . وبعد توليه السلطة عام 1970، جعل أنيسة السيدة الأولى لسوريا. حتى ان البيان الرسمي لوفاة حافظ الأسد كما بثه التلفزيون السوري، صدر بالاشتراك بين عائلتي الأسد ومخلوف، كما لاحظ التقرير الذي عرض تفاصيل نمو امبراطورية ال مخلوف تدريجيا في عهد حافظ الاسد، كيف ان انيسة مخلوف ظلت تراعي رامي ابن شقيقها وتمنحه حظوة مميزة. مشيرا الى ان ثروات مخلوف بدأت تنقلب عليه أولاً بوفاة عمته أنيسة عام 2016، التي كانت على ما يبدو جواز سفره الأساسي لابنها بشار.
ويضيف التقرير لما هو متداول من دواعي تنامي الحساسية بين الرئيس الاسد وابن خالته رامي مخلوف، أن الاخير استثمر تراجع شعبية الاسد داخل الطائفة العلوية بسبب ما خسرته خلال الحرب، فاصبح يغدق في استقطابها، مع الاحتفاظ بهامش من الدعاوي العروبية من خلال رئاسته لفرع الحزب القومي السوري الاجتماعي.
قراءة سيكولوجية للخطابات الاربع
يقدم تقرير “مركز دراسات السياسة الأممية” قراءات مختلفة للاشرطة المصورة التي بثها رامي مخلوف على حساب باسمه في فيسبوك ابتداء من 24 ابريل الماضي، وكانت اشارة الى انه قرر الانتقال في مواجهة الاسد الى مرحلة الخطاب العلني الذي كان شبه محرّم في السابق. التقرير قرأ الرسائل المبثوثة في الاشرطة من هذه الزوايا التي قال انها لفتت اطرافا ذوي صلة طلبوا عدم نشر اسمائهم:
بدأ بتحية رمضان لمن يعتبرهم جماعته، ووضع نفسه كبطل للفقراء. قال إن تبرعاته الشهرية للجمعيات الخيرية تبلغ قيمتها 1.5 مليار ليرة سورية. وبعد ستة أيام ، نشر مقطع فيديو ، ظهر فيه قبالة ما بدا أنه مدفأة، مرتديًا ملابس عادية ويستخدم لغة بسيطة بينما كان يخاطب مباشرة ابن عمته، الرئيس، قائلاً إن ضريبة الدخل مرتفعة جدًا. مضيفا إنه، مع ذلك، سيدفعها إذا ذهب المال للأعمال الخيرية.
كان واضحا أن مخلوف فقد كل إمكانية للوصول إلى الأسد، مما أجبره على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليجعل نفسه مسموعًا. استخدم اللكنة الدمشقيةفي مقاطع الفيديو، كان هناك تغييران واضحان في نبرته. تحدث مخلوف بلكنة دمشقية، هي السائدة لدى المسلمين السنة في العاصمة السورية، بدلاً من اللهجة العلوية للساحل السوري. أراد توظيف المرئي والمسموع ونبرة الصوت لجذب جمهور أوسع. كما اقتبس آيات من القرآن تروق للجمهور من مختلف الطوائف: العلويين والشيعة والسنة. كان يحاول كسب القلوب والعقول بين جميع السوريين وليس العلويين فقط.
لكن ما حصل هو ان الرئيس تجاهله، في حين أصدرت مؤسسة الاتصالات التابعة للحكومة بيانا رسميا قالت فيه إن جميع المستحقات المستحقة من مشغلي سوق الهاتف يجب أن تدفع في موعد أقصاه 5 مايو.
مرحلة تالية من التحذير
وفي الفيديو الغاضب بتاريخ 3 مايو، انتقل مخلوف الى تحدى الأسد مباشرة، قائلاً إنه لن يدفع فلساً واحدًا، وداعيا الاسد إلى تغيير نهجه وإلا واجهت البلاد ما وصفه بـ “العقاب الإلهي”. واشتكى مخلوف من أن الأجهزة الأمنية تعتقل موظفيه وكبار مديريه للضغط عليه للانحناء. كان يخاطب الأسد على أنهما متساوٍيان، وليس باعتباره مرؤوسًا. كان يرى الاسد بوضوح كشريك في النظام الحالي ، تمامًا كما استذكر ان والده من مؤسسي نظام حافظ الأسد.
رسالة 10 مايو… مناشدة للعلويين
ويقرأ التقرير خطوة ثالثة في هذا الخطاب متعدد الرسائل، هي الرسالة الاخيرة في 10 مايو والتي بثها على الفيسبوك. ذوو الصلة، كما وصفهم التقرير، قرأوا في هذه الرسالة الاخيرة، انها جاءت مكتوبة وليس مصورة. وفيها ابتهال الى الله أن ينقذه. لكن الملفت فيها هو ان الافتباسات الدينية جاءت من كتاب بعنوان (“البلد الآمن والدرع المحصن”)، من تأليف الشيخ تقي الدين كفان من جبل عامل (جنوب لبنان) يعود الى القرن السادس عشر.
الكتاب يحتوي على قائمة طويلة من الأدعية التي يستخدمها الشيعة والعلويون في حالات الخوف ومن من أجل حمايتهم من الظلم والمرض. وفيه مما اقتطفه رامي مخلوف دعاؤه لله بالقول ان ” ظُـلـمُ عِـبـادِكَ قَـد فَـاقَ طـاقَـةَ عِـيـالِـكْ”. ويخلص التقرير الى ان رامي مخلوف لم يفلح في استقطاب متعاطفين معه من الطائفة السنة، فعاد في رسالته الرابعة ليوجه رسائله للعلويين الذين يعتقد انهم تعرضوا للاستنزاف طوال السنوات العشر الماضية وان لهم مع ال مخلوف تاريخ ولاء وتبعية جعلته، رامي مخلوف، يراهن عليه، وهو غير متأكد من جدوى الرهان.