أغلقت النافذة

ريم قمري

النشرة الدولية –

هذا الصباح كان عليٌ أن أفتح النافذة مجددا، الشمس تحاول اختراق الستائر الثقيلة و التسلل الى داخل الغرفة، تتسابق أشعتها في لسع قدمي و جزء من ساقي ، أتحسس وجهي بأطراف أصابعي، و أرفع جفوني الثقيلة في محاولة لجعل الضوء يجتاح عينيٌ على دفعات، مازالت تلك الخطوط السوداء الرفيعة و النقاط الملونة تتراقص أمام عيناي المنتفخة، في آخر زيارة لطبيب العيون و بعد فحص دقيق و مطول ، أخبرني أني لا أشكو من شيء خطير ، فقط هي جرعات الضوء القوية تسبب مثل هذه العوارض التى تزول تلقائيا و بشكل طبيعي.

افرك عينيٌ بقوة ، تتضح الرؤية الا من بعض النقاط السوداء العنيدة و أتذكر ان هذه الحالة أصابتني بعد أن تلقيت رسالة على “الواتس آب” منذ ما يقارب الثلاث شهور، كانت رسالة وردت الثالثة صباحا و قرأتها في الظلام مكتفية بإضاءة شاشة الجوال، و من يومها تحولت حروف الرسالة الى نقاط سوداء تتراقص طول الوقت أمام عيناي.

الطبيب قال أن الأمر طبيعي و عادي و شرح لي بطريقة علمية، أضجرتني كثيرا و جعلتني أفقد تركيزي  و بتالي لم أستوعب مطلقا أي شئ من كلامه، فقط فهمت أني لن أصاب بالعمي و هذا كان كافيا بالنسبة لي.

لكنني في قرارة نفسي كنت أدرك جيدا أني مصابة بلعنة حروف رسالة “الواتس اب ” الفجرية، و مع ذلك جربت القطرات التى وصفها لي الطبيب ، بل واظبت عليها بشكل دقيق ، و لم تضمحل النقاط السوداء، حينها قررت أن أكتب، قلت سأكتب كل هذه النقاط السوداء التى تطاردني برقصها العشوائي أمام ناظري.

انزلقت من السرير إذا هذا الصباح ، بعد ان جلدتني سياط الشمس الحارقة، ازحت الستائر و شرعت النوافذ، و وقفت قبالة النافذة، اتكأت عليها بمرفقي و سرحت بنظري نحو الأفق.

لا شيء تفير في العالم متذ ثلاثة شهور ، مازال كل شيء يسير بنفس الوتيرة ، الحياة مستمرة و الموت أيضا حاضر بقوة، انا أيضا مازلت هنا في نفس الحيز الجغرافي الضيق، لكن روحي تحلق عاليا .

أشرع صدري للهواء و أتنفس بعمق ، أحبس الهواء داخل صدري ثم أطلقه بقوة ، فتخرج معه جثث الذكريات و أشباح الحكايات و صور السفرات و أسماء الأماكن و البلدان ، حتى رسائل العشاق ، كل ما في داخلي كان يقفز أمامي الآن ، و يتناثر في الهواء مثل ذرات الغبار ، الأصوات ، الأغاني، الروائح ، كان كل شيء خارجي الآن ، و أنا اتلوى كمن به صرع ، جذعي ينحني الى الأمام و ظهري يزداد تقوسه ، فمي مفتوح ، و في صدري جرح عميق مفتوح ، تمسكت بالنافذة بقوة ، تشبثت بها حتى لا أقع و تتهشم عظامي من الدور الثاني.

الجرح الذي في صدري كان يزداد اتساعا ، و جثث الماضي تتدافع للخروج فيما يشبه ولادة قيصرية مؤلمة.

فجأة همد جسدي ، و ارتخت عظلاتي ، و استطعت التحكم في جسمي من جديد ، حركت أصابعي المتيبسة على حاجز النافذة ، أقمت ظهري المعوج بصوبة، تحسست مكان الجرح المفتوح في صدري فلم أجد له أثرا ، لقد اندمل بشكل كامل و لم يترك خلفه حتى خدشا بسيطا.

أغلقت عينيٌ و استنشقت الهواء بهدوء، مرت ثوان و أنا أحاول فيها استرجاع هدوئي ، و حين فتحت عينيٌ مجددا كانت كل النقاط السوداء قد اختفت تماما، حدقت أمامي ، كانت السماء صافية و الشمس ترسل خيوطها الذهبية ،  بعض الطيور تصلني زقزقاتها من بعيد ، الحديقة تتلألأ تحت نور الشمس ، و أنا أمسح كل هذا بنظر سليم لا نقاط او خيوط سوداء تفسد بياضه.

ابتعدت عن النافذة و اتجهت صوب المكتب ، جلست على الكرسي ، فتحت اللابتوب ، كان مخطوط كتابي الجديد ماثلا أمامي ، ضغت على الحروف و كتبت ” الان فقط  أغلق النافذة و أكتب نهاية الكتاب .”

 

#من_مخطوط_كتاب_قيد_الانجاز

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى