بين سعر الصرف المرن والتعويم.. ماذا سيحل بالليرة اللبنانية؟* عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

قدّمت الحكومة اللبنانية فرض الطاعة لصندوق النقد الدولي، فأكدت على لسان وزير ماليتها غازي وزني استعداد لبنان تلبية طلب الصندوق تعويم سعر صرف الليرة. وإذا ما تجاوزنا تعبير “طلب”، إذ أن صندوق النقد يَفرض ولا يَطلب، فإنه من الصعب تجاوز طرح وزني القاضي باعتماد سعر صرف مرن في المرحلة المقبلة، قبل الوصول الى مرحلة التعويم.

جاء طرح اعتماد سعر صرف مرن انطلاقاً من تمهيد الطريق أمام صندوق النقد الدولي الذي يضع عملية تحرير سعر الصرف في طليعة شروطه للتدخل، ومن باب تجنيب الليرة الانهيار الكبير وتبعات التعويم الفوري. فماذا يعني سعر الصرف المرن؟ وهل اعتماد سعر صرف مرن يقل قسوة عن تعويم سعر الصرف؟

نظرياً يقتضي المنطق الإقتصادي اعتماد التعويم التدريجي لسعر الصرف، أو ما يُعرف بسعر الصرف المرن كمرحلة انتقالية، وليس التعويم التام الفوري. لكن عملياً هل بإمكان لبنان اعتماد سعر صرف مرن وضبط فوضى السوق، في ظل عجز الدولة وتخاذلها عن تنظيم المعابر الحدودية ولجم تهريب الدولارات والبضائع المدعومة؟ وما هي مفاعيل سعر الصرف المرن؟

سعر الصرف المرن

يمكن تعريف سعر الصرف المرن بالتعويم المُدار أو التعويم الجزئي الذي يسمح بتدخل البنك المركزي جزئياً في السوق لمحاولة ضبط سعر الصرف عند مستويات معيّنة. ويتيح سعر الصرف المرن للمصرف المركزي التدخل بشكل غير مباشر في عمليات شراء وبيع النقد الأجنبي للتحكّم، وإن جزئياً بسعر الصرف.

ويختلف نظرياً التعويم المُدار (سعر الصرف المرن) عن التعويم الحر (تحرير كلّي لسعر الصرف)، إذ يقتضي الأخير كف يد السلطات النقدية بالكامل عن التدخل بعمليات تحديد سعر الصرف، وتُترك عملية تحديد سعر العملة لآليات العرض والطلب بشكل كامل.

صعوبة التنفيذ

سعر الصرف المرن أو التحرير التدريجي هو ما قصده وزير المال في حديثه وفق مصدر في وزارة المال. بمعنى أن يتم اعتماد انخفاض سعر الليرة وفق ما جاء في الخطة الاقتصادية تدريجياً، وصولاً إلى العام 2024 ليبلغ سعر الدولار 4297، تمهيداً لتحريرها كليا، بمعنى أن سعر الصرف وفق ما هو مخطّط له سيتحرك ضمن هوامش محدّدة تتغيّر مع تغيّر نسب الدعم.

لكن عدداً من خبراء الاقتصاد، ومن بينهم الدكتور لويس حبيقة، لا يرون أن بإمكان لبنان اعتماد سعر صرف مرن، مرجّحاً التوجه إلى دعم سعر صرف جديد لمحاولة السيطرة على فوضى سوق الصرف وتعدّد الأسعار، مع الإبقاء على سعر الـ 1515 ليرة في المدى المنظور. وإذ يذكّر حبيقة في حديث إلى “المدن” أن قرار تحديد سعر الصرف لا يجب اتخاذه خارج مصرف لبنان، يشدّد على ضرورة الالتفات إلى تأثير سعر الصرف مباشرة على الأجور قبل اتخاذ أي قرار نهائي في ما خص تحديد سعر صرف جديد.

لا فرق بين الخيارين

تعليقاً على إعلان وزني التوجّه لتعديل سياسة التثبيت إلى سياسة سعر الصرف المرن في مرحلة أولى، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة التعويم، وعلى الرغم من اعتبار عدد من خبراء الإقتصاد أن أفضل أنظمة الصرف هي نظام الصرف المُدار أو المرن، بحيث يضمن الحفاظ على قيمة العملة الوطنية ويجعلها تحت السيطرة ويتناسب سعرها مع التغيرات في العرض والطلب. لكن خبراء اقتصاديين لا يرون من إمكانية لاعتماد لبنان سعر صرف مرن، كما أن بعضهم ينتقد التعبير، ولا يرى من فارق بين نظريتي السعر المرن والتحرير الكامل، لاسيما في حالة لبنان، إذ أن في الحالتين ستتعرض الليرة الى ضغوط هائلة قد تُفقدها ما تبقى من قيمتها بمعنى أن سعر صرف الدولار سيزيد كثيراً عما هو عليه اليوم.

ويستغرب خبير البورصات جهاد الحكيّم في حديث إلى “المدن” ما جاء على لسان وزني لجهة سعر الصرف المرن، “إذ لا فرق فعلياً بين اعتماد سعر الصرف المرن وبين التعويم. فالنتيجة ستكون مماثلة”، يقول الحكيّم. ويرى أن الحديث عن اعتماد سعر صرف مرن لا يمكن تفسيره سوى بإيهام الناس بالسيطرة على سوق الصرف قبل تحريره. لكن حقيقة الأمر هي أنه سيتم تحرير سعر الصرف مهما اختلفت التسميات.

من جهتها الباحثة الاقتصادية والمالية ليال منصور إشراقية ترى أن من الضروري الحفاظ على سعر الصرف الثابت، أقله لعدة سنوات مقبلة قبل التوجه إلى تعديله. “وإذا لم يكن بإمكان لبنان الاستمرار بالتثبيت، فلتكف السلطة يد مصرف لبنان عن طبع وضخ مزيد من العملة اللبنانية في السوق، وربط عملية طبع العملة الوطنية بدخول دولارات جديدة الى البلد”. وتصر إشراقية في حديثها إلى “المدن” على ضرورة الاستمرار بعملية التثبيت خلال السنوات القليلة المقبلة. ذلك لعدم قدرة لبنان حالياً على استعادة الثقة محلياً ودولياً، خصوصاً أن الثقة بالعملة المحلية حالياً شبه منعدمة. فنسبة الدولرة تفوق 75 في المئة. والطريقة الوحيدة لاستعادة الثقة هي ثبات العملة والعمل على تقويتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button