سريوي: الدولار مفقود وسيُحلّق، وأزمة غذاء غير مسبوقة ستضرب لبنان والعالم
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

في حديث لتلفزيون لبنان، قال رئيس تحرير موقع “الثائر” اكرم كمال سريوي : إننا قادمون على مرحلة صعبة جداً، اجتمعت فيها الأسباب الداخلية والخارجية، وقد نشهد ارتفاعاً كبيراً في سعر صرف الدولار، لأنه فعلياً شبه مفقود في السوق اللبنانية، وقد جفّت مصادر دخوله الى لبنان بشكل حاد في الأشهر الأخيرة (هذا إذا استثنينا بعض المال الانتخابي الذي تبخّر مع إقفال صناديق الاقتراع)، بينما ما زال يزداد الطلب عليه كثيراً. هذا إضافة إلى تهديدات حاكم البنك المركزي وتوضيحاته، بأنه لم يعد قادراً على الاستمرار بسياسة الدعم، وأنه سيتوقف عن ضخ الدولار في السوق، وأن المركزي لم يعد يستطيع تحمّل المزيد من الخسائر.

وأضاف سريوي: إن العامل الخارجي لا يقلّ أهمية عن عوامل الأزمة اللبنانية الداخلية، ويجب التعاطي معه بجدّية تامة، فالحرب في أوكرانيا ووفق تقرير الأمم المتحدة، تحتجز من 5 إلى 6 ملايين طن من الحبوب، وهذا سيستمر للأشهر القادمة، مما سيخلق أزمة غذاء غير مسبوقة في معظم دول العالم، التي راحت الآن تتهافت على شراء القمح وتخزينه.

وعن الحرب الأوكرانية وتداعياتها قال سريوي: بغضِّ النظر عن أسباب الحرب، ومدى صحة وأحقية المبررات التي قدّمتها روسيا، يبقى أنه في الشق العسكري، رغم كل ما رأيناه من دعم بالسلاح والمال لأوكرانيا، ورغم الخسائر التي تُلحقها القوات الأوكرانية بالجيش الروسي، فإن ما يتم تقديمه غير كافٍ لقلب موازين القوى لصالح أوكرانيا، فنوعية الأسلحة التي يُرسلها حلف الناتو محدودة الفعالية، بينما تمتلك روسيا مخزوناً كبيراً من الأسلحة النوعية والمتطورة، وكما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين : “أن روسيا لديها أسلحة لا يمتلك مثلها أحد في العالم، وأن روسيا لن تتباهى بها، بل ستستعملها”.

وأشار سريوي: إلى أن هذه الحرب أصبحت حرباً كونية، ولو أنها ما زالت لم تنفجر بشكل مباشر بين روسيا ودول الناتو، لكن بعد دخول القوات الرومانية إلى ملدوفيا، والدخول المرتقب للقوات البولندية إلى غرب أوكرانيا، قد تتوسع رقعة المواجهات العسكرية، ولا يمكن التنبؤ كيف يمكن أن تتطوّر الأمور . هذه الحرب ستترك تداعيات على التوازنات والاصطفافات العالمية، ولبنان سيتأثر دون شك بما سيحدث.

وقال سريوي: هناك مؤشرات إيجابية على صعيد المنطقة، فاللقاء المرتقب بين وزيري خارجية إيران والسعودية، قد يترك آثاراً إيجابية، كما أن الاندفاعة الأمريكية باتجاه الحل في الشرق الاوسط، للتخفيف من أضرار أزمة النفط والغاز العالمية، وتوفير البدائل عن الغاز الروسي لأوروبا، كل ذلك قد يكون له أثراً إيجابياً على لبنان.

وتوقع سريوي أن تشهد الأشهر القادمة انفتاحاً أمريكيا على سوريا، وقال: من يعتقد أن أمريكا ستترك الشرق الأوسط كما فعلت في أفغانستان، هو مخطئ ، فالظروف مختلفة، والمصالح مختلفة، ولا يمكن أن تترك الولايات المتحدة الأمريكية الشرق الاوسط، وتُخلي الساحة للصين وروسيا، خاصة بعد ما حدث في أوكرانيا.

وعن نتائج الانتخابات النيابية قال سريوي: لقد بدأ مسار التغيير، ولكنه بطيء جداً. والمجتمع اللبناني يشهد انكفاء كبار المثقفين عن خوض الانتخابات، لعدة أسباب، منها؛ وجود هذا القانون السيء، الذي يشوّه العملية الديمقراطية وصِحة التمثيل، ويسمح بوصول أشخاص، لا يحوزون على ثقة الناخبين بشكل فعلي، وبمجموع أصوات لا يخوّلهم لمنصب رئيس بلدية، فكيف يجوز الوصول بها الى الندوة البرلمانية، وبالطبع لما كان ليحصل ذلك، لو كان هناك قانون سليم للانتخابات.

وأضاف إن صورة البرلمان الجديد لم تتغيّر كثيراً عن سابقه، لذا ستعيد السلطة تكوين نفسها، وسيواجه المستقلّون وممثلوا المجتمع المدني، صعوبة في إحداث فرق و في مواجهة القوى التقليدية، التي حازت على غالبية مقاعد البرلمان.

وعن المرحلة القادمة والحكومة قال سريوي: سيكون من الصعب جداً الاتفاق على حكومة، في ظل التجاذب السياسي الحاصل، خاصة أنه لم يبق من عهد الرئيس عون سوى أشهر قليلة، يجب خلالها انتخاب رئيس جديد للبلاد. وتتحول الحكومة بعد انتهاء العهد إلى حكومة تصريف أعمال. ويتوجّب عليها في حال تشكيلها الآن، اتخاذ قرارات غير شعبية؛ من رفع الرسوم والضرائب، وإقرار الكابيتال كونترول، ورفع الدعم كلّياً، وتحرير سعر صرف الدولار، هذا إضافة إلى مواجهة ومعالجة أزمات؛ الغذاء، والدواء، والمحروقات، والانهيار الاقتصادي، وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، ومطالب الموظفين بزيادة الرواتب، وكل ذلك شبه مستحيل في ظل استمرار الواقع الدولي ذاته، خاصة مواقف الدول العربية من بعض أطراف الحكم في لبنان، ولذلك قد يستمر تصريف الاعمال حتى نهاية العهد، ولن يكون الرئيس ميقاتي في حال اعادة تكليفه، راغباً في التقاط كرة النار هذه، بتشكيل حكومة جديدة، وربما قد يفضّل مع أطراف آخرين، (لا يرغبون باعطاء جرعة دعم للعهد في آخر أيامه)، ابقاء حكومة تصريف الأعمال .

وعن الإنقاذ الاقتصادي قال سريوي: إن الموازنة التي قدمتها الحكومة لا تتجاوز ملياري دولار، وفقاً لسعر صرف السوق السوداء، والمفاوضات مع صندوق النقد تتم على تقديم 3 الى 4 مليار دولار، مقسّطين على ثلاث سنوات. وهذا مجرّد إبرة مخدّر، فلقد تم صرف أكثر من 27 مليار دولار على الدعم منذ بداية الأزمة، وكلها ذهبت هباءً إلى جيوب التجار والمهرّبين. لقد أهدرنا فرصة مؤتمر سيدر بسبب تعنّت بعض السياسيين وتصرفاتهم، التي أساءت إلى لبنان.

وأضاف سريوي: المشكلة في لبنان سياسية بامتياز، والمؤسف أن بعض من يعد ويُنظّر عن تحويل الاقتصاد من ريعي إلى إنتاجي، ويتكلم عن انتاج الغاز والنفط، لا يعرف أنه في علم الاقتصاد هذا يعتبر اقتصاداً ريعياً، فالإنتاج مرتبط بالزراعة، والصناعة، ويمكن للبنان تطوير هذين القطاعين، لكن يجب أن لا نُهمل المجالات الريعية، التي تدر ذهباً على لبنان، مثل السياحة، وتجارة الترنزيت، التي تستوجب إعادة إعمار سريعة لمرفأ بيروت، وإنشاء سكة حديد تربط لبنان بالداخل العربي، وإعادة تشغيل مصفاة طرابلس وانبوب النفط الممتد من العراق عبر سوريا، وإنشاء معامل الكهرباء، وتطوير القطاع التربوي والإستشفائي، وهذه مشاريع اسرع بكثير من عمليات الانتاج. لكن هذا كله لن يفيد بشيء إذا بقيت الدولة سائبة، والأمن بالتراضي، والفساد مستشرياً، ونظام المحاصصة سائداً، والقضاء لا يُحاسِب.

لذلك يجب أن ترتكز خطة انقاذ لبنان على الحل السياسي اولاً، بإعادة بناء الدولة، واعتماد الحياد، والخروج من بعض صراعات المنطقة، وتنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، وتبنّي المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، التي اقترحها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، ووافق عليها كافة الزعماء العرب، عام 2002 في قمة بيروت.

وختم سريوي بالقول: قد يتأخر الحل، فالعالم مشغول بأمور أهم من لبنان. ولكن هذا لا يعني أن الانهيار بات حتمياً،
فهناك قرار غربي عربي بمنع انهيار لبنان، وهذا تَترجَم بإنشاء صندوق الدعم السعودي الفرنسي، وعودة السفراء الخليجيين إلى بيروت ، وقد نبقى على هذا الحال، إلى حين نضوج بعض التوافقات الدولية. وتقع مسؤولية تسريع أو تأجيل الحلول، على عاتق اللبنانيين بالدرجة الأولى، فهم قادرون دون شك، على مساعدة أنفسهم، حتى يقتنع الآخرون، بضرورة وجدوى مساعدتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى