جائحة “كورونا” يرفع درجة حرارة ديون العالم الى معدل 27%

النشرة الدولية –

لا تبّشر الأرقام والبيانات الحديثة الخاصة بالديون بأي بادرة أمل لاختفاء الأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في وقت قريب، حيث تفيد بيانات معهد التمويل الدولي بأن إجمالي الديون سيرتفع من مستوى 255 تريليون دولار خلال عام 2019 إلى نحو 325 تريليون دولار بنهاية العام الحالي، بزيادة تبلغ نحو 70 تريليون دولار، مسجلاً زيادة نسبتها 27.4 في المئة.

على رأس القائمة تأتي الولايات المتحدة الأميركية التي تشير البيانات إلى أن ديونها ارتفعت 37.7 في المئة في عهد الرئيس الحالي دونالد ترمب، حيث كان إجمالي ديونها في بداية ولاية ترمب نحو 19.6 تريليون دولار، وتشير التوقعات إلى ارتفاعه إلى مستوى 27 تريليون دولار بنهاية العام الحالي بزيادة تبلغ نحو 7.4 تريليون دولار.

لكن خلال الـ12 عاماً الماضية، وتحديداً في عهدي باراك أوباما ودونالد ترمب، فقد قفزت الديون الأميركية 154.7 في المئة، وذلك بعدما ارتفعت من مستوى 10.6 تريليون دولار في بداية عهد أوباما إلى مستوى 27 تريليون دولار بنهاية الدورة الأولى للرئيس الحالي دونالد ترمب.

نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الأعلى عالمياً

وتعدّ نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي من بين أعلى المعدلات في الدول المتقدمة، وقد زادت جائحة فيروس كورونا الأمر سوءاً، إذ أعلنت إدارة الرئيس ترمب عزمها اقتراض نحو 3 تريليونات دولار في الربع الثاني من العام الحالي لمواجهة تداعيات تفشي الفيروس، لتعود قضية الدين الأميركي مجدداً إلى الساحة الداخلية والدولية، وتثير جدلاً بين الخبراء حول تناميه وتأثيره على الاقتصاد الوطني والعالمي، بخاصة وأن الرقم الذي ترغب واشنطن في اقتراضه، أكثر من خمسة أضعاف الرقم الذي اقترضته في ذروة الأزمة الاقتصادية عام 2008- 2009، ويتجاوز إجمالي المبلغ الذي اقترضته خلال العام الماضي، المقدر بنحو 1.28 تريليون دولار.

وسيسهم قرض التريليونات الثلاثة في قفزة لإجمالي الديون الأميركية من أكثر من 24 تريليون دولار في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) الماضي إلى أكثر من 27 تريليون دولار.

وقيمة القرض تقدّر بنحو 14 في المئة من إجمالي الاقتصاد الأميركي، ومن الطبيعي أن تثير مخاوف الخبراء والسياسيين، حتى من أنصار الرئيس ترمب، بشأن تأثير زيادة الإنفاق على الدين الوطني. وتقترض الولايات المتحدة من خلال بيع السندات الحكومية، التي تتمتع غالباً بأسعار فائدة منخفضة نسبياً، نظراً إلى أن الديون الأميركية تعدّ منخفضة المخاطر من قبل المستثمرين في جميع أنحاء العالم.

وفي الواقع فإن عبء الديون في الولايات المتحدة أخذ في الارتفاع إلى مستويات ترى الوكالات أنها محفوفة بالمخاطر على المدى الطويل، حيث تنفق البلاد أكثر مما تنتج، إلى الحدّ الذي تجاوز فيه الدين الوطني 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ عجز الميزانية 3.7 تريليون دولار.

كورونا هو المحرك الرئيس للأزمة الحالية

على صعيد توقعات معهد التمويل الدولي، فإنها تشير إلى أن إجمالي الديون العالمية سيرتفع إلى 325 تريليون دولار بحلول عام 2025، مع حقيقة أن الاستجابة لوباء كوورنا هي المحرك الرئيس لهذه الزيادة. وذكر المعهد أن إجمالي ديون العالم للأسر والشركات غير المالية والحكومات العامة والقطاع المالي قد يشهد بذلك زيادة 30 في المئة عند المقارنة مع مستويات عام 2019، البالغة 255 تريليون دولار.

ومن المرجّح أن تشكل ديون الصين نحو 75 في المئة من الزيادة المتوقعة في إجمالي الديون العالمية حتى عام 2025. ويجدر الإشارة إلى أن إجمالي ديون العالم قد شهد قفزة بأكثر من 10 تريليونات دولار في عام 2019.

وخلال العام الحالي حتى الآن، فإن الاستجابة القوية لوباء “كوفيد-19” دفعت إجمالي إصدار الديون ليتجاوز 14 تريليون دولار، وهو تقريباً ضعف المستويات التي شوهدت في الفترة المماثلة من العام الماضي.

وتأتي هذه الزيادة القوية في الديون خلال 2020 مدفوعة بارتفاع حاد في الاقتراض الحكومي، حيث وصل إصدار الديون الحكومية إلى مستوى قياسي عند 2.6 تريليون دولار في شهر أبريل الماضي مقابل متوسط شهري يبلغ تريليون دولار في العام المنقضي. كما أن مايو (أيار) الحالي يتجه نحو تسجيل رقم قياسي مرتفع جديد، وفقاً للتقرير.

وفي واقع الأمر، فإن الديون الأميركية الجديدة، البالغة نحو 1.5 تريليون دولار، تمثل حصة الأسد في كومة ديون حكومات العالم خلال أبريل الماضي.

وتشير تقديرات المعهد الدولي القائمة على توقعات مكتب الميزانية بالكونغرس الأميركي إلى أن ديون الحكومة العامة ستشهد زيادة من 102 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، لتصل إلى أكثر من 120 في المئة خلال عام 2020، قبل أن تتجاوز 140 في المئة بحلول عام 2025.

ارتفاع قياسي في إجمالي ديون الصين

وطبقاً لمعهد التمويل، فإن الصين تسهم بأكثر من 40 في المئة في زيادة الديون العالمية منذ عام 2007. وكان إجمالي ديونها في السنوات التالية للأزمة العالمية في عام 2008 غير مسبوق، حيث صعد من نحو 127 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 300 في المئة خلال عام 2019.

ويرى معهد التمويل الدولي أن معدل ديون الصين إلى الناتج المحلي الإجمالي قد سجل زيادة فصلية قياسية في الربع الأول من عام 2020، ليقفز إلى 317 في المئة، وهو أعلى بنحو 17 في المئة عند المقارنة مع النسبة المسجلة قبل عام مضى.

 

وتعتبر هذه الزيادة في نسبة الديون الصينية هي الأكبر على الإطلاق، ما يعكس انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إضافة إلى القفزة المفاجئة في صافي الاقتراض. كما أن بكين تُعد حالياً أكبر الدائنين في العالم للدول منخفضة الدخل، حيث صعدت مطالبات الصين للديون مستحقة السداد على بقية دول العالم من نحو 875 مليار دولار في عام 2004 إلى ما يزيد على 5.5 تريليون دولار في عام 2019.

ووفقاً للتقرير، فإن مبادرة “الحزام والطريق” قد لعبت دوراً هاماً في قيادة نشاط الاقتراض، فمنذ إطلاق الرئيس الصيني، شي جين بينغ، هذه المباردة في عام 2013 تم توجيه نحو 730 مليار دولار مباشرة لاستثمارات خارجية وعقود بناء في أكثر من 112 دولة.

كيف تؤثر مبادرة تعليق الديون في الأزمة القائمة؟

في الوقت نفسه، أكدت وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس” أن مبادرة تعليق الديون لمجموعة العشرين، لن تخفّف التحديات الائتمانية الكبيرة التي تضخمها جائحة فيروس كورونا ببعض الأسواق الحدودية. وقدّرت في مذكرة بحثية حديثة أن تعليق مدفوعات خدمة الديون يمكن أن يقلل من الاحتياجات التمويلية للحكومات المؤهلة المصنفة من قبلها بنحو 10 مليارات دولار على مدى الأشهر الثمانية المقبلة، وسيغطي هذا جزءاً صغيراً فقط من الفجوة الخارجية، تاركاً نقصاً ملحوظاً يبلغ نحو 40 مليار دولار.

ولفتت إلى أن المبادرة ستساعد تلك الدول على تخفيف ضغوط السيولة قصيرة الأجل، من خلال تخفيض خدمة مدفوعات خدمة الديون في وقت تكون فيه الموارد الحكومية محدودة، ويكون الوصول إلى تمويل السوق مقيداً، إلى حد كبير، ومع ذلك، لن يكون لتخفيف خدمة الديون تأثير كبير على اتجاهات الديون متوسطة الأجل التي ساءت خلال الأزمة، ولن تغطي المساعدات الاستثنائية سوى جزء من فجوة التمويل الخارجية المتزايدة.

وذكرت أنه على الرغم من أن تخفيف خدمة الديون سيسمح لبعض الحكومات بإعادة تخصيص الموارد الشحيحة نحو الإنفاق الصحي والاجتماعي، فإنه لن يكون له تأثير كبير على اتجاهات الديون متوسطة الأجل.

وقالت إن صدمة فيروس كورونا ستؤدي إلى انخفاض حاد في النمو هذا العام، وعجز أكبر في الميزانية وارتفاع أعباء الديون على الأقل في السنوات القليلة المقبلة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض على الأقل بالنسبة إلى الديون المتعاقد عليها بشروط تجارية.

وتوقعت احتمالية وجود تناقص على مستوى الإيرادات بشكل كبير، يحدّ من القدرة على خدمة الديون، بما يطرح تحديات أكبر على السيولة في المدى الطويل. وكشف نائب رئيس موديز أن صدمة الفيروس التاجي واستجابة السلطات المرتبطة بالسياسة أحدثا خللاً كبيراً في التوازن المالي والخارجي، سيستغرق وقتاً لمعالجته، بخاصة في الدول ذات الدخل المنخفض التي تدخل الأزمة مع أعباء الديون المرتفعة أو العرضة لمخاطر العملات الأجنبية، فهم الأكثر عرضة للخطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى