الألمان يبهرون العالم من جديد
بقلم: د. محمد مطاوع

النشرة الدولية –

اعتاد الألمان على الإبهار، ليس في كرة القدم فقط، بل في كل المجالات، حيث برزوا كقوة اقتصادية هائلة، بعد حالة الدمار الواسعة التي تعرضت لها إثر الحرب العالمية الثانية، والحصار الخانق من الحلفاء الذين أعلنوا انتصارهم واحتلالهم لبلاد الراين.

تحولت ألمانيا إلى أيقونة صناعية، وباتت واحدة من أكثر دول العالم تقدما، وكان من حظ كرة القدم، أنها نالت جانبا كبيرا من وجدان الشعب الألماني، لتبرز كقوة لا يشق لها غبار، سيطرت على العديد من بطولات كأس العالم، بالوصول إلى النهائي 8 مرات (رقم قياسي)، وتحقيقها اللقب 4 مرات، ومتأخرة بلقب وحيد عن البرازيل صاحب الصدارة العالمية في عدد الألقاب.

أفرزت ألمانيا مجموعة من الفرق الرائعة التي تتنافس فيما بينها، وتقاتل على البطولات الأوروبية، وفي مقدمتها بايرن ميونخ الذي يسيطر حاليا على البوندسليجا، وحقق لقب دوري أبطال أوروبا 5 مرات، ووصل للنهائي في مثلها.

تصدرت ألمانيا دول أوروبا في التعامل مع أزمة كورونا، ومن بين كبار القارة (انجلترا، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا) كانت الأقل في الإصابات وعدد الوفيات، نظير برنامج العناية الصحية القوي والمشهود له عالميا.

أبت ألمانيا إلا أن تكون في الصدارة أيضا في تعاملها رياضيا مع فيروس كورونا، فكانت أول الدول التي وضعت بروتوكولا طبيا وخطة طريق واضحة لعودة النشاط الرياضي وبخاصة كرة القدم، فكانت فرقها الأولى عودة للتدريب، كما أبهرت العالم بسرعتها في إعادة البوندسليجا للحياة، ومرور الأسبوع الأول للبطولة منذ التوقف على خير ما يرام، من خلال تطبيق التعليمات الطبية بدقة متناهية، وعدم التهاون في أي جزئية مهما كانت صغيرة من حيث الفحص الدوري، والتباعد قبل وبعد انتهاء المباراة، وعزل اللاعبين جميعا لحين التأكد من سلامتهم.

الجانب الاقتصادي لم يغب عن انطلاقة البوندسليجا، حيث بينت الأرقام أن حوالي 6 ملايين شخص تابع مباريات يوم السبت الماضي داخل ألمانيا، وهو يمثل ضعف الرقم المعتاد محليا، مما يبشر بتعويض كبير للأندية نظير فترة التوقف الإجباري، وإنقاذها من الإفلاس.

كما تم بث مباريات الدوري الألماني في حولي 200 دولة حول العالم، وقدرت أرقام المتابعة بما يزيد عن مليار شخص، نظرا لتوقف بطولات الكرة في الدوريات الأوروبية الكبرى، واعتبار البوندسليجا خير تعويض لعشاق الكرة، بالعودة لشاشات التلفزيون من جديد للمتعة والإثارة.

الدرس الألماني حفّز إسبانيا بشكل كبير، حيث باتت الفرق على أهبة الاستعداد للعودة للتنافس على ذات الطريقة، حيث ينتظر أن تكون العودة رسميا في الثاني عشر من الشهر المقبل، ومن بعدها ينتظر عودة الدوري الإيطالي، ومن بعده في إنجلترا التي ما زالت تواجه تعقيدات مع اللاعبين الذين يرفضون العودة للملاعب قبل الحصول على ضمانات كافية بعد التعرض للخطر.

أتمنى أن يكون هناك تفكير مشابه في دولنا العربية، التي بإمكانها السير على خطى ألمانيا، من حيث وضع بروتوكل واضح المعالم، والسير على بنوده بدقة متناهية، لعل وعسى أن تعود الكرة تعودة من جديد في ملاعبنا، ونثبت للعالم بأننا قادرون على التعامل مع هذا الوباء، ولدينا الإصرار الكافي على السير قدما، وعدم التقوقع في مكاننا ونحن ننظر لتقدم الآخرين في هذا المشوار الطويل، للتغلب على وباء أصاب العالم بأسره بالجمود.

نقلاً عن موقع “كوورة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى