صراع محتدم على رئاسة الحكومة اللبنانية
النشرة الدولية
لبنان 24 –
نوال الأشقر
خطابات الإنتصار، إطلالات نكران الهزيمة، ولعبة العد والأرقام، منذ إعلان نتائج الإنتخابات، لم تحجب الصراع السياسي القائم بين المكوّنات البرلمانية بتلاوينها المختلفة، حول تشكيل الحكومة، لجهة طبيعة هذه الحكومة، سياسيّة أم تكنوقراط، ربطًا بدورها المرتقب بعد 31 تشرين الأول المقبل، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، فيما لو أخفق المجلس النيابي بانتخاب خلف له. الصراع الحكومي مرجّح للتفاقم في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد مرور استحقاق انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، وما يشهده من مزايدات، بلغت حدّ ذهاب أحد البرلمانيين الجدد من فئة “التغييريين” إلى طرحٍ انقلابي على الأعراف، للأتيان برئيس للمجلس من خارج الطائفة الشيعية، من دون إدراك تبعات هكذا طروحات “فضائيّة” على أرض الواقع.
ميقاتي الأوفر حظًا
فور ترتيب برلمان 2022 لبيته الداخلي، لجهة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس واللجان، تتجه الأنظار إلى الإستشارات النيابية الملزمة، التي يُفترض أن يدعو إليها رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور، لتخلُصَ إلى تكليف شخصيّة سنيّة تأليف الحكومة الجديدة. في المسار الحكومي، سؤالان محوريان، الأول، من هي الشخصيّة التي ستتلقف كرة النار، وتتولى مهمة تأليف حكومة، لن يتجاوز عمرها الأشهر القليلة الفاصلة عن انتهاء ولاية الرئيس عون، في هذه الظروف المالية الحرجة، حيث تتفجّر الأزمة المعيشية دفعة واحدة، وتأخذ منحىً خطرًا مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية متجاوزًا سقف الثلاثين ألف ليرة، بحيث تُترجم في أزمة الرغيف ولهيب أسعار المحروقات، فضلًا عن الإتجاه لرفع أسعار الإتصالات والإنترنت، والفشل في استجرار الغاز من مصر وأزمة شح الدواء.
اسم الرئيس نجيب ميقاتي يتصدّر قائمة الأسماء المتداولة، لاسيّما وأنّ حكومته خلال عمرها القصير، نجحت بإجراء الانتخابات النيابيّة، رغم محاولات تطييرها والتشكيك بإجرائها، وتمكّنت حكومته من إقرار خطة التعافي، وإنجاز الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي. علمًا أنّها واجهت تعطيلًا لجلساتها على مدى ثلاثة أشهر متواصلة، من قبل “الثنائي الشيعي” بعدما أصرّ الوزراء المحسوبون عليه في 13 تشرين الأول 2021، على أن يتّخذ مجلس الوزراء قرارًا بتنحية المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بعد اتهامه بـ”تسييس” القضية، تحت طائلة تعطيل جلسات الحكومة، الأمر الذي واجهه ميقاتي بالتمسّك بعدم التدخل في القضاء، وبقي على موقفه رغم كلّ الضغوط “لن أتدخل في عمل العدالة، لقد أبلغت الجميع أنّني لن أتدخل في عمل قاضي التحقيق في محكمة العدل طارق بيطار”، إلى أن تراجع الثنائي عن موقفه في منتصف كانون الثاني، وعاد ليشارك في جلسات مجلس الوزراء. أداء ميقاتي يجعله الأوفر حظًا لتأليف حكومة، لكنّ الأمر بالنسبة إليه رهن معطيات عدّة، ولقد صدر عنه موقفٌ في هذا الشأن ردًا على سؤال “لن أقبل أن تُفرض عليّ أيّ شروط للبقاء في رئاسة الحكومة، بل أنا الذي يفرض الشروط”. اسم السفير السابق نواف سلام عاد ليطرح، في حين أنّ النائب أشرف ريفي طرح نفسه لترؤس الحكومة “إذا حظيت بالعدد الكافي لتكليفي، أنا أكيد جاهز ودون تردد نهائيًّا”، ترشيحٌ تجاهله حليفه بشكل كامل، أيّ “القوات اللبنانية”.
السؤال الثاني حول طبيعة الحكومة، سياسية أم تكنوقراط، وحدة وطنية تضم كلّ الفائزين في الإنتخابات بما فيهم قوى التغيير، أم حكومة أكثرية؟
الصراع حول الحكومة، لا يقل ضراوة عن ذاك الذي شهدناه خلال المعركة النيابية، خصوصًا أنّ الحكومة المقبلة ستتسلم صلاحيات الرئاسة الأولى بحال الفراغ الرئاسي المحتمل، وفقًا للمادة 63 من الدستور “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علّة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”. رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي استُبعد عن حكومات ما بعد 17 تشرين بالأصالة، واضطر تحت ضغط الشارع للاستعانة بوكلاء، سارع فور إعلان نتائج الإنتخابات النيابية إلى إقفال الباب على أيّ محاولة لتأليف حكومة اختصاصيين بالقول “خبرية التكنوقراط في الحكومة باي باي، فهناك شرعية شعبية يجب الاعتراف بها بغض النظر أين سنكون”، بطبيعة الحال سيقاتل باسيل ليحجز مكانة له في حكومة ما بعد الفراغ الرئاسي، فيما لو حصل، تقول مصادر مراقبة، من دون أن تستبعد العودة إلى نغمة حصّة التيار وحصّة رئيس الجمهورية، في الأشهر الأخيرة من العهد “وهو أمر سيعقد التأليف وينسف أي إمكانية لتأليف حكومة”. حزب الله الذي صار بحكومة اللون الواحد برئاسة حسان دياب عندما كان يمتلك الغالبية النيابية مع حلفائه، يريد اليوم حكومة وحدة وطنية بعدما خسر الأكثرية، على قاعدة “إذا لم تريدوا حكومة وطنية فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية، وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية” وفق ما ورد على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد من النبطية، بمناسبة الإحتفال بالفوز. بالمقابل أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رفضه حكومة وحدة وطنية.
الإشتراكي مع حكومة تكنوقراط
الحزب التقدمي الاشتراكي الذي عاد إلى المجلس النيابي “بيضة قبان” يرى رئيسه وليد جنبلاط أن تجربة التكنوقراط جيدة، وفي ظل الإصطفاف الذي بدأ يظهر بين من يحاول أن يفرض شراكة وطنية في الحكومة من جهة ومن يرفضها بالمطلق من جهة ثانية. يعمل جنبلاط على تأمين مخرج حكومي ملائم، وفق ما أوضحت مصادره لـ “لبنان 24″، عبر طرح حكومة تكنوقراط يرأسها ميقاتي أو من يشبهه.
قوى “التغيير” لم تبلور موقف واضح
شكل الحكومة مرتبط باتضاح صورة المجلس النيابي وتموضع الفائزين، لاسيّما المستقلّين منهم والمنضوين تحت مسمى “التغيير”، ومدى قدرتهم على تشكيل كتلة نيابية متجانسة، تأخذ موقفًا موحًّدا من القضايا المطروحة، وفي مقدمها تأليف الحكومة، ومدى تناغمهم مع الأحزاب الأخرى في المقاربة الحكومية. على ضوء ذلك سيتحدد ما إذا كان هناك من أكثرية برلمانية، أم أكثرية متحرّكة، ينفرط عقدها ويلتئم، وفقًا للملف المطروح “على القطعة”.
لا حكومة قبل الانتخابات الرئاسية؟
أبعد من ذلك كلّه، الجو الذي سرعان ما بدأ تردد في الأوساط السياسية فور اتضاح نتائج الإنتخابات، عن أن لا حكومة في لبنان قبل موعد الإنتخابات الرئاسية، وأن أمد تصريف الأعمال سيطول، مع ما يعنيه ذلك من تسريع لوتيرة الإنهيار وتفاقم لمعاناة اللبنانيين. وهو أيضًا ما عبر عنه مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل في مقال حول نتائج الانتخابات في لبنان في موقع “ويلسون سينتر” إذ اعتبر أنّ لبنان مُقبل على حالة من الشلل التام، ومما قاله إنّ ” المعارضة المسيحية القوية قد تطالب باستبعاد حزب الله من الحكومة كشرط لمشاركتها فيها أو التصويت على الثقة… يمكن لحزب الله وحلفائه مقاطعة التصويت على الثقة لأيّ حكومة يعتبرونها غير ممثلة مما يشل العملية برمتها”.
توصيف المسؤول الأميركي للحالة اللبنانية، والتجارب السابقة، تؤكد المؤكد في تركيبة لبنان الغريبة العجيبة “لا غالب ولا مغلوب بصرف النظر عن الفائز أو الخاسر في الإنتخابات”، فتواضعوا ووفّروا على الشعب المزيد من المعاناة، واذهبوا لتأليف حكومة لأنّ الإنتصار الحقيقي هو في إنقاذ لبنان من جهنم.