الأخلاق سبقت الأديان
بقلم: حسن العطار

 

الأخلاق هي منظومة قيم يعتبرها الناس بشكل عام جالبة للخير وطاردة للشر وفقا للفلسفة الليبرالية، وهي ما يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات، وقد قيل عنها إنها شكل من أشكال الوعي الإنساني. كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سندا قانونيا تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين. والأخلاق هي دراسة، حيث يقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات ومبادئ يمشي عليها، وأيضا واجبات تتم بداخلها أعماله. أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق، وجعله عنصرا مكيفا، أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية ومجردة. وتكون الأخلاق طاقما من المعتقدات أو المثاليات الموجهة، والتي تتخلل الفرد أو مجموعة من الناس في المجتمع. (ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).

 

من الاخطاء الشائعة في عصرنا الحالي الإيمان بأن الأديان هي مصادر الأخلاق وانها من أسس تلك القيم الأخلاقية. وهذا الخطأ الشائع يكاد يشمل جميع الأديان السماوية والأرضية دون استثناء. وهذا بالطبع خطأ محض، فالأخلاق وجدت قبل الأديان بألاف السنين، وستظل موجودة حتى لو لم تكن هناك أديان. ولو قدر للأديان ان تختفي من الارض فجأة فسوف تتمكن الشعوب من تطوير منظومات اخلاقية تضمن بها استمرار تحقيق المنفعة للإنسان بما يعزز من فرص سعادته ويقلل من فرص شقائه.

ما يؤكد ان الأخلاق سبقت كل الأديان، أنه في الحضارات القديمة ظهرت فلسفات وضعية تتحدث عن الخير والشر، والحق والعدل، والحلال والحرام، وهذه الحضارات أيضا عرفت التشريعات الوضعية التي تمثلت في القوانين والجزاءات والعقوبات وحقوق البشر. كل هذه القوانين الإنسانية كانت تضع موازين للأخلاق حتى يلتزم بها الانسان، وأصبحت هذه القوانين تمثل وجه العدالة والحق في المجتمعات قبل ظهور الأديان، ولكن هذه القوانين مع تطور الحياة واتساع العلاقات الإنسانية خضعت لمتغيرات كثيرة واصبح من الصعب ان تتوحد قواعد الأخلاق بين البشر جميعا.

 

يعتقد “ديكارت” أن الإنسان يمكنه – من خلال توظيفه للمعرفة – الوصول إلى الخير المطلق للإنسانية، ومن ثم تأسيس منظومة أخلاقية قابلة للتطور الدائم، فكلما اتسعت المعرفة زاد نطاق حرية الإرادة، وخطتِ البشرية خطوات طويلة في طريق الخير المطلق، ومن ثم يصبح المسار الأخلاقي للحرية أكثر وضوحا وبُعدا في الوقت ذاته عن سطوة أية أفكار تتخذ من الدين شعارا لها. وعليه، يمكن تحرير الأخلاق من دوائر الفكر الضيق القائم على اعتبار الأديان مصدرا وحيدا لها، وهو ما أدى إلى اختزال مبادئ الأخلاق في إطار ما ورد في كتب التراث، بل وفرض على منظومة القيم جمودا أبديا حين منعها من التجديد والتطور، مما يعنى احتكارا أيديولوجيا جائرا للأخلاق، أي أن الدين أصبح في جوهره مرادفا للأخلاق، وهو ما يؤدي إلى تهميش مهمة العقل الأخلاقية بتقديم نموذج صارم لأخلاق (تدعي انها ربانية مطلقة) يعتبر الجنوح عن أي منها خطيئة لا تغتفر.

 

وما يثبت ان الأديان وحدها لا تمثل الحل الأمثل لتهذيب النفس البشرية، هو ان البلدان التي تديرها حكومات تدعي التدين (بأي دين كان) ليست بأفضل حال، بل هي في الواقع في اسوأ حال، مقارنة بالمجتمعات المدنية والعلمانية والتي تقل فيها نسبة المتدينين وتزيد فيها نسبة المؤمنين بالعقل والمنطق والخلق الإنساني. ويستطيع القارئ العودة الى الاحصائيات العالمية التي تصدر كل عام ليقارن بين حال الدول المؤمنة (سواء مسيحية او مسلمة او مؤمنة بأي دين اخر) وبين حال الدول العلمانية، ليجد الفارق الشاسع في مستوى الاخلاق كالصدق والأمانة والنظام واحترام القانون وصيانة حقوق الانسان، حيث دائما ما تكون الدول المتدينة في ذيل القائمة بينما تتصدرها الدول العلمانية المدنية.

 

وفي المقابل، إذا كان الدين هو المصدر الوحيد للأخلاق، وباعتبار أن الشرق الأوسط هو المكان الذي نشأت فيه الأديان السماوية، وشعوبه من أكثر شعوب العالم تدينا على الأقل في الظاهر، فكيف نفسر انتشار السلوكيات غير الأخلاقية مثل الكذب والنفاق والرشوة والفساد المالي والإداري، والتحرش الجنسي بالنساء والأطفال، والعنف ضد المرأة والطفل على نطاق واسع في مجتمعاتنا؟

الأخلاق سبقت الأديان، هي إنسانية قبل ان تكون تعاليم دينية، والمجتمعات البشرية قد تعيش بلا دين ولكنها لا تستطيع العيش بلا أخلاق. قال الرسول (ص): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. والمعنى أنه كانت هناك منظومة أخلاقية قبل الإسلام، وجاء الدين الإسلامي لإكمال وإتمام هذه المنظومة الأخلاقية.

 

المفروض أن لا نحصر الأخلاق بالأديان حتى نستطيع العيش مع بعضنا البعض في انسجام وسلام.

“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. أمير الشعراء أحمد شوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى