ما هكذا تُبنى الدولة يا سيادة اللواء
بقلم: ايناس كريمة
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
بعد تبلوُر نتائج الانتخابات النيابية واعلان نسبة الاقتراع للعلن وكيفية توزيع الاصوات وانتهاء الكباش الاعلامي حول الفائزين وعدد اعضاء هذه الكتلة او تلك، بات يمكن الحديث عن وقائع ما بعد الانتخابات وكيفية ادارة القوى المستجدة للواقع الحالي المنهار وللحياة السياسية عموماً في لبنان.
وعلى هامش نتائج الانتخابات النيابية تبرز اليوم في الساحة اللبنانية بعض الوجوه السياسية التي بدأت رحلة البحث عن الزعامة منذ العام 2017، وسعت في الآونة الاخيرة لوراثة الرئيس سعد الحريري في الطائفة السنّية عبر حلفاء مهّدوا لنهاية “الحريرية السياسية” والتي كان الحريري قد أسقطها قسراً من تحت عباءته بعد أن جنحت عن السّرب وأعلنت المواجهة جهارة لأداء الحريري وتحالفاته ونهجه، علماً أن نتائج الانتخابات النيابية أظهرت أن كلّ من حاول التسلّق على اكتاف “الحريرية” جرّ ذيول خيبته مع صدور النتائج التي أثبتت أن جمهور “المستقبل” غير المقاطع، منح صوته لقوى “الثورة” عموماً في عملية اعتبرها البعض ثأراً ممّن حاولوا الاطاحة بالحريري.
ولعلّ تصريحات المدير العام السابق لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي العالية السقف والتي يبدو أنه قرّر تكثيفها بعد اعلان انتصاره الشعبي وحلفائه في لبنان، تعيد رفع مستوى التصعيد السياسي، غير أن ريفي بدا من خلال لقاءاته الاعلامية متحدّثاً باسم طائفة بأكملها للإيحاء بأن الثقة السنّية أُعطيت له، رغم أن الارقام في دائرة الشمال الثانية تثبت أن واقعه كان أقل من عادي في حين أن لوائح أخرى منافسة تقاسمت الاصوات السنّية في الدائرة.
وفي وسط دوّامة الهموم المعيشية والحياتية التي يعاني منها اللبنانيون ومفاجأة سحب وزير الطاقة وليد فياض المحسوب على “التيار الوطني الحر” ملفّي الكهرباء عن جلسة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاخيرة متذرعاً بحجج غير مقنعة للرأي العام من جهة اخرى، ما من شأنه أن يحرم المواطنين من تأمين الكهرباء مع حلول فصل الصيف، خرج “اللواء” في مقابلة متلفزة ليتوقّع حدوث اغتيالات في لبنان، وكأن الشعب لا ينقصه سوى هواجس التفلّت الامني المطلق “حتى تكمل معو”، وهذه ليست المرة الاولى التي يعبّر فيها ريفي أو نواب من “حزب القوات اللبنانية”،حليفه اللصيق، عن مخاوفهم من موضوع الاغتيالات.
فهل هذه “التنبؤات” مبنية على معلومات امنية جدية أم انها مجرّد استعراضات لزوم المواجهة؟ في كلتا الحالتين، فإن هذه التصريحات في حال ارتكزت على معلومات دقيقة يجب تسليمها بأمانة للجهات المختصة، وأما لو كانت مجرّد “خضات” اعلامية فنحن أمام عملية نقل للاشتباك السياسي الى مستوى خطير جداً وبمعنى اوضح تحريضي الى حدّ كبير.
يحاول ريفي ومعه “القوات اللبنانية” إظهار أن السنّة كانوا الى جانبهم في الانتخابات النيابية الاخيرة، وهذا الامر هو بلا شك مجافٍ للحقيقة اولاً ويورّط الطائفة ثانياً في اشتباكات سياسية هي بغنى عنها في ظل الواقع المعيشي والاقتصادي الذي يتصدّر اولى هموم الشارع السنّي كما باقي الشوارع في لبنان. لذلك فإن خوض المعركة السياسية باسم الطائفة السنّية قد لا يبدو مباحاً في هذه المرحلة بالذات، الا ان الاخطر هو المنطق “التغييري” الذي يحاول ريفي التسويق له، وبعيداً عن أن الرجل كان من أحد أهم أركان السلطة العميقة في لبنان خلال سنوات طويلة، فإن خطابه شديد اللهجة المترافق مع اعتبار الفراغ افضل الف مرة من حكومة وحدة وطنية قد يؤدي بشكل او بآخر الى تسريع الانهيار وتفجير الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد.
والأخطر من كل ما تقدّم، هو أن ريفي الذي يحاول اخذ الساحة اللبنانية الى مكان لا يشبه النظام التوافقي ويهدد السلم الاهلي، بات يصوّب على كل الشخصيات التي كانت محطّة أساسية لطاولات الحوار وعمليات التفاهم والتقاء اطراف داخلية متنازعة، سواء رئيس مجلس النواب نبيه بري او رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لا يبدو راغباً في خوض معركة التمسّك بموقعه في المرحلة المقبلة. فهل يبدأ الفكر “التغييري” الذي يتبناه ريفي آملاً أن يحجز مقعده “السيادي” في المشهد السياسي المقبل بحرب إقصاء؟
والسؤال الاهم، هو أنّه كيف لـ “تغييري” أن يجرّ البلاد الى فراغ بدلاً من الاصلاح السياسي والمؤسساتي بهدف الانقاذ، بل كيف يمكن لمن يريد التفرّد بتمثيل الطائفة السنّية والهيمنة على قرارها ان يفتتح مشروعه بمعارك طاحنة ضدّ مكونات سياسية وطائفية ومذهبية اساسية وبإعادة إحياء جبهات القوى المتناحرة؟ ما هكذا تُبنى الدولة السيدة والمستقلة يا “سيادة اللواء” علماً أن السيادة لا يمكن أن تكون انتقائية!