الحريري و”المستقبل” والمجهول ثالثهما
النشرة الدولية
نداء الوطن –
معارضاً قرار الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية، استقال نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش من مهامه الحزبية وترشح الى الانتخابات لكنه لم يتمكن من الفوز. مع فارق الاسباب تقدم نائب الرئيس الثاني الوزير السابق جان اوغاسبيان باستقالته أمس الاول فيما النائب الثالث غازي يوسف لا أثر له في الحياة السياسية ومثله بات الامين العام احمد الحريري الموجود في أميركا، أما العمة بهية الحريري فآثرت التنحي جانباً يوم الانتخابات تجنباً للضغوط وعادت صبيحة إعلان النتائج.
باستقالة اوغاسبيان يكون الحريري قد فقد واحداً من الرعيل القديم، عايش زمن رفيق الحريري واستمرّ الى جانبه. حاول فور تعيينه الشروع بممارسة مهام تنظيمية داخل المستقبل لم يشأ لها القدر أن تستمرّ وتتفاعل. غياب الحريري المتواصل وانقطاعه عن المتابعة وضَعَ المستقبليين في حالة ضياع بلغت ذروتها مع قراره تعليق مشاركته في الحياة السياسية طالباً من محازبي تياره الاستقالة في حال قرّروا خوض المعركة بالترشح للانتخابات. وجرياً على عادته أصدر الحريري قراره من دون نقاش مسبق ولو مع مكتبه السياسي ما وضع هؤلاء في وضع محرج أمام جمهور المستقبل. وطوال فترة وجوده في الخارج انقطع التواصل معه. كان يتتبّع هؤلاء أخباره بالتواتر وعبر وسائل الاعلام.
كانت الانتخابات المحطة التي ظهرت فيها الخلافات الى العلن. كثر اعترضوا على قرار الحريري وغالطوه وصمّموا على المضي في خوض المعركة بعد التقدم باستقالاتهم. بعضهم ممّن لم يحالفهم الحظ وآخرون حجزوا لهم مقاعد في البرلمان بعدما صار الحريري خارجه. بقساوة يقارب الحريريون القدامى تجربة الحريري الابن الذي لم يعرف كيف يخوض معركته السياسية فأصيب بخيبات متتالية. بعضاً من المسؤولية يحمّلها هؤلاء الى حلقة المقربين منه الذين كانوا سبباً في سوء خياراته ورغم ذلك لا يزال يتأثر بآرائهم.
يعيش تيار المستقبل تخبطاً كحالة وجودية او استمرارية للمراحل المقبلة. يرتبط تفاعل كوادره بعوامل عدة تتعلق بانعدام التواصل بين القيادة والقاعدة الشعبية، ما تسبب بحركة انفضاض على كل المستويات. وجاءت الانتخابات النيابية لتزيد طينة الخلافات الداخلية بلّة. تقدم العشرات باستقالاتهم من كوادر التيار العليا والوسطية بسبب قرار الحريري تعليق مشاركته في الانتخابات النيابية وتخيير المستقبليين بين الالتزام بالمقاطعة او الاستقالة. فضل نائب رئيس التيار مصطفى علوش الاستقالة ومثله فعل يوسف النقيب رئيس الماكينة الانتخابية في صيدا، وبلال الحشيمي مسؤول الارض في البقاع، والعميد محمود الجمل عضو الامانة العامة ومسؤول الارض في بيروت، وهيثم المبيض، وراشد فايد، واحمد القيسي (ابو خالد) وآخرون. ويبدي المستقبليون امتعاضاً من إخراجهم من دائرة الرأي والمشورة والاكتفاء بحلقة ضيقة لم تتفاعل مع الأطر التنظيمية، وبقيت ضمن الأطر السياسية العامة أي انها كانت أحادية التفاعل مع القيادة وبعيدة عن القاعدة التنظيمية.
كثيرون في الوسط السني وخارجه يتجنبون الخوض في مستقبل الحريري وتياره خشية القسوة على الزعيم الذي لم يحسن إدارة لعبته السياسية بنجاح فكانت الكلفة باهظة عليه سياسياً ومالياً وبدرجة أخف شعبياً بالنظر الى رصيد والده والى موقعه كشخصية محببة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين. وابعد من ذلك قد تجد في لبنان من له واسع عتب على المملكة السعودية التي كانت مفتاحاً للحريرية السياسية في لبنان قبل ان تقفل الباب وترمي مفتاحه في المجهول.
بعد الانتخابات النيابية، اعتبرت المشاركة الملحوظة للسنة في الانتخابات خروجاً على قرار الحريري ورغبته ولو لأسباب متصلة بالعلاقات العائلية والصداقات وغيرها. وبحكم الطبيعة فان مستقبل التيار من مستقبل رئيسه حكماً. وطالما الحريري غائب عن الحياة السياسية فلا وجود للمستقبل أيضاً. هل انتهى التيار بنهاية زعيمه؟
منذ نشأته قام تيار المستقبل على عوامل ثلاثة:
«شخصية رفيق الحريري التي خلقت عصباً سنياً بعد مرحلة من الاحباط السني اعقبت رحيل جمال عبد الناصر واستشهاد المفتي حسن خالد. استجمع الحريري الاب الجو السني وعبر عن الحساسية السنية السعودية وكان الزعيم والمرجعية، يأتي بعد ذلك عاملا الامبراطورية المالية والعلاقات العربية والدولية التي ورثها سعد الحريري عن والده.
اسشتهد رفيق الحريري، وراح المال وتراجعت العلاقات الدولية والفرنسية منها على وجه الخصوص كما العلاقات العربية فيما بات الحريري خارج حسابات السعودية. قام مشروع الحريري الاب على الطائف وحتى هذا الاتفاق انتهى ولم يعد مفعوله كما ذي قبل. واستنهاض العصبية السنية انتهى. فماذا بقي للمستقبل وزعيمه واين رموزه الاساسيون؟
من الانتخابات خرج السنيورة خاسراً بعدما خسر علاقته بالحريري، فهل يمكن للمستقبل ان يتمثل بالنائب البعريني او محمد سليمان او نبيل بدر ووضاح صادق الذي كان معلقاً رياضياً في تلفزيون المستقبل؟
كان أغلب الظن أن الحريري سيعود بعد الانتخابات وبعد زيارة قام بها الى واشنطن على أمل عقد لقاءات مع مسؤولين اميركيين لكنه عاد خالي الوفاض وتوجه الى فرنسا ومنها سيعود أدراجه الى الامارات حيث إقامته النهائية.
في اجتماعاته قال المساعد الاول للحريري احمد هاشمية عن مرحلة الانتخابات وما شهدته «التيار غربل نفسه» واعداً بعقد مؤتمر في تشرين الاول المقبل لاستنهاض المستقبل وهو ما اعتبر بمثابة شد عصب الجمهور لسبب بسيط يسلم به عارفو الحريري وحقيقة وضعه ان مستقبل التيار مرهون بمستقبل رئيسه. كلاهما يحتفظان بوجودهما في الوجدان السني واللبناني لولا ان الطبيعة لا تحب الفراغ بدليل تجربة الانتخابات ونتائجها.