كيف سيرغم “قانون قيصر” سوريا و”حزب الله” على التقيد بالشروط؟* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
تضيق حلقات الخناق على النظام السوري مع اقتراب موعد سريان “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019″، الذي يبدأ العمل به مطلع يونيو (حزيران) المقبل. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد وقّع على هذا القانون في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2019، ضمن إقراره الموازنة الدفاعية الأميركية المُقدّر إنفاقها بـ 738 مليار دولار.
“قانون قيصر”
وأُخذ اسم “مشروع قيصر” من اسم مستعار لمصور سوري منشقّ من الشرطة السورية يُدعى “قيصر”، هرّب أكثر من 50 ألف صورة لضحايا التعذيب، ووثّق الوفيات في السجون من عام 2011 إلى حين انشقاقه عام 2013. ووافق على القانون الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي، ما يعتبر مفارقة. وينصّ القانون على معاقبة النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ومعاونيه مالياً، طالما أن نظامه يرتكب جرائم حرب ضد شعبه. ويستهدف القانون أيضاً الشركات وكذلك الأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للأسد، كما يستهدف عدداً من الصناعات السورية ومؤسسات إيرانية وروسية عدّة دعمت وتدعم النظام، وذلك بعد الثورة السورية في مارس (آذار) من عام 2011.
الجدير ذكره أن هذ القانون هو نسخة عن قانون منع التمويل الدولي لحزب الله “هيفبا1″ 2015 و”هيفبا 2” 2017.
تاريخ العقوبات على الدولة السورية
“قانون قيصر” ليس الأول في تاريخ العقوبات على سوريا، إذ بدأت العقوبات بعد تصنيفها من قبل الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب عام 1979، ثم عقوبات 2004 بعد الغزو الأميركي للعراق ودخول قانون “محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية” حيّز التنفيذ، من ثم فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية عقوبات أوسع بعد عام 2011.
ترقب في الداخل السوري
كيف تستقبل سوريا على الصعيدَيْن السياسي والاقتصادي هذا القانون؟ وما هي التداعيات على المستوى الاجتماعي؟ وهل من تنازلات قد تقدمها إلى المجتمع الدولي؟
سؤال يجيب عنه عضو مجلس الشعب السوري أحمد مرعي، الذي يرى أن بلاده “قد انتقلت إلى مرحلة مختلفة من الحرب عليها، إذ تدرّجت من مشروع إسقاط الدولة أو ما يُسمّى بالنظام، إلى تغيير طبيعته. واليوم جرى تخطّي المرحلتين، وصولاً إلى خنق الدولة عبر الذراع الاقتصادية”.
وفي حديث لـ “اندبندنت عربية”، يربط مرعي بين ما يحصل في لبنان وما يجري في سوريا، “خصوصاً الضغط الأميركي لإغلاق المعابر غير الشرعية، والمصطلح الذي يستخدمونه ضبط المعابر الرسمية، أي المصنع والعبودية والقاع…إلخ”. ويقول حتى في إطار المفاوضات اللبنانية التي تجري مع صندوق النقد الدولي، هذا الأمر مرتبط بأن لا تستفيد دمشق من أي عملية دعم لبيروت، على الصعيد الاقتصادي أو تزويدها بالدولار”.
وفي سؤال حول وقع تطبيق هذا القانون على الشعب السوري، يذكر أنهم يترقبون تنفيذ “قانون قيصر”، “ومما لا شكّ فيه أن تداعياته ستكون كبيرة على الشعب الذي يعاني منذ سنوات طويلة من هذه الحرب، وقد ارتفع مستوى الجرعة الآن بعملية خنقه مع العقوبات الاقتصادية السابقة ودخول قانون قيصر حيّز التنفيذ”.
الاستحقاق الرئاسي السوري
يعتقد مرعي، “أنه لن تكون هناك تنازلات، ذلك أن من صمد على مدى عشر سنوات من بدء هذه الحرب، لن يقدم تنازلات تؤدي إلى إنهائه بشكل كبير. ربما قد يدفع إلى التواصل للتخفيف من حدّة العقوبات، في إطار المفاوضات الروسية والإيرانية والتركية باعتبارها الضامن عبر مؤتمر “أستانة”، كما وجود الخط الساخن ما بين روسيا والولايات المتحدة. إذاً يأتي توقيت هذه العقوبات وسيلة ضغط للحصول على تنازلات، ومرتبطاً بالاستحقاق الرئاسي الذي سيجري العام المقبل 2021”.
من وجهة نظر مرعي، هناك رابط بين ما يحصل في لبنان وما يحصل في سوريا بحكم الجغرافيا، إضافةً إلى أن المحور المستهدف هو محور واحد، بالتالي الهدف هو تجييش الرأي العام المحلي البلدين وبشكل خاص في سوريا، كي يصل المواطنون إلى مرحلة يعتبرون فيها أن الدولة غير قادرة على تأمين حاجاتهم الأساسية، “بالتالي أصبحت الدولة واهنة وضعيفة وغير قادرة على تسلّم زمام الحكم. هذا هو الهدف الأميركي بالدرجة الأولى، ما يحصل اليوم في سوريا من ضغط وارتفاع للأسعار وسعر الدولار كالذي يحصل في لبنان” طبقا لمرعي.
ويؤكد أن “بقاء النظام لم يعُد مرتبطاً بقرار محلي، بل بات جزءًا من منظومة إقليمية ودولية وقرار على مستوى دولي، الروسي والأميركي مشاركان أساسيان فيه”. ويستدرك مرعي “الأمور حتى هذه اللحظة جيدة وممتازة والدولة ما زالت متماسكة، لكن يظلّ العامل الاقتصادي عاملاً مؤثراً جداً”.
منطقة شتورا كمنصة دولارية
في سياق متصل، شهدت منطقة شتورا البقاعية القريبة من الحدود السورية، ازدحاماً واضحاً، حين وصل تجار العملة السوريين بأعداد كبيرة، وفقاً لأحد الصرافين في تلك المنطقة، وقد يكون الأمر مرتبطاً بحلول عيد الفطر، لكن منذ مدة تعيش هذه المنطقة تهافتاً من قبل السوريين على الدولار.
أما كيف تجري العمليات، علماً أن كل محال الصيرفة ما زالت مقفلة في البقاع، يقول، إنه “يجري الاتفاق بين التاجر والصراف على مكان لقاء معين، قد يكون مطعماً أو قهوة أو غرفة خلفية لمكتب، وأحياناً داخل السيارات”. ويضيف أن السلطات اللبنانية “تصبّ غضبها” على الصراف الضعيف وتتّهمه بالتلاعب بسعر صرف الدولار، “والأجدى بها ضخّ دولارات في الأسواق لتثبيت السعر، فتُحلّ الأزمة تلقائياً”. وعن سبب بوادر ارتفاع سعر الدولار في تلك المنطقة بالذات في كل مرة يرتفع سعره، يوضح أن قرب المنطقة من الحدود السورية وخضوع السعر لمبدأ العرض والطلب قد يكونان مسؤولَيْن عن ذلك”.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قد أعلن في مؤتمره الأخير في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي إطلاق منصة تسعير، يُفترض بها أن تضخّ الدولار في السوق وتتحكّم بأسعار العملات، ولكنه ولأسباب غير معروفة لم يتمكّن من ذلك، ومن ثم عاد وأعلن موعداً جديداً في 27 مايو (أيار) الحالي. وتقول مصادر مواكبة أن السبب التقني يتعلّق بعدم القدرة على ربط كل الصرّافين بشبكة وشاشات موحدّة، الأمر الذي يسمح لمصرف لبنان بمراقبة عمليات الصيرفة. ولكن هناك سبباً سياسياً أساسياً وهو تخوّف سلامة من أن أي عمليات ضخّ قد تقابلها حركة سحب سريع للدولار، بحيث يُحوَّل إلى سوريا، ولهذا علاقة بموعد تطبيق “قانون قيصر”. ويضيف المصدر “أن بدء امتصاص الدولار من السوق ليس جديداً وكان بدأ في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي 2019”.
كما أفادت الأنباء الواردة من سوريا بأنّ سعر صرف الدولار قد وصل في السوق السوداء إلى 2100 و2200 ليرة سورية، في أسرع ارتفاع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أي بدء أزمة الدولار في لبنان.
المفاوضات مع صندوق النقد
يأتي كل هذا بالتزامن مع مفاوضات الحكومة في بيروت مع صندوق النقد الدولي ومناقشة مجلس الأمن لقرار 1701، حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح “حزب الله”، محذّراً من مخاطر تدخّله في سوريا، وذلك في بداية مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار 1701 في جلسة مغلقة. وجاء الحديث عن تعديل دور قوات الطوارئ الدولية ومهماتها وصلاحياتها، ليصبح لديها نفوذ على الحدود الشرقية، بالتالي مراقبة المعابر غير الشرعية، بوصفها باباً للفساد وهدراً للمال العام.
معادلة “حزب الله”
في هذا الخصوص، حدّد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، موقفه الواضح والصريح قائلاً، “الحديث من الآن عن قوات أمم متحدة على الحدود اللبنانية السورية أمر لا يمكن أن يقبل به على الإطلاق”. ولخّص حلول هذا الملف بوجوب التنسيق مع دمشق.
فهل يستطيع الحزب التفلّت من تبعات “قانون قيصر” كما تفلّتَ من العقوبات الأميركية؟ وهل صحيح ما يُحكى في الكواليس عن نزع سلاح الحزب تطبيقاً لشروط صندوق النقد، وما هي فوائد الذهاب والتنسيق مع سوريا الآن؟
يقول وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود لـ “اندبندنت عربية”، إنه “في القانون الدولي، يُعتبر قانون قيصر تشريعاً أميركياً لا دولياً، ولكن مع ذلك، فإنّ تأثيره عابر للحدود لأنه ينطوي على تدابير مالية واقتصادية عقابية، بل على عقوبات على الأفراد والمجموعات في حال مشاركتهم في جرائم حرب بسوريا، كما يسمّيها القانون المذكور. حتى إنّ نطاق تطبيقه يشمل التعامل في مجالات النفط والغاز وقطع تبديل الطائرات والمشاريع المنفَّذة لصالح الحكومة. ويلحظ قانون قيصر أيضاً إمكان إدراج أشخاص على قائمة العقوبات الأميركية. وبذلك، لا يختلف الموضوع كثيراً عن تشريعات سابقة فرضت عقوبات على دول ومؤسسات وأفراد، فيما يبقى موضوع التفلّت منه أو عدمه، رهناً بمدى إمكان تطبيقه إجرائياً ومدى تأثير العقوبات عملياً، في حال فُرضت”.
الاستراتيجية الدفاعية
أما عن موضوع سلاح “حزب الله”، “فهو مطروح منذ زمن وتختلف مقاربته لبنانياً عن أية مقاربة أخرى. ولا ننسى جلسات الحوار التي عُقدت في المجلس النيابي بدايةً ثم في القصر الجمهوري والكلام عن استراتيجية دفاعية للبنان، ربطاً باستمرار احتلال جزء من أراضيه في شبعا ومزارع كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر. بطبيعة الحال، يتّخذ السلاح طابعاً مختلفاً عندما يرتبط بحق المقاومة المشروع ويتحوّل إلى سبب للسجال عندما يبتعد عن هذا الحق. أما أن يتم ربط مساعدة صندوق النقد الدولي بنزع السلاح، فكأنه يعني إجهاض المساعدة الدولية للبنان في محنته الاقتصادية، بل المعيشية الضاغطة، تماماً كما الربط في موضوع التهريب عبر الحدود لأن التهريب ينبغي أن يكون مرفوضاً ويجب أن تكافحه الدولة في المطلق، حرصاً على سيادتها وتطبيقاً لقوانينها وحمايةً لاقتصادها الذي يخسر مليارات الدولارات سنوياً بسبب التهرّب الجمركي والضريبي”.
التنسيق مع سوريا
وفي ما يتعلّق بالدعوة إلى التنسيق مع سوريا في هذا الوقت بالذات، يشير بارود إلى أنه “وبحسب القانون الدولي، لبنان ليس في حالة عداء مع جارته، بمعزل عن الموقف المنقسم في بيروت حول النظام. من المعلوم أن التواصل السياسي الرسمي شبه معدوم ولكن في الموضوع الاقتصادي الشرعي عبر الترانزيت والتبادل التجاري، الأمر مختلف. ولبنان الذي يرزح تحت عبء اقتصادي غير مسبوق، هو بلد يتشارك حدوداً من 375 كلم مع سوريا وحدوداً مغلقة مع الأراضي المحتلة وحدوداً بحرية. بالتالي، لا يستطيع لبنان أن ينغلق على ذاته كلياً إرضاء لأي كان، إلّا ضمن حدود مصالحه الوطنية العليا، وهذه المصالح من المفترض أن تحدّدها حكومة لبنان ووزارة خارجيته، فتختار التعاطي المسؤول إزاء كل طلب تعاون. وللتذكير، فقد اعتمدت البلاد خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عزّ الأزمة السورية مبدأ النأي بالنفس، لأن هذا البلد الصغير لا يستطيع أن يكون شريكاً في لعبة المحاور”.
أما الكاتب والمحلل السياسي، القريب من “حزب الله” قاسم قصير، فيقول إن “الحزب ليس معنياً بشكل مباشر بقانون قيصر وهو في الأساس معرّض للعقوبات الأميركية، كما أن ليست لديه شركات مباشرة تعمل في سوريا، لذا لن يؤثر القانون فيه”.
ويضيف، “أما عن موضوع نزع سلاحه، فليس مطروحاً للبحث حالياً لا من قبل صندوق النقد الدولي ولا من قبل الحكومة اللبنانية. كانت هناك دعوة إلى عقد طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية ولكن الأوضاع الاقتصادية والتحركات الشعبية وأزمة كورونا، أجّلت ذلك”.
ويرى قاسم، “أن العلاقات بين لبنان وسوريا ضرورية لأن هناك ملفات عدّة قيد البحث، منها المعابر غير الشرعية والنازحين السوريين وتسهيل التصدير. وسوريا هي مفتاح لبنان إلى العالم العربي. وبغض النظر عن قانون قيصر، هناك حاجة أساسية لأن تنسّق بيروت مع دمشق”.
“اندبندنت عربية”