إيكونوميست: ما تأثير أزمة “كورونا” على صناعة الأدوية؟

النشرة الدولية –

على مدار العقدين الماضيين، انحسر دور صناعة الأدوية إلى حد ما، كما أن الرأي العام والساسة انتقدوا مراراً مسؤولي هذه الصناعة نتيجة ارتفاع أسعار العقاقير وإهمال مشكلات الصحة عالمياً.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انتقد المستثمرون صناعة الأدوية – رغم تحقيقها لأرباح كبيرة – لإهمالهم أنشطة البحث العلمي وضعف الإبداع والتحول إلى مجرد شركات تقليدية تبحث عن مجرد الربح بما لديها.

يخشى المستثمرون كذلك من تزايد الضغوط على الصناعة مما يدفع الحكومات بضغط من الرأي العام لإعادة تنظيم  شركات الأدوية أو حتى إعادة هيكلة منظومة الإبداع التي تعطي هذه الشركات احتكاراً حتى ولو كان مؤقتا على بعض الأدوية.

نتيجة لذلك، وقبل خمس سنوات من ظهور أزمة فيروس “كورونا”، تخلف ركب صناعة الأدوية عن القطاعات الأخرى على مؤشر “S&P 500” في الولايات المتحدة.

لكن جائحة “كورونا”  ذكرت العالم بمدى أهمية الإبداع الذي يعد من أبرز مواطن القوة في صناعة الأدوية، وهو ما وجه إليها الأنظار في  ظل الأزمة الحالية.

تعمل العديد من شركات الأدوية والمستحضرات الطبية الكبرى مثل “جونسون أند جونسون” و”سانوفي” على تطوير لقاحات وعلاجات لفيروس “كورونا”، كما تعمل الشركات الصغيرة أيضاً.

في وقت سابق خلال مايو، أعلنت “موديرنا” الأمريكية للتكنولوجيا الحيوية نتائج أولية مبشرة للقاح واعد تعمل على تطويره – رغم تساؤلات من علماء عن مدى فاعلية هذه النتائج والاعتماد عليها.

تعكف “أسترازينيكا” البريطانية التي تستثمر بكثافة في التطوير والبحث على لقاح للوقاية من الفيروس التاجي بالتعاون مع علماء في جامعة “أكسفورد” وبتمويل قدره مليار دولار من الحكومة الأمريكية.

قبل ظهور الفيروس، بدأت صناعة الأدوية بالفعل الاستثمار بشكل مكثف في البحث والتطوير والإبداع، وظهر ذلك في ارتفاع استثمارات أكبر 30 شركة دوائية أمريكية في البحث والتطوير بنسبة 6% خلال الربع الأول.

على ما يبدو، عاد نجم صناعة الأدوية للتوهج، فقد انتعشت أنشطة البحث والتطوير والإبداع، كما بدأ المستثمرون يضخون أموالا بكثافة كي تكون لكل شركة السبق في اكتشاف وتطوير علاج ليس فقط لـ”كورونا” بل لأمراض أخرى.

مع انتشار فيروس “كورونا” ووفاة مئات الآلاف وإصابة الملايين حول العالم بالمرض، تحاول كل دولة إنهاء الأزمة في أسرع وقت ممكن ووقف نزيف الخسائر الاقتصادية وإنقاذ الأرواح.

على أثر ذلك، نجمت مشكلة أخلاقية وسياسية وانتشرت الأنانية بين بعض الدول والحكومات، وتحاول البعض منها وضع أيديها على أول لقاح أو علاج للفيروس التاجي كي تعالج وتقي شعبها واعتباره أولوية ومفضل على الآخرين.

تعرضت “سانوفي” الفرنسية لانتقادات وهجوم شديد محليا ودوليا بعد تصريحات أحد مسؤوليها بأن الولايات المتحدة سيكون لها الأولوية في الحصول على اللقاح – الذي تعمل على ابتكاره – نظرا لمساهمتها في تمويل الأبحاث والتطوير.

صرح رئيس “سانوفي” “بول هدسون” بشكل واضح بأن الحكومة الأمريكية استثمرت بكثافة في جهود أبحاث الشركة، وبالتالي، ستحصل هي أولاً على اللقاح.

انفجر الساسة الفرنسيون في وجه “سانوفي” وبلغ الأمر إطلاق الرئيس “إيمانويل ماكرون” نفسه انتقادات ضد “هدسون” والشركة، وتزايدت الضغوط من أجل إعادة هيكلة منظومة الابتكار والإبداع.

رفع مسؤولون في منظمة الصحة العالمية عريضة إلى بعض الدول والحكومات طالبوا من خلالها بإعادة هيكلة منظومة الإبداع والابتكار في صناعة الأدوية والتأكيد على عدم وجود حقوق ملكية فكرية تعتري أي لقاح فعال ضد “كورونا” وإتاحته للجميع بشكل عادل.

أثارت تصريحات رئيس “سانوفي” المخاوف من الناحية الأخلاقية، فقد أصبح الأمر يشبه الأنانية.. من يدفع ويستثمر يحصل على اللقاح أولا.. إذن ماذا عن الدول الفقيرة التي تعاني شعوبها من الفيروس التاجي؟

ربما يستغرق الأمر عدة سنوات لمنح العالم أجمع مصلاً للوقاية من فيروس “كورونا”، لكن التعاون المشترك سوف يحقق أعظم الفوائد.

من الضروري أيضاً حماية منظومة الابتكار وتقديم الحوافز لضخ استثمارات جديدة في صناعة الأدوية، لا مجرد الاستثمار من أجل الحصول على مكاسب لدولة ما دون غيرها.

أكدت العديد من شركات الأدوية أنها ستتيح أي لقاحات تنجح في تطويرها أمام الجميع بشكل عادل وبتكلفة في المتناول، لكن لا تزال هناك حاجة لتدخل تنظيمي لتسعير العلاجات واللقاحات أو منحها مجانا للشعوب الفقيرة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى