السودان ترفع الأجور 500% للعاملين بالدولة للمرة الأولى منذ عام 2013
النشرة الدولية –
نفذت الحكومة السودانية زيادات ضخمة في أجور العاملين بالدولة بلغت نسبتها أكثر من 500 في المئة، ارتفع فيها الحد الأدنى للأجور من 425 جنيهاً في الشهر إلى ثلاثة آلاف جنيه دفعة واحدة (نحو 55 دولاراً)، ما خلق ارتياحاً كبيراً لدى أوساط العاملين الذين تسلموا الزيادة في نهاية شهر مايو (أيار) الحالي، بفرح غامر واحتفاء كبير، غالبت الكثيرين منهم دموع الفرحة، خصوصاً من فئة المعلمين، مستشعرين الظلم الواقع عليهم طوال سنوات طويلة مضت منذ عام 2013، لم تكن فيها الرواتب تغطي سبعة في المئة من حاجاتهم المعيشية في ظل ارتفاع متصاعد لأسعار السلع الاستهلاكية، ومعدلات التضخم.
وأثارت الزيادات جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والاقتصادية، من ناحية أثرها المتوقع على الاقتصاد الكُلي، وسط تخوف من أن يبتلعها غول السوق ونيران الأسعار التي بدأت بالاشتعال بشكل كبير، في ظل الموازنة العامة للدولة لعام 2020، التي أقرت رفع الدعم السلعي وتعويم سعر الصرف، وتعوّل بشكل ملحوظ على العون الخارجي المتوقع من أصدقاء السودان في تمويل أنشطتها.
ودافع وزير المالية والاقتصاد السوداني إبراهيم البدوي، عن تنفيذ هيكل الرواتب الجديد للعاملين في الدولة، معتبراً أنه يأتي في سياق أدوات معالجة الكساد الاقتصادي التي ظهرت ملامحه عقب جائحة كورونا، وستسهم في تحريك الاقتصاد وتخفيف حدة التضخم الناتج من زيادة الكتلة النقدية بصورة مضاعفة منذ عام 2016، موضحاً أن نسبة الزيادة بلغت 569 في المئة كمتوسط ما بين درجات السلّم الوظيفي، وتمثل منعطفاً هاماً في تاريخ الخدمة المدنية ترقيةً للأداء الوظيفي للعاملين بالدولة.
وكشف الوزير عن استحداث موارد حقيقية لتمويل تكلفة المرتبات وتغطية عجز الموازنة، من خلال الصندوق السيادي المقترح لإدارة الأموال والأصول المستردة والمصادرة من رموز نظام الرئيس السابق عمر البشير (بواسطة لجنة إزالة التمكين وتفكيك ذلك النظام)، المقدرة بحوالى 158 مليار جنيه (أقل من 3 مليار دولار)، إضافة إلى توجه الوزارة صوب رفع الدعم عن المحروقات وتحرير سعر صرف الدولار.
وفي السياق ذاته، قال عماد داؤود الأمين العام للمجلس الأعلى للأجور، في حديث لـ “اندبندنت عربية”، إن الزيادة جاءت نتيجة دراسات قام بها فريق عمل وطني بتكليف من وزير المالية، ومشاركة المجلس، ارتكزت منهجيتها على دراسة تكلفة سلة المعيشة والرقم القياسي للأسعار، وفق مؤشرات الجهاز المركزي للإحصاء، وتتقدم بأربعة مقترحات كخيارات من ضمنها خيار المجلس الأعلى للأجور، برفع الحد الأدنى (الأجر الأساسي) إلى ثلاثة الآف جنيه، يُبنى عليه جدول الأجوروالعلاوات المرتبطة به، وفقاً للدرجات الوظيفية للعاملين بالقطاع العام.
واعتبر داؤود أن الزيادة تاريخية وغير مسبوقة، قفزت بأُجور العاملين إلى ما يقارب السبعة أضعاف، كانوا قبلها يعيشون فقراً مدقعاً ويعجزون عن تأمين الحد الأدنى من تكاليف ومتطلبات العيش الكريم، وتمثل مدخلاً للتحول من الدعم السلعي إلى دعم مباشر يوجه إلى مستحقيه الحقيقيين.
وحول التوقعات بارتفاع أسعار السلع بالتزامن مع إعلان الزيادات، قال داؤود “نتوقع زيادة خفيفة في الأسعار، لكنها لن تكون مخيفة لدرجة أن تؤدي إلى تآكل الأجور، وسرعان ما تستقر السوق والأسعار”. وتوقع أن يتجاوب القطاع الخاص مع تطبيق الهيكل الجديد، على الرغم من أنه محكوم بقانون واتفاقات وعلاقات عمل خاصة”.
وفي المقابل، تشهد الأسواق ارتفاعاً جنونياً بلا توقف في أسعار السلع الضرورية، على الرغم من محاولات الحكومة السيطرة عليه، من خلال برنامج “سلعتي” لتوزيع السلع الأساسية بأسعار الجملة في ميادين الأحياء. ووصف الاقتصادي القيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، الزيادات بأنها ستكون مجرد كلام لأنها غير مصحوبة بفعل جاد على مستوى السياسات الداعمة للإنتاج وتثبيت الأسعار، وأكد أنها ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية كافة إلى ما فوق القدرة الشرائية للعاملين، ما يقود إلى الكساد ومفاقمة معدلات التضخم وتعميق أزمة الاقتصاد السوداني. وتوقع في مقال له رداً على وزير المالية، أن يقفز سعر الدولار بالسوق الموازية من حوالى 135 جنيهاً حالياً إلى 200 جنيه بحلول نهاية 2020، بسبب تلك الزيادات، وأن الوضع سيزداد تعقيداً بعد نفاد المخزون من السلع، وانجلاء أزمة كورونا.
في السياق ذاته، قال التاجر متوكل على بابكر، إن معظم أسعار السلع كالألبان ومشتقاتها وزيت الطعام والسكر والشاي والصابون، إضافة إلى اللحوم على أنواعها والملبوسات، تتضاعف بشكل يومي وأسبوعي، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار، لدرجة أن ما يباع اليوم ربما لن يكون بالسعر ذاته في اليوم التالي.
من جهته، حذر عادل حلف الله عضو اللجنة الاقتصادية في “قوى الحرية والتغيير”، الحاضنة السياسية لحكومة ثورة ديسمبر (كانون الأول)، من أن تؤدي الزيادات إلى تضخم انفجاري لارتباطها برفع الدعم السلعي عن المحروقات والكهرباء والدولار الجمركي وتعويم قيمة الجنيه السوداني، ما يهدد بسلب العاملين فرحتهم بعد فترة وجيزة، حين يكتشفون أن النقود الكثيرة التي بين أيديهم توفر سلعاً قليلة. ورجح أن تلقي تلك الزيادة بآثار سلبية على الاقتصاد الكلي والإنتاج في القطاعين العام والخاص.
وأضاف خلف الله أن الزيادة الحقيقية في الأجور تكمن في زيادة القوة الشرائية للجنيه وتخفيض أسعار السلع والخدمات، التي تقدمها الدولة للمجتمع، ووفرتها واستقرارها وزيادة عرضها، واستقرار المستوى القياسي للأسعار.
وبينما أبدى الأمين العام للمجلس الأعلى للأجور تفاؤله بتطبيق الزيادات على القطاع الخاص من خلال الاتفاقات، أسوة بنظرائهم في القطاع العام، اعتبر رجل الأعمال عباس الشيخ، أن الأجر المجزي يمثل أحد المحفزات الأساسية لجودة الأداء ورفع معدلات الإنتاج، ويحافظ على استقرار العمل ويمنع تسرب الكوادر، على أن تتم زيادته وفق “أسس ومعايير”، تتوافق مع معدل التضخم وسعر الصرف في البلاد.
وأعلنت الحكومة السودانية، منتصف أبريل (نيسان) الماضي، عزمها زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة، لمواكبة متغيرات سعر الصرف والأسعار ومعدلات التضخم، ويستفيد من الزيادة، بحسب منشور ديوان شؤون الخدمة القومية، حوالى سبعة ملايين موظف، وأن التطبيق الفعلي سيبدأ على القطاع العام من العاملين بالأجهزة الحكومية الذين يتقاضون رواتبهم من وزارة المالية. ويقابل تلك الزيادة ارتفاع في القطاعات الرسمية التي بلغت 25 في المئة من إجمالي الراتب، منها 8 في المئة لأغراض الضمان الاجتماعي والمعاش و17 في المئة ضريبة الدخل الشخصي.
ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء، شهدت معدلات التضخم ارتفاعاً قياسياً إلى ما قارب الـ 99 في المئة في أبريل، مقابل 82 في المئة في مارس، بسبب استمرار ارتفاع أسعار الغذاء.