حبل الدولار يشد أعناق المستهلكين اللبنانيين… حتى الاختناق

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

منذ عامين ونصف العام على اندلاع مسلسل الأزمات في لبنان، والقدرة الشرائية تتآكل والفقر يتفاقم. فمع كلّ وثبة للدولار وخصوصاً في الأسبوع الماضي، حيث سجّل 38 ألف ليرة قبل قرار مصرف لبنان بشراء الدولارات من اللبنانيين عبر المصارف وتراجعه 10 آلاف ليرة في يوم واحد، واستنزاف ما تبقى من الإحتياطي، يحاول بعض من تبقى من الطبقة المتوسطة الذي يستحصل على جزء من راتبه بالدولار النقدي من المحافظة على المستوى نفسه في شراء المواد الأساسية والثانوية من وقت الى آخر. اما من انعدمت لديه القدرة الشرائية منذ بدء الأزمة فلا تزال منعدمة نسبياً وبات يعتمد على المساعدات والإعانات. كيف يقاتل اللبنانيون للاستمرار، والى أي حد تدنت قدرتهم الشرائية، وماذا عن فاتورة الإستيراد؟ والى أي حدّ تأثرت؟

هاني بحصلي

لا توجد أرقام دقيقة حول القيمة الفعلية لتأثير ارتفاع سعر صرف الدولار على استيراد المواد الإستهلاكية، جرّاء تراجع القدرة الشرائية التي تختلف بين المواد الغذائية الأساسية والكماليات. فالتراجع الكبير كان ملحوظاً عند بدء الأزمة المالية والإقتصادية في نهاية العام 2019، إذ «بين العامين 2019 و 2020 تراجعت حركة الإستيراد بنسبة 50% من 20 مليار دولار الى 10 مليارات دولار في عام واحد»، كما أكّد لـ»نداء الوطن» رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي. مشيراً الى أنه «في العام 2021 ارتفعت فاتورة الإستيراد بسبب اضافة حركة استيراد أسعار المحروقات على الفاتورة والتي زاد سعرها عالميا».

وإذا قارنا المواد الغذائية مع مواد أخرى نلاحظ كما اكّد بحصلي أن «المواد الغذائية وخصوصاً الأساسية منها لم تسجّل تراجعاً كبيراً في قدرتها الشرائية وبالتالي الإستيراد، مقارنة مع مواد أخرى تعتبر من الكماليات»، لافتاً الى أن هناك قطاعات اختفت في ظل تراجع الإقبال عليها بشكل كبير لا سيما الإلكترونيات والسيارات والمفروشات والثياب.

وسام فهد

ماذا تقول السوبرماركت عن تحرّك بورصة الإستهلاك ؟

بالنسبة الى قطاع السوبرماركات، وتطوّر القدرة الشرائية للسلة الغذائية، يرى الإقتصادي وصاحب سوبر ماركت «فهد» وسام فهد أنها «تدنت بين 5 و 6 مرّات، مقابل ارتفاع الدولار 20 مرة، ما يعني أن قيمة البيع بـ100 دولار باتت بقيمة 16 دولاراً».

وبالنسبة الى المواد الأساسية من خبز وطحين وسكر، فقد تدنت القدرة الشرائية لتلك المواد بنسبة نحو 10%. أما المواد الغذائية الأخرى والتي هي من الكماليات مثل سمك السالمون والكافيار والجانبون… فتوقفت».

وبذلك، يضيف: «إن حركة الإستيراد لبعض الكماليات توقفت، حتى أن بعض الشركات التي تحصر عملها والإستيراد بتلك المواد فقط أقفلت».

المستهلكون 4 فئات

وصنّف فهد المواطنين بحسب قدرتهم الشرائية الى أربعة اقسام:

– نسبة 25% من المستهلكين الفقراء لا يزالون فقراء ولم تؤثّر الأزمة عليهم باعتبار أنهم يتلقون مساعدات إجتماعية، هؤلاء قدرتهم الشرائية معدومة.

– نسبة 25% من الشعب، تراجعت قدرتها الشرائية ولكن ليس بالنسبة نفسها التي يرتفع فيها سعر الدولار. فهؤلاء كانوا أغنياء ويسحبون أموالهم من المصارف…، توقفوا عن استهلاك الكماليات وحوّلوا إنفاقهم نحو السلع الضرورية.

وهناك فئة المستهلكين ويشكلون بتقدير فهد نسبة 10%، يحصلون على دولار نقدي من المغتربين الموجودين في الخارج أو من مدخول لديهم من الخارج او الداخل.

وهناك نسبة 15% من المستهلكين المنضوين ضمن المنظمات غير الحكومية وبعض الإساتذة الجامعيين وغير الاساتذة الذين بدأوا يتقاضون راتبهم بالدولار.

تأثير تبدّل الأسعار على القدرة الشرائية

وفي هذا السياق أوضح رئيس مجلس إدارة الـ»سبينيس» حسان عزّ الدين لـ»نداء الوطن»، انه «في كل مرة تنهار فيها الليرة ويرتفع سعر صرف الدولار، قدرة المواطن الشرائية تتراجع». وأكّد أنه من منذ عامين ونصف العام من الأزمة ومع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار إزاء الليرة، هناك قسم من المستهلكين انعدمت القدرة الشرائية لديه ولا تزال منعدمة لغاية اليوم.

حسّان عزّ الدين

وقسّم عزّ الدين تأثير تبّدلات أسعار الصرف على تدني القدرة الشرائية كما يلي:

«- الفترة التي تراجع فيها الدولار من 1500 ليرة لبنانية الى 8000 ليرة لبنانية، عندها تراجعت القدرة الشرائية بنسبة 50% ونلمس ذلك من حركة المبيع.

– الفترة التي ارتفع فيها الدولار من 8 آلاف الى 25 ألف ليرة، انخفضت القدرة الشرائية بنسبة أقلّ وهي 20%».

فمن استطاع من اللبنانيين أن يحسّن مردوده المالي في فترة بعد الأزمة والتقاضي بالدولار، استطاع أن يحافظ على قدرته الشرائية الى حدّ ما. وتطرق عزّ الدين الى الطبقة الوسطى فاعتبر أن «جزءاً منها خسرته محال بيع التجزئة بسبب انحدارها الى الطبقة الفقيرة، وهناك جزء آخر تأقلم مع ارتفاع الأسعار بقدرة أقلّ على الشراء وذلك بسبب تزويدهم من قبل المؤسسات التي يعملون فيها بالـ»فريش دولار».

وحول تسعيرة سعر صرف الدولار في المتاجر بسعر يفوق السوق السوداء كأن يحتسب المنتج على أساس دولار بـ40 أو 45 ألف ليرة اذا كان الدولار بقيمة 35 ألفاً على سبيل المثال، وذلك لحفظ التاجر ما يسمى بالـreplacement Cost يقول عزّ الدين، انه «عندما تكون لدينا منافسة لا يمكن القول أن سوبرماركت تسعر 40 أو 45 ألفاً للدولار، لأن المستهلك سيغير وجهته ويشتري من سوبرماركت أخرى. فكل المتاجر تتنافس لاستقطاب المستهليكن وخفض الأسعار والهاجس الذي لديّ أن أحافظ على الزبائن واستقطاب آخرين».

ووصف وضعنا الراهن أننا «في مرحلة الإنهيار الكبير وفي مكان صعب بعد انتهاء مفعول «إبرة المورفين» التي استمرت لفترة 4 أشهر قبل الإنتخابات النيابية».

اذاً إن تراجع القدرة الشرائية لدى المواد الغذائية يقدّر بنحو 70% على مرّ العامين ونصف العام، أما بالنسبة الى القطاعات الأخرى التي تدرج ضمن الكماليات مثل الثياب والأحذية… فإن عملها تضاءل كثيراً وبات في حالة جمود خصوصاً اذا ما ارتفع سعر صرف الدولار، علماً أن تسعيرة غالبيتها باتت بالعملة الخضراء مخالفة استثنائياً قانون حماية المستهلك الذي يفرض التسعير وفق الليرة اللبنانية. فالإقبال على تلك المنتجات خفيف جداً والشراء يتقدّم بخجل خلال فترة الأعياد.

تحديد الأسعار؟

اليوم مع وصول تراجع سعر صرف الدولار الى 27 ألف ليرة اي بانخفاض صاروخي مقارنة مع 38 ألف ليرة صباح يوم الجمعة الماضي مقترباً من سعر «صيرفة» الذي بلغ 24600 ليرة لبنانية، تأتي المناشدات لخفض تجار السوبرماركات اسعارهم. أليس من الأجدر تسعير السوبرماركات من خلال قرار استثنائي يصدر عن الحكومة، وتحديداً وزارة الإقتصاد لحماية المواطن من «الطالعة والنازلة» للدولار؟ ام ان ذلك شبه مستحيل مع تذبذب اسعار الصرف اضافة الى المشكلة التاريخية في عشوائيات التسعير في لبنان؟ وهل لدى وزارة الاقتصاد القدرة اساساً على الرقابة؟

استهلاك البنزين تراجع 16% والتراجع مستمر

نسبة مبيعات 98 أوكتان تهبط من 14 إلى 2%

على صعيد قطاع المحروقات عموماً والبنزين خصوصاً، فتلك المادة كان لها دور أساسي في الأزمة التي نتخبّط بها كونها تتأثّر مباشرة بتحرك سعر الدولار وهي مادة ضرورية لا يمكن الإستغناء عنها، ورغم ذلك تقلّصت قدرتها الشرائية بسبب تراجع استهلاكها من قبل الأفراد.

جورج براكس

عن ذلك، رأى عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج براكس خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «البنزين مادة أساسية والسيارة لا يمكن أن تسير من دونها. ورغم ذلك هناك خطّ أحمر لا يمكن أن ينزل دونه الفرد ولا يمكنه أن يغير نوع البنزين على غرار الطعام، ويعتمد على التنقل في سيارته في ظلّ غياب النقل المشترك والسكة الحديد». من هنا فرغم تدني استهلاكها لا يمكن ايقاف استخدامها.

ويبدو ذلك لنا من خلال الأرقام الأخيرة التي تبين كما أوضح براكس أنه «في العام 2019 كانت حاجات البلد الإستيرادية من البنزين بقيمة 7,700 ملايين ألف ليتر يومياً، وفي العام 2021 تراجع هذا الرقم الى الـ6,500 ملايين ألف ليتر أي بانخفاض نسبته 16% من الاستهلاك. والتراجع مستمرّ منذ بداية السنة الحالية الى اليوم».

ويعود السبب حتماً الى مواكبة سعر الصفيحة لارتفاع الدولار وزيادة سعر برميل النفط عالمياً، ويلفت براكس الى تطور سعر البنزين خلال العامين والنصف الماضيين كما يلي: «في 1 كانون الثاني 2021 كانت صفيحة البنزين بقيمة 26400 ليرة، وعندما بدأ الحديث عن رفع الدعم في حزيران 2021 عندها كان بلغ سعر الصفيحة 41800 ليرة. وفي تموز 2021 بدأت عملية رفع الدعم وكان سعر الصفيحة في حدود الـ70 ألف ليرة وارتفعت مسجلة في نهاية العام 335800 ليرة لبنانية للصفيحة. أي خلال 8 أشهر زاد سعر صفيحة البنزين 265 ألف ليرة لبنانية، وبذلك تكون في العام 2021 وحده ارتفعت 309 آلاف ليرة لبنانية».

وبالنسبة الى العام الجاري، أضاف: «تم افتتاح السنة بـ335000 ليرة واليوم وبعد 5 أشهر وصلنا الى الـ597 ألف ليرة (قبل انهيار الدولار بقيمة 10آلاف ليرة في يوم واحد) أي بزيادة بقيمة 262 ألف ليرة. وخلال شهر أيار وحده ارتفعت صفيحة البنزين أكثر من 100 ألف ليرة».

وأدت كل تلك التطورات الى إحجام المواطن عن استخدام البنزين السوبر أي الـ98 أوكتان. في العام 2018 كان سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان يشكّل نسبة 14% من مبيعات البنزين في البلاد، أما في الـعام 2021 فأصبحت النسبة 2% من المبيعات والنسبة المتبقية توجهت الى شراء الـ95 أوكتان.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى