رامي مخلوف وعلاقته بانشقاق الحزب السوري القومي* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
يواجه رئيس النظام السوري بشار الأسد تحديات كبرى لإحكام قبضته على السلطة، منذ أن انتفض السوريون ضده للمرة الأولى قبل تسع سنوات. ومن تلك التحدّيات تصدع داخل عائلته، انهيار الاقتصاد، تزايد التوترات مع حليفه الرئيسي روسيا. في الأثناء، المتمردون في ركن أخير لهم من سوريا، وعادوا لا يشكلون تهديداً، ولا منافسين جادين لرئاسة دولة تحكمها عائلة الأسد منذ خمسين سنة.
الشقوق بدأت تظهر في جبهة كانت موحدة، أصوات ارتفعت من موالين وقفوا بجانب الأسد طوال معركته لسحق المعارضة. وتوقف تقرير لـ”واشنطن بوست” تحت عنوان “سوريا الأسد تواجه أصعب التحديات في حرب التسع سنوات”، نُشر في 26 مايو (أيار) الحالي، عند انتقاد ورد في وسائل الإعلام الروسية، يشير إلى اعتماد الأسد على الحلفاء الأجانب، روسيا وإيران من أجل بقائه.
يعتبر التقرير أن الخلاف العلني بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف هو عارض من أعراض المشكلات العميقة. لكنّ مخلوف، وفق التقرير، لا يشكل أي تهديد لرئاسة الأسد. علماً أن عائلة مخلوف مهمة في الطائفة العلوية، وهي أقلية تنتمي إليها الأسرة الحاكمة، وقد وفرت شركات مخلوف والجمعيات الخيرية والميليشيات سبل العيش لعشرات الآلاف من السوريين. ما منحه قاعدة دعم داخل المجتمع العلوي المستاء بشكل متزايد.
من هو رامي مخلوف؟
رامي مخلوف هو رجل أعمال سوري، ابن محمد مخلوف شقيق أنيسة زوجة حافظ الأسد. وانتمى الأب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. ويسيطر رامي على قطاع الاتصالات السوري، وقد حاز في 2001 بسعر بخس على شركتي “سيريتل” والمنافسة لها “أم تي أن”، وبترخيص وفق نظام “بي أو تي”. وهكذا احتكرت شركتا مخلوف قطاع الاتصالات. وفي 2006 أسس شركة “شام القابضة” للإشراف على إدارة التوسع الهائل لدوره الاقتصادي، إذ أصبح يسيطر على نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 62 مليار دولار أميركي. لكن دور مخلوف الفعلي في القرار الاقتصادي كان أكبر من هذه النسبة.
اتهامات بالفساد
مع اندلاع الثورة السورية مطلع 2011، ظهرت لافتات وشعارات تفضح الدور الاقتصادي لمخلوف وشركاته. وطالب المتظاهرون الأسد بمحاسبته وتحجيم دوره. وكانت مقرات شركاته هدفاً لغضب المحتجين الذين اتهموه بالفساد واستغلال النفوذ. وفي رد على الاتهامات، أجرى مخلوف حينها مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، في مايو 2011، وجه فيها رسائل مباشرة إلى الخارج، مؤكداً أن النظام سيقاتل حتى النهاية. وحذَّر من تداعيات الفوضى في سورية على أمن إسرائيل واستقرارها. وظهر مخلوف إعلامياً مرةً أخرى، في يونيو (حزيران) 2011، مُعلناً تفرغه لـ”العمل الخيري”. وعلل خطوته هذه بعدم الرغبة في أن يكون عبئاً على سوريا وشعبها ورئيسها، وفق تعبيره. لكن خطوته هذه لم تنجح في تجنيبه وشركاته سلسلة من العقوبات الأميركية والأوروبية، أضيفت إلى تلك التي يخضع لها منذ فبراير (شباط) 2008.
العلاقة مع روسيا
لعب شقيق رامي، العقيد حافظ مخلوف، رئيس فرع أمن دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة، دوراً محورياً في مواجهة الحراك الشعبي، بممارسة الاعتقالات والتعذيب والسجن. وكان من الحلقة الضيقة التي اقترحت الحل الأمني واستخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين.
وفي 2014، أُعفي حافظ مخلوف من منصبه، وغادر لاحقاً إلى روسيا حيث والده محمد الذي يقضي وقته بين موسكو وكييف، بفضل علاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع متنفذين في روسيا، منهم يفغيني بريغوجين المعروف بلقب “طباخ بوتين” وذراعه في أفريقيا، والمدرج على لائحة العقوبات الأميركية بسبب صلته بالانفصاليين في شرق أوكرانيا، والمتهم بتأسيس مجموعة “فاغنر”، وهي شركة خدمات عسكرية خاصة على طراز “بلاك ووتر”. وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت أن تأسيس هذه الشركة، يعود إلى خريف 2015، أي الفترة التي شنت فيها روسيا غارات دعماً للسلطات السورية.
التصدع داخل النظام السوري
في 30 أبريل (نيسان) الماضي، نشر رامي أول مقطع من سلسلة مقاطع فيديو على موقع “فيسبوك” يشجب تصرفات النظام ضده وضد إمبراطوريته المالية. قال في أحد المقاطع “لم أستسلم خلال الحرب… هل تعتقد أنني سأستسلم في ظل هذه الظروف؟ تبين أنك لا تعرفني”، متوجهاً إلى الرئيس بشار.
فيديوهات مخلوف جاءت بعد إجراءات قامت بها السلطات السورية بحقه منها فرض الضرائب وحل فرع اللاذقية من الحزب السوري القومي الاجتماعي، المعروف باسم “حزب رامي”، و”جمعية البستان الخيرية”، وحبس مديرها وتعيين إدارة جديدة فيها موالية لزوجة الرئيس بشار أسماء الأخرس. عندها، ذهب مخلوف إلى منطقة سياحية في أعلى جبال اللاذقية (صلنفة)، ولم يعد قادراً على مقابلة الأسد. وتردد أن السبب الرئيس للصراع هو تلقي الأسد طلباً من روسيا بسداد مليارات الدولارات، وقد رفض مخلوف الذي يسيطر على غالبية الأعمال التجارية والاقتصادية السورية الرسمية وشبه الرسمية، الإذعان للأسد، بحجة أن هذا الطلب كبير للغاية، ولا يمكن توفيره في الوقت المطلوب لروسيا.
الحزب السوري القومي
أسس أنطون سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي في 1932، وهو منتشر في لبنان وسوريا ومُرخّص رسميّاً. يدعو إلى إقامة “سوريا الكبرى”، التي تشمل منطقة الهلال الخصيب، أي العراق والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، كذلك الكويت وقبرص وشبه جزيرة سيناء ولواء الإسكندرون حالياً (محافظة هاتاي في تركيا)، وتقول العقيدة القومية السورية بأن هذه المنطقة يجمعها تاريخ مشترك. ويُعد الحزب المجموعة السياسية الثانية في سوريا بعد حزب البعث العربي الاشتراكي، الحاكم. أما في لبنان، فكان الحزب منظماً لأكثر من 80 عاماً. وحتى الآونة الأخيرة حينما أصبح مجموعة رئيسية في تحالف 8 آذار.
في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 أصدرت محكمة الاستئناف المدنية الأولى في دمشق، قراراً يقضي بحل الحزب السوري القومي الاجتماعي (الأمانة العامة). وقالت قناة “روسيا اليوم” حينها إن القرار صدر بصفة المبرم (نهائي وغير قابل للاستئناف).
انفصال تنظيمي للحزب بين سوريا ولبنان
وتحمل مجموعتان سياسيّتان في سوريا اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، منذ الخلاف التنظيمي الذي أدى إلى الانقسام. الأولى “الأمانة العامة”، والثانية “المركز”، وهو ممثل في الجبهة الوطنية التقدمية (تكتل من 9 أحزاب إضافة إلى اتحادي العمال والفلاحين).
وفي 2013 تقرر فصل تنظيمي للحزب السوري عن اللبناني، على الرغم من اعتراضات رئيس الحزب في لبنان آنذاك أسعد حردان. وجاء أداء رامي مخلوف قسم الولاء للحزب أمام رئيس الحزب في سوريا عصام المحايري، قبل مؤتمره العام الذي عقد في دمشق، ليشرعن الانفصال التنظيمي للحزب بين سوريا ولبنان. وتشير المصادر إلى وقوف رامي مخلوف وراء الانشقاق الذي ضرب الحزب، مستعملاً قانون “التعددية الحزبية”. وارتبط عمل “جمعية البستان الخيرية”، والميليشيات المسلحة التابعة لها، منذ ذلك الوقت، بميليشيات حزب “الأمانة”.
وكان مسؤول أمني في الحزب السوري “المركز” قد صرّح أن مخلوف استطاع أن يسحب ثلث القيادات الشبابية، ودفع رواتب ضخمة، وضم حوالى 2000 شاب من ذوي القتلى في أشهر قليلة. وأسس لنشاطاتٍ اجتماعية وترفيهية، “لم يقم بها أي حزب في التاريخ الحديث لسوريا”.
مشاركة الحزب في الحرب السورية
منذ بداية الثورة السورية، كان الحزب جاهزاً ومستنفراً ومخلصاً للدفاع عن النظام وشارك إلى جانب قوات النظام في قمعها. وسرعان ما شكل مجموعة مسلحة باسم “نسور الزوبعة”، وقاتلت ضد المعارضة، وانتشرت في الساحل وحمص ودمشق والسويداء.
ينفي نائب رئيس الحزب في لبنان، وائل الحسنية، في حديث مع “اندبندنت عربية”، ما تتناقله وسائل الإعلام عن حل للحزب في سوريا. ويقول إن “رامي مخلوف كان يدعم اتجاهاً لتأسيس فرع من الحزب السوري القومي، على قاعدة مشروع سياسي تابع له، وسمي الأمانة العامة”.
ويشير حسنية إلى أن لدى الحزب “المركز” سبعة أعضاء في البرلمان السوري، وهو عضو في الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم 10 أحزاب ويشارك في عمليات الدفاع عن سوريا عبر “نسور الزوبعة”.
ويعتبر عضو المكتب السياسي ورئيس الدائرة الخارجية والاقتصادية في الحزب، طارق الأحمد، أن “ليس الحزب القومي الذي حل”، مؤكّداً أنه “حليف لحزب البعث العربي الاشتراكي منذ عام 1972، في إطار الجبهة التقدمية الحاكمة. لكن وكما يعرف البعض، كان هناك انشقاق عن الحزب عام 2011، دام لسنوات، ومنذ أكثر من سنة قامت المحكمة بإلغاء الترخيص للمجموعة التي قامت بالانشقاق”.
علاقة الانشقاق بالأحداث الحالية
ويشير الأحمد إلى أن “أن حسين مخلوف، ابن عم رامي، كان عميداً للداخلية وأحد قياديي ذلك الشق من الحزب في ذلك الوقت، مع ذلك ألغي ترخيصهم. لكن قرار المحكمة سبق الأحداث التي تجري الآن بسنة أو أكثر، والقانون طبق في وقت لم تكن هناك مشكلات تتعلق بالخلافات على الضرائب والاتصالات”.
ويعتقد الأحمد أن “لا صراعات داخل الأجنحة، ولم يعد في سوريا سوى الحزب السوري القومي المرخص”. ويقول إن “كل الأحزاب في التاريخ تتعرض للانقسامات، إذ تفرض التقلبات السياسية هذا النوع من الإيقاعات. وعمر الحزب يتجاوز الثمانين عاماً، وقد عاصر كل الأحداث والتقلبات التي جرت في سوريا”.
ويضيف عن الجناح المنشق، أن “آخر من تولى الرئاسة كان إلياس شاهين، وهو نائب سابق في البرلمان. وقبله كان جوزيف سويد، وهو وزير سابق، وقبلهما كان عصام المحايري”.
مخلوف كان يرعى الانشقاق
النائب عن الحزب في مجلس الشعب السوري ورئيس الدائرة الإعلامية في المكتب السياسي، أحمد مرعي، يقول إن “الحزب قائم ومستمر منذ عام 1932. وموجود اليوم في الجمهورية العربية السورية ضمن الجبهة الوطنية التقدمية، ولديه كتلة نيابية مؤلفة من سبعة نواب، وممثل في الإدارة المحلية والنقابات والمنظمات الشعبية، ويمارس دوره النضالي في إطار الحياة السياسية العامة في سوريا”.
أما عن الانقسامات فيشير مرعي إلى أنه “في عام 2012، نشأت حالة طارئة من مجموعة انتحلت صفة الحزب، واستمرت لمدة خمس إلى ست سنوات، وواجه الحزب الأساس هذه الحالة، ولجأ الى القضاء، وسار القانون في مساره الطبيعي. ومنذ عام ونصف تقريباً أصدرت المحكمة قرارها بحل هذه الحالة الطارئة المنتحلة صفة الحزب اسمه”.
ويؤكد مرعي أن مخلوف “كان يرعى الحالة (الانشقاق) التي نشأت عام 2012 كما بات معلوماً في الوسط السياسي”.
نقلاً عن “إندبندنت عربية”