تمثال الهنود الحمر الغامض «شاك مول»* د. أفراح ملا علي
النشرة الدولية –
في قلب المتحف الوطني المكسيكي للأنثروبولوجيا (العلوم الإنسانية) بالعاصمة المكسيكية ميكسيكو، يرقد واحد من أهم التماثيل الغامضة للهنود الحمر الملقب بـ «شاك مول» والذي يتميز بوضعية غريبة، فهو يرمز لإنسان بملامح وجه جامدة ورأس ينظر إلى جانبه الأيمن، مستلق على ظهره ورجلاه بوضعية الجنين، وممسكا بيده صحنا مقعرا، معلقا على ذراعه خنجرا.
وبسبب تميز وغرابة هذا التمثال دارت الكثير من النظريات حول وظيفته الأساسية بين شعب المايا، فقيل انه رسول بين الهنود الحمر المايا وإله المطر، وكثرت الأقاويل ان هذا التمثال يرمز لرهبان الأهرامات المكسيكية حيث يتم وضع الدم او قلب القرابين الإنسانية غالبا والحيوانية أيضا في الصحن المقعر.
فكان لهذا التمثال النصيب الأكبر من التنقلات بين أحضان المتاحف ومحاولات السرقة العديدة حتى من بعض الدول كونه فخرا للموروث المكسيكي وتم ربطه بالجزيرة الخرافية اتلانتيدا (أطلانطس).
ولكن ما يميز تمثال «شاك مول» بالحقيق هو قصة العشق التي تختبئ خلفه، حيث ان مكتشفي هذا التمثال عانوا الكثير من الإهانات والتصغير بين علماء الآثار بسبب ربطهم للحضارتين المصرية وحضارة الهنود الحمر وسر جزيرة «أطلانطس» وبعد مرور سنين طويلة أعاد علماء الآثار النظر في هذه النظريات التي كانت في بدايتها محطا للسخرية.
أليس ديكسون واحدة من أوائل علماء الآثار بالتاريخ، حيث كانت هذه الوظيفة لصعوبتها تقتصر على الرجال، هي مكتشفة تمثال «شاك مول» مع زوجها عالم الآثار اغوستو ليبروجون.
تولد أليس ديكسون في لندن في عام 1851 وهي ابنة المصور هنري ديكسون، والتي تصبح واحدة من أوائل المصورين الفوتوغرافيين بسبب تأثرها بوالدها، ولكن علاقتها العميقة مع عمها جاكوب ديكسون المولع بجلسات تحضير الأرواح والجن وقراءة الطالع والتي كانت بالحقبة الفيكتورية موضة بين النبلاء والأغنياء، تغير حياتها ووظيفتها.
وفي احدى جلسات تحضير الأرواح الجماعية مع عمها ينطق أحد الحضور «الملبوس بأحد الأرواح» موجها كلامه إلى أليس: «لن تعيشين هنا، بل في مكان بعيد جدا عن إنجلترا، وتتزوجين برجل يكبرك بكثير قبل أن تصبحين في سن العشرين!».
أما اغوستو ليبروجون من أصل فرنسي والذي كان يعشق فنون التصوير مسافرا لتعلم المزيد عن هذا الفن، يعيش فترة في تشيلي والبيرو حتى قيل انه تعلم الاسبانية في تشيلي لكثرة أسفاره.
تتحول حياته رأسا على عقب كليا بعد تعمقه بحضارة الهنود الحمر في بيرو ويغير تخصصه إلى عالم آثار ودون العديد من النظريات وأصبح من علماء الآثار المخضرمين آن ذاك.
يزور ليبروجون لندن لعرض فوتوغرافي في المتحف البريطاني ويلتقي بأليس! ابنة التاسعة عشرة وتعشقه من أول حديث. فتذهب مسرعة لوالدتها وتخبرها بأنها تعرفت على رجل تستطيع أن تعيش معه حتى آخر لحظة من حياتها.
يقول الباحثون إن الرفض كان موجودا وهذا مما أدى إلى هرب أليس وليبروجون إلى القارة الأميركية والزواج هناك قبل سن العشرين.
ينقل الزوجان إلى المكسيك لتبدأ أروع قصص الغرام والدراسات العميقة عن الحضارات، والتي كانت من أهمها أن جزيرة أطلانطس هي أم الحضارة المصرية والهنود الحمر.
وبالرغم من ظروف الحياة القاسية التي تدونها أليس في مذكراتها كالصراصير في شعرها، الحر الشديد والأمطار، ووحوش الغابات ومواجهات الموت العديدة والإهانات والسخرية من نظريات زوجها، إلا أنها تعلمت الأسبانية بطلاقة وأيضا لغة المايا مع زوجها لدعمه، وأصدرت العديد من الكتب وطالبت بحقوق المرأة والمساواة دستوريا، وكان بدوره كزوج داعم لها ومصور رائع مع كل اكتشاف ومعبد لهم بالرغم من اغلب صورها كانت تحمل السلاح لحماية زوجها دائما.
يموت العالم ليبروجون تاركا أليس عن عمر يناهز 83 سنة، بعد الكثير من الدراسات والنظريات والصور لأهم الاكتشافات. تموت حزنا أليس بعد سنتين من موت زوجها عن عمر 59 سنة. ويبقى «شاك مول» واحدا من أهم اكتشافاتهم.
أعتقد أن «شاك مول» الغامض اختار قرابينه.
دمتم بحب تاريخي.
نقلاً عن صحيفة “الأنباء”الكويتية