أين لبنان من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟* د. سهام رزق الله
النشرة الدولية –
في الواقع، وبعدما تفاقمت الأزمات الإجتماعية الى حدّ تسجيل عدم قدرة الدولة على الإستجابة وحدها الى الحاجات الإنسانية والإجتماعية للفرد أو الجماعة، ظهر واضحاً انّ الهمّ الإجتماعي بات مسؤولية مجتمعية، يتشارك فيها الجميع، وفي مقدّمهم مؤسسات القطاع الخاص تحت راية المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة الـ17 للتنمية المستدامة حتى العام 2030. فما هي أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟ وأين لبنان من كل منها؟ فمن الثابت، انّ للمجتمع المدني دوراً كبيراً يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، فيما التحدّي الأساسي في تحقيق هدفين متوازنين: تأطير دور ومدى عمل المجتمع المدني، من ضمن الاستراتيجية التنموية للمؤسسات المعنية تجاه مجتمعها بمختلف مكوناته من جهة، وتأمين الربط والتواصل المفقودين بين المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية وتوجيه التمويل المطلوب لها.
مع رفع الأمم المتحدة جدول أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بدأ التطلّع نحو مؤسسات القطاع الخاص لترجمة مفهوم «المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات»، من خلال المساهمة الفعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17. هذه الأهداف لا تستطيع طبعاً الحكومات تنفيذها بمساهمة القطاع العام وحده، بل هي تتطلّب مساهمة القطاع الخاص بشكل أساس، عبر برامج المسؤولية الاجتماعية، كما تعاون مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني، من جمعيات ومنظمات غير حكومية وصناديق تعاضد وتعاونيات ومؤسسات ريادة إجتماعية.
اول أهداف الأمم المتحدة يبدأ بالقضاء على الفقر، الذي لا يزال بكل أشكاله أحد أكبر التحدّيات التي تواجه البشرية. فعلى الرغم من أنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 1990 و2015، فإنّ كثيرين لا يزالون يكافحون من أجل تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية. أما في لبنان، فمن أبرز المشاريع الكبرى التي تصبّ في هذا الإطار، نذكر البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، الذي تميّزت به وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي، والذي يشهد ازدياداً في المطالب مع اشتداد الأزمة الاقتصادية.
والهدف الثاني، هو القضاء التام على الجوع، عبر زيادة النمو الاقتصادي والإنتاجية الزراعية. وقد استُكملت هذه الخطوات بسياسات تشجيع توزيع فائض الغذاء، ضمن شروط الصلاحية والسلامة والصحة العامة، ونذكر في هذا الإطار إقتراح قانون وهب فائض الغذاء المعلّب لدى التجار والمستوردين وإيصاله الى المحتاجين وفق أعلى المعايير، قبل شهر من انقضاء صلاحيته، بما يسمح بمكافحة الجوع والفقر على السواء.
أما في ما يتعلّق بهدف الصحة الجيدة والرفاه، فقد تحققت عالمياً خطوات واسعة في سبيل الحدّ من وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمهات، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا وغيرها من الأمراض وصولاً الى فيروس كورونا أخيراً… وتبقى الحاجة الى تأمين التغطية الصحية الشاملة وأفضل خدمات صحية لإنقاذ أكبر عدد من الناس وتحسين نوعية عيشهم وتعايشهم مع المشكلات الصحية بأفضل المعايير.. وهو ما لا يزال نقطة ضعف في البلدان النامية. وقد تبيّن انّ من أبرز هموم التعامل مع فيروس كورونا في لبنان، افتقاد البطاقة الصحية الشاملة وتعدّد الصلاحيات والهيئات الضامنة وتغطيتها.
وبالنسبة الى هدف التعليم الجيد، فقد تمّ إحراز تقدّم هائل عالمياً منذ العام 2000، وفي لبنان الذي يتميّز بمستوى أكاديمي، يبقى التعليم مرتكزاً بنحو أساسي على القطاع الخاص، ويحتاج دعم الدولة لتوفير التعليم لجميع شرائح المجتمع، بما يساعد في الخروج من الفقر نحو التقدّم المعيشي والاجتماعي الشامل.
أما هدف المساواة بين الجنسين، فيتمثّل بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء والفتيات. وقد ثبت أنّ تمكين النساء والفتيات له أثر مضاعف، ويساعد في دفع النمو الاقتصادي والتنمية في كل المجالات.
وفي مجال المياه النظيفة والنظافة الصحية، تشدّد أهداف الأمم المتحدة على تأثير ندرة المياه على أكثر من 40 % من السكان في أنحاء العالم. أما في لبنان، فمن المعروف أنّ مياه الأمطار التي تتساقط سنوياً تساوي أضعاف حاجات البلاد من المياه، لو تمّ إنشاء السدود المناسبة وفق المعايير العلمية المطلوبة، إلّا أنّ غيابها يجعل لبنان يعاني شح المياه، ما يؤثر على المساحات المزروعة التي تحتاج الري كما المشاريع السياحية.
وفي مجال الطاقة، تؤكّد أهداف التنمية المستدامة على ضرورة تأمين الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة، وقد زاد عدد من يحصلون على خدمات الكهرباء عبر العالم بمقدار 1.7 مليار نسمة، بين عامي 1990 و2010. وقد أسفرت الجهود الرامية إلى تشجيع الطاقة النظيفة، عن توليد أكثر من 20 % من الطاقة العالمية من مصادر متجدّدة للطاقة اعتباراً من عام 2011.
وفي لبنان، يبقى قطاع الطاقة من أبرز نقاط الضعف في الاقتصاد، حيث تتسبب الكهرباء بعجز سنوي بحدود ملياري دولار أميركي، من دون تأمين التيار الكهربائي المتواصل، ما يكبّد الناس والمؤسسات تكاليف الاشتراك بمولّدات خاصة ويرفع تكاليف الإنتاج الوطني ويخفّض قدرتها التنافسية.
كما يمثّل العمل اللائق ونمو الاقتصاد أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة، إذ على الرغم من التأثير المتواصل للأزمة الاقتصادية للعام 2008 والركود العالمي، انخفض عدد العمال الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار كبير على مدى السنوات الـ25 الماضية. وتشكّل الطبقة الوسطى اليوم في البلدان النامية أكثر من 34 % من مجموع القوى العاملة ، وهو عدد تضاعف ثلاث مرات تقريباً بين عامي 1991 و 2015. ولكن بعض البلدان، ومنها لبنان، تعاني من غياب أي رعاية إجتماعية للذين يعانون من البطالة، والحاجة الملحة الى سياسة مواكبة لتوجيه الشباب الى التخصّص وفق حاجات السوق.
كما انّ من أهداف التنمية المستدامة، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية. إذ تمثل الاستثمارات في الصناعة والبنية التحتية والابتكار، عوامل حاسمة للنمو الاقتصادي والتنمية. ولأنّ أكثر من نصف سكان العالم يعيشون اليوم في المدن، ازدادت أهمية النقل العام، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ومن أبرز اهداف التنمية لدى الأمم المتحدة، هو الحد من وجوه عدم المساواة، حيث يكسب أغنى 10% من سكان العالم نحو 40 % من إجمالي الدخل العالمي، بينما يكسب أفقر 10% ما بين 2% و7% فقط من مجموع الدخل العالمي. وفي البلدان النامية، ارتفعت معدلات عدم المساواة بنسبة 11% إذا ما أخذنا في الاعتبار معدلات النمو السكاني. وتتطلب هذه التفاوتات الآخذة في الاتساع، اعتماد سياسات سليمة لتمكين الفئات من أصحاب الدخل الأدنى، وتعزيز الإدماج الاقتصادي للجميع. وهذا الهدف هو من الأكثر اجتذاباً لمبادرات المؤسسات الخاصة في لبنان، من باب المسؤولية الاجتماعية وتقليص الفروقات وتعزيز تطوير التقدّم الاجتماعي لمختلف الشرائح الاجتماعية.
ومن أهداف التنمية أيضاً إنشاء مدن ومجتمعات محلية مستدامة. إذ يعيش اليوم أكثر من نصف سكان العالم في المناطق الحضرية. وفي عام 2050، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 6.5 مليارات نسمة، أي نحو ثلثي البشرية جمعاء، ما يحتاج الى كثير من العمل في مجال تأمين أسلوب عيش مستدام في هذه المدن الكبرى، لتلبية احتياجات الناس، مع المحافظة على الموارد الطبيعية أيضاً للاجيال القادمة.
وفي هذا الاطار، يُضاف أيضاً هدف الإنتاج والإستهلاك المستدام لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بما يقتضي خفض البصمة الإيكولوجية بنحو عاجل، عن طريق تغيير طرق الانتاج والاستهلاك.
فضلاً عن جملة الأهداف البيئية من العمل المناخي لتخفيف الآثار الخطيرة الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وغيره.. ومن الاهداف أيضاً، الحفاظ على الحياة تحت الماء، وهدف حماية الحياة في البر حفاظاً على التنوع النباتي والبيولوجي والموارد الطبيعية.
وبغية تحقيق مختلف الأهداف السابقة للتنمية المستدامة، تشدّد الأمم المتحدة على أولوية الحفاظ على السلام والعدل والمؤسسات القوية لتحقيق السلم والأمن والازدهار، كما على إقامة الشراكات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر التعاون على المستوى الدولي. كذلك تحتاج بلدان كثيرة إلى المساعدة الإنمائية الرسمية، للخروج من أزمات مالية وإقتصادية مستجدة وتحفيز النمو كما التنمية.
ويبقى القول، إنّ النضال للتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية عموماً في لبنان، لا يزال يفتقد الى التنظيم المؤسساتي، في غياب أي توجيه أو أي نظام مؤشر قياس أو شهادة تقدير للمؤسسات التي تقدّم منتجات أو خدمات وفق المعايير الدولية للمسؤولية الاجتماعية. ويبدو ملحاً إيجاد منصّة جامعة للمؤسسات المساهمة في التنمية المستدامة، عبر إقرار قانون خاص لهذه الغاية. وقد يشكّل تأسيس منصّة كهذه مساحة تلاقٍ وحوار إقتصادي- إجتماعي بين القطاعين العام والخاص وتكامل علمي- مهني، بما يفتح المجال لفرص عمل وتنمية واسعة للأجيال القادمة.
*أستاذة مُحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف