جمعة مشمشية* رمزي الغزوي
النشرة الدولية –
مثل إمراة تجيء بكامل عطرها وبيلسانها، يجيء هذا الحزيران الحنون. فللمرة الأولى أشعر أنه شهر يتواطئ مع الربيع بهذا الطريقة الطرية، فهو وادع موشح بالندى، تجيش غيومه القطنية المكتنزة في صحن السماء، وتصدُّ عنا سياط الشمس. ولهذا سينضج على مهل مشمشنا، مثل امراة أطالت مكوثها في نافذة الحلم.
قديماً قال أجدادنا: (حزيران طبّاخ المشمش)، ففيه تشتد حرارة الشمس، ويحتد لهيبه وصهيدها، كي تطبخ لنا المشمش وتحيله إلى كرات ذهبية لذة للآكلين. ولكن من شدة حرها تنضجه سريعاً دفعة واحدة، ولا تمنحنا الوقت لنفكر بغير المشمش وذهبيته. ولهذا قولوا عن كل الأشيباء السريعة الواجب اقتناصها والتشبث بكل لحظة من لحظاتها، بأنها جمعة مشمشية.
أحيانا كنا نقول عن المشاريع والوعود التي لا ننوي إتمامها، والتي ننوي خنقها عن سبق إصرار وتلكؤ، نقول: في المشمش!، وقد يكون، أن هذا الأمر تسلل إلى ثقافتنا، لأن المشمش السريع المباغت للغياب، جعل الذين يقطعون وعودهم بأنها ستكون في المشمش، يتوقعون بأن لا أحد سيلتفت لموعدهم حين يهل المشمش، فهو سيكون منشغلاً بهذه الهبة الربانية سريعة الرحيل!.
ومن بعد ذلك، صرنا نختصر كل بحبوحة سريعة، بأنها جمعة مشمشية (أي أسبوع مشمشي)، على اعتبار أن المشمش ينضج دفعة واحدة!، وينتهي بظرف أسبوع، ولكن هذه الجمعة المشمشية، قد تطول إلى ما يقرب السنة أو السنتين في المعدل، في عرف بعض الذين يدركون أن عليهم أن يستثمروا الفرصة.
أما العشاق الملتاعون المحمصون بلهيب الانتظار والترقب والشوق، والذين تمتعهم حتى الوعود الكاذبة، وتسليهم صغار الأماني، وتسري عنهم!، فهؤلاء،يعرفون أنهم (في المشمش)، ووأنه مهما طال المشمش، أو قصر، فلا بد من رحيل سيطرق الباب. ولربما طال لنا في هذا الموسم مشمشنا الجميل، وأصبحنا في شهر مشمشي بحاله، إلا أن صوت الديك، ما زال ينادي في بحة كل الفجر ويصيح: ها قد مرت من العمر ليلة، وأنت لا تشعر بذلك، ولا تدري.
العمر ليس إلا جمعة مشمشية، أو على أبعد حد شهر مشمشي. فهل نقنص هذا الهارب منا، كحفنة رمل فرت من بين أصابع طفل يلهو على شاطئ ناعم؟؟!.