“الهايكينغ” رياضة وسياحة وصحة واكتشاف… الكيلومتر منها يُعادل ثلاثة من المشي العادي

النشرة الدولية –

منذ 40 عاماً، يحمل بيار جبّور عدّته الخاصة بالسير لمسافات طويلة، مرتدياً سرواله الواسع، حاملاً عصاه تفادياً للسقوط عند تسلقه الدروب الوعرة. لم يكن يتوقع أن تتحول هوايته، الى ولعٍ بالـ”الهايكينغ”، فأصبح “هايكر” محترفاً، يمكن أن يمشي لساعات وأيام وأسابيع في الطبيعة، هوساً باستكشاف المناطق “الخفية” في لبنان وخارجه، حباً بالمغامرة، وطريقةً للهرب من الضغوطات النفسية الناتجة عن الأزمات المتتالية في لبنان، بحسب تقرير نشرته الزميلة، جنى جبّور، على موقع “نداء الوطن” الإخباري اللبناني.

كثرت في الأيام الأخيرة، ولا سيما بعد انتشار جائحة الكورونا، النشاطات التي تمارس في الطبيعة، كوسيلة آمنة للتخلص من الضغوط النفسية الناتجة عن الحجر المنزلي. وانتشرت بشكل واسع صور اللبنانيين في الطبيعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرت تعليقات الاعجاب التي يتركها الاصدقاء، غير مصدقين أنّ ما يرونه موجود فعلاً في لبنان. تساعد طبيعة بلاد الارز ومساحته الخضراء، وتعدّد المسارات في مختلف المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، مروراً بالمناطق الساحلية والجبلية، على ممارسة رياضة “الهايكينغ”، ما أدى في الأعوام الأخيرة الى تأسيس عدد من الجمعيات تعمل على تنظيم الرحلات لكل من يرغب بممارسة هذه الرياضة، مثل “جمعية درب الجبل اللبناني”، “Vamos Todos” ،”FootPrints” ،”Nature Club”، ” Adventures in Lebanon”، وغيرها.

تحرص هذه الجمعيات على مساعدة المتنزهين على استكشاف المواقع الطبيعية في لبنان ومعرفة تاريخ المناطق التي يزورونها، من خلال دليلها السياحي. كما تتراوح تكاليف الرحلة بين الـ30 و50 ألف ليرة لبنانية، بحسب المنطقة المقصودة والتجهيزات التي توفرها للمشاركين. مع الاشارة، الى أنّه تم اكتشاف رياضة المشي لمسافات طويلة أو “الهايكينغ” في الغابة السوداء، في نهاية القرن التاسع عشر مع الرياضي الشهير فيليب بوسيمر. بعدها تمّ تطويرها، واصبحت تمارس اليوم للمرح والترفيه، ولتعدد فوائدها، إذ إنّ كل كيلومتر في هذه الرياضة يعادل 3 كيلومترات من ممارسة المشي العادي، كما تساعد على التخلص من ضغوطات الحياة المتشعبة، إذ يتم وصفها في الكثير من البلدان من قبل أطباء الأمراض النفسية كعلاج للتخلص من الطاقة السلبية والقلق، عوضاً عن الدواء.

من لبنان الى الولايات المتحدة الأميركية فالسويد وبولندا وفرنسا… مسارات عديدة قصدها بيار جبّور لممارسة “الهايكينغ”. هو لا يعتبرها رياضة عادية، بل عشق من نوع آخر، وادمان على اكتشاف طبيعة ومسارات كل دولة يزورها. لا تقتصر ممارسة هذه الرياضة على المحترفين بل يمكن للجميع ممارستها، فالمبتدئ لا يحتاج الى مهارات رياضية متقدمة، عكس المحترف الذي يسير لمسافات كبيرة، ما يتطلب تمتعه ببنية جسدية سليمة، وقدرة على تحمل وعورة الطبيعة لايام عدّة.

الّا أنّ كل رحلة “هايكينغ” في رحاب الطبيعة تحتاج للتخطيط، التجهيز والوعي في التنفيذ وعدم المجازفة للحد من الحوادث التي قد تسبب الموت. فكيف يمكن تنظيم رحلة “هايكينغ”، آمنة وممتعة؟ يجيب جبّور: “مرحلتان أساسيتان، يجب التقيد بهما؛ الاولى وترتكز على التخطيط والتجهيز، فعلى من يود ممارسة هذه الرياضة التحلي بالواقعية الشديدة عن طريق دراسة سرعة سير كل فرد من المجموعة، قدرة حمله للأوزان والمسافات والارتفاعات تحسباً لأيّ طارئ. كذلك يزيد الاستطلاع وتحديد نقطة الانطلاق والوصول، أو الاستماع الى تجارب الآخرين في المكان المقصود، فرصة المشارك بمعرفة المنطقة أكثر وبالتالي حماية نفسه من المخاطر التي يمكن أن تصيبه”.

وفي الإنتقال الى التجهيزات ولا سيما الثياب الملائمة لهذه الرياضة، ينصح جبور “بالابتعاد عن الثياب الضيقة واستبدالها بالسراويل الواسعة المضادة للمياه، لتسهيل تحركات هواة هذه الرياضة في المسارات الحرجية الضيقة او الوعرة. كذلك من الضروري ارتداء قميص تغطي العنق أو الاستعانة بالوشاح لهذا الغرض، للحد من حروقات الشمس. القبعة والقفازات والنظارات، ضرورية جدّاً في الرحلة. أمّا الحذاء فيجب أن يكون مخصصاً للهايكينغ، يحتوي على المسامير البلاستيكية في كعبه، مع الاشارة الى عدم صلاحية الحذاء الرياضي العادي الذي يمكن ان يسبب انزلاق من ينتعله. يضاف الى ذلك، استعمال عصا (أو اثنتين) لغرزها في الارض، والاتكاء عليها، وضرورة استعمال مراهم الوقاية من الشمس، ولا سيما على الشفتين لمنع تشققهما، خصوصاً عند التعرض للهواء الجاف، ورش الجسم بالادوية التي تبعد الحشرات. هذه هي التجهيزات الاساسية، التي يمكن تعديلها او الاضافة عليها بحسب المكان والظروف المناخية لكل رحلة”.

أمّا المرحلة الثانية فتتمثل “بالتنفيذ والممارسة، ويفضل دائماً ممارسة الهايكينغ ضمن مجموعات للحد من الحوادث، واذا اراد الفرد السير بمفرده فأنصحه دائماً بالسير في مسارات محددة والبقاء على مقربة من تواجد الناس تحسباً لأي طارئ. عند السير ضمن مجموعات، يجب على الجميع الامتثال لارشادات “الدليل” المزود بالـ”GPS” يساعده على تحديد كل المسارات، أو الاستماع الى نصائح من سبق وقام باستطلاع المكان. وبما أنّ “الهايكينغ”، لا يشبه أبداً رياضة “المشي” أو الجري، فيجب السير بحسب نوعية كل أرض، ولا سيما في المنحدرات، وهذه النقطة تسبب غالباً وقوع الاصابات بسبب عدم ملاءمة طريقة سير الفرد مع واقع الأرض”.

يفضل بيار، تنظيم الرحلات مع مجموعة لا يتخطى عددها الـ10 أشخاص، لعدم تأخير عملية السير، أما متوسط طول الدروب التي يمشيها أسبوعياً فيصل إلى 70 كيلومتراً، وتجمع رحلته المشي مع تسلق الصخور والصعود إلى الجبال والنزول في الوديان وعبور الانهر. هو لا يؤمن بوجود حد أقصى لسير المحترفين (أمّا المبتدئين فبين 7 الى 10كم)، إذ يمكن السير لتسع ساعات، أو لايام أو اسابيع، حيث يتم تجهيز المأكولات الجافة لتناولها في خلال الرحلات الطويلة وصولاً الى المخيمات التي تجهز في رحلات كهذه، وتعتبر سهرات النار متعة بحد ذاتها كما أن استراحة المحارب تحضيراً لاستكمال الرحلة في اليوم الثاني خطوة لا بد منها. أمّا النقطة الأهم في رحلة الهايكينغ فهي، بحسب جبّور، “الاستمتاع، وممارسة هذه الرياضة بعفوية وحب، وعدم القيام بها وكأننا مجبرون على هذا المجهود الجسدي. من هنا، أشدد على أهمية التوقف لأخذ الصور التذكارية في المناظر الخلابة، ولاكتشاف الأزهار والنباتات الغريبة، فهذه الرياضة بمثابة سياحة بيئية حقيقية. كذلك، من الجميل جدّاً أنّ تنظم العائلة رحلة “هايكينغ” اسبوعياً، فهي غير مكلفة، وتعزز تضامن افرادها وتبادلهم لهمومهم والتخطيط للمشاريع المستقبلية، في أجواء رائعة بعيداً من ضوضاء المدينة وضغوطات العمل”.

كان جبّور يخطط لانشاء نادٍ للهايكينغ، لمساعدة محبي هذه الرياضة على اكتشاف طبيعة لبنان ومساراتها الخلابة التي يظن من يراها أنه في حلم، أو قد لا يصدق أنّ هذه المناظر موجودة في بلده، الّا أنّ “الكورونا” فرملت مشروعه، على أن يستأنفه لاحقاً. وعند سؤاله، عن المنطقة الأجمل التي زارها حتى الآن؟ يجيب: “هذا سؤال صعب”. الا أنّ مسار أرز بشري الى أرز تنورين أعاد البريق الى عينيه بعد تذكره، ووصفه بالجنة على الأرض، فيه الوديان والمنحدرات الصخرية، والثلوج، وغابات الأرز. ويأسف “على عدم تجيز الدولة مسارات محددة وآمنة للهايكينغ في لبنان، عكس الدول الاجنبية، في وقت يمكن الاستفادة من ذلك لتعزيز السياحة وجذب السياح.

ويشير الى أجمل المسارات في لبنان، قائلاً: “في الشمال، وتحديداً في عكار يوجد القموعة والقبيات وجرود الضنية. في بشري، وادي قنوبين غابة الارز، القرنة السوداء، حدث الجبة، مروراً بالغرفة الفرنسية ووصولاً الى غابة ارز تنورين، وبلعا وبشعلة ودوما. في البترون، بقسميا والوادي الأثري للمبتدئين. في جبيل، جرد العاقورة. كذلك، في جرود عيون السيمان، وفي صنين وباكيش، ووادي الصليب في كفرذبيان. في المتن ايضاً، ضهور الشوير، بولونيا، وفالوغا. بالاضافة الى جبال الباروك، وحاصبيا وجبل الشيخ جنوباً”.

وأخيراً، يوجه جبّورمجموعة نصائح وإرشادات للحد من الحوادث في رحلات الهايكينغ، أبرزها: “الابتعاد عن الحيوانات، وعدم السير أمامها. معرفة مخاوف كل فرد قبل الانطلاق للحد من الحوادث المحتملة، التزود بحقيبة اسعافات أولية، ومعرفة أرقام القوى الامنية والدفاع المدني والصليب الاحمر. شحن الهواتف قبل الانطلاق، والتزود بأداة شحن تعمل على الطاقة الشمسية. التزود بجهاز الـ”GPS”، وبجهاز خليوي يعمل على القمر الصناعي (للمحترفين)، وخصوصاً في الاماكن التي لا تغطيها شبكات الارسال. كذلك، التزود بالمنظار لرؤية المسافات البعيدة، وبالحبال لمنع سقوط الافراد خلال المرور في الوديان مثلاً، أو حتّى لانقاذ من يقع، والأهم التزود بقارورة مياه (2 ليتر) تحفظ الماء باردة… رحلة موفقة”!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى