حضور عربي جيد في مهرجان كان 2020 … بلا مسابقات ولا نجوم ولاسجاد أحمر
النشرة الدولية –
بعد فشلها في تنظيم دورة 2020، أعلنت إدارة مهرجان كان السينمائي قبل أيام في العاصمة الفرنسية، برنامج الطبعة الثالثة والسبعين. هذه المرة الأولى في التاريخ، يُعلن عن برنامج تظاهرة سينمائية لن تُعقَد. فالدورة التي كان من المفترض أن تُقام بين الـ12 والـ23 أيار الماضي، أُلغِيت بسبب جائحة كورونا التي أصابت إلى الآن نحو 7 ملايين إنسان حول العالم. في البداية، لجأ فريق المهرجان إلى بعض المناورات لإعطاء الإحساس بأن الحدث الثقافي الكبير على منأى من الأزمة العالمية، ثم اختار التأجيل إلى نهاية الشهر الحالي، إلّا أنّ الظروف التي فرضت نفسها جاءت معاكسة، فكان الإلغاء. ذلك أن قرار رئاسة الجمهورية الفرنسية بمنع كلّ الاحتفالات الثقافية حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، كان بمثابة الضربة القاضية.
إذاً، لا أحد من السينمائيين والصحافة سيتوجه هذا العام إلى موقع السينما الواقعة على ضفاف مدينة كان الساحلية. كان على الأشياء أن تنتهي هنا، أي بالحجب وتجديد الموعد في العام المقبل، إلّا أنّ الجهة المنظمة قررت الإعلان عن ما يُعرف بالتشكيلة الرسمية، أي الأفلام المختارة من كلّ أنحاء العالم لعرضها على جمهور كان. 2067 فيلماً كانت قد وصلت إلى مكاتب كان منذ انتهاء الدورة الماضية، اختارت اللجنة المكلفة 56 منها، وكشف عن عناوينها المفوض العام للمهرجان تييري فريمو ورئيسه بيار لسكور. خيار الإعلان عن الأفلام التي كان وقع عليها الاختيار قبل قرار الإلغاء، جاء لردّ الاعتبار إلى هذه الأعمال التي أحبّها المهرجان، ولكن شاءت الظروف أن يُلغى وتبقى الأفلام خارج جدرانه. لذا، اتُّفق على إعطاء كلّ فيلم من الأفلام المختارة علامة كان مع وضع لوغو “السعفة الذهبية” على الملصق الإعلاني، لتسهيل تسويقها عندما يحين موعد عرضها في الصالات.
لم تُوزّع الأفلام على أقسام مختلفة. لا توجد مسابقة، ولا “نظرة ما”، ولا أي من الفقرات التقليدية الأخرى التي نعرفها. هناك فقط 56 فيلماً وُزِّعت على النحو الآتي: 14 فيلماً لسينمائيين اعتادوا المشاركة في كان، أقله مرة واحدة. 14 فيلماً لسينمائيين يدخلون التشكيلة الرسمية للمرة الأولى. 15 فيلماً لسينمائيين ينجزون فيلمهم الأول. إضافةً إلى ثلاثة أفلام وثائقية وخمسة أفلام كوميدية وأربعة أفلام تحريك وفيلم سكتش واحد.
قرار الإعلان عن برنامج كامل متكامل بهذا الحجم، من دون أن يُعقد أي مهرجان، ولا يُحشد أي جمهور وأي إعلام، ولا تُسند أي جائزة، سابقة تبدو غريبة بعض الشيء، وقد تبدو مضحكة. بعضهم اعتبره مكابرة، وبعضهم الآخر وجد فيه تحدّياً من المهرجان. في أي حال، لم تكن ردود الفعل كلها مرحّبة، وهناك مَن قال إنّ اللائحة هذه ليست اللائحة الحقيقية التي كان المهرجان اعتمدها لو أُقيم. في رأيهم، هذه فقط لائحة تشكّلت من أفلام وافق أصحابها أن يكتفوا بمشاركة رمزية في كان، لأسباب مختلفة. وفي هذا الشأن، كتب الناقد المصري أمير العمري على صفحته الفيسبوكية: “إعلان قائمة الأفلام (…) لا أرى أي فائدة من ورائه، لأنها أفلام لم تُعرض في دورة لم تحدث. وبصراحة أكثر، أجد أن هذا الإعلان والضجيج الإعلامي، هو تشبّث يائس بفكرة بقاء المهرجان قائماً بأي طريقة، على الرغم من أنه لم يعد قائماً بشكل عملي. وهم في إدارة كان يفكّرون في أن مجرد وضع علامة المهرجان فوق أي فيلم، يجعل منه “ملكية خاصة”، فإذا عرضه أي مهرجان آخر حقيقي سيُقام على أرض الواقع في النصف الثاني من 2020، فإنه يُعرض تحت علامة كان الذي لم يكن، وهي فكرة طفولية مضحكة جداً”.
من الأفلام المختارة، نجد جديد المخرج الأميركي وِس أندرسون، “ذا فرنش ديسباتش” الذي كان من المتوقع أن يفتتح الدورة الملغاة، علماً ان أندرسون سبق أن افتتح المهرجان عام 2012 مع “مملكة بزوغ القمر”. يضم الفيلم كوكبة من النجوم، مثل بينيشيو دل تورو وتيلدا سوينتون وأدريان برودي وليا سيدو، وغيرهم كثر في أدوار ثانوية، ويروي سير مجموعة من الفرنسيين في القرن العشرين من وجهة نظر صحافي أميركي. وقد أثار طرح إعلانه الترويجي قبل أسابيع، دهشة المعجبين بفنّ أندرسون. يضم البرنامج أيضاً أحدث أفلام المخرج الفرنسي الكبير فرنسوا أوزون، “صيف 85”. أوزون الذي يُخرج عادةً أفلاماً غير متوقّعة، مليئة بالحياة والوجوه المعبّرة والشغف. ثمة دائماً ما يمكن أن نحبّه في أفلامه. التمثيل أو الإخراج أو البنية السردية أو ببساطة النحو الجذّاب الذي يحملنا بواسطته إلى حقب وأماكن مختلفة. بعد ثلاث سنوات على مشاركته في كان، بـ”العشيق المزدوج”، ها إنه يعود بعمل تدور أحداثه، كما يؤكد عنوانه، في حقبة الثمانينيات، يوم كان ألكسي في السادسة عشرة من عمره، وأنقذه من الغرق دافيد ابن الثامنة عشرة. هل هذه الحادثة جعلت ألكسي يلتقي رفيق عمره؟ وهل ستستمر هذه العلاقة لأكثر من صيف؟ هذه بعض الأسئلة التي يردّ عليها الفيلم، من بين أمور أخرى.
من بريطانيا، يشارك المخرج الكبير ستيف ماكوين بفيلمين، “لافرز روك” و”مانغروف”. المخرج الأسود الذي أهدى فيلمَيْه إلى جورج فلويد، يعود إلى قصة تدور فصولها في لندن، وتمتدّ من الستينيات إلى الثمانينيات، أبطالها مهاجرون من جزر الأنتيل، عرضة دائماً للعنصرية. ومن الدنمارك، يأتي المخرج الشهير توماس فينتربرغ بدراما جديدة تتعقّب مجموعة من المدرّسين يخضعون لاختبار للانفتاح على العالم الذي من حولهم. فينتربرغ هو أحد رواد حركة “دوغما 95” التي أنجز في كنفها فيلم “الحفل” عام 1998. أما بلجيكا، البلد الذي يختزله عادةً الأخوان داردن، فيمثّلها هذه المرة لوكا بلفو الذي سبق أن أدهشنا بـ”حجّة الأضعف” (2006)، بعمل جديد عنونه “رجال” ويعود فيه إلى ماضي أحد المحاربين القدامى في حرب الجزائر، ماضٍ يطفو على السطح بعد تلاسن بينه وضيف يشارك في حفل عشاء عيد مولد أخته.
للعرب حصّة لا بأس بها من تشكيلة كان. هناك فيلمان من لبنان، إذا أخذنا في الاعتبار جنسية صاحبة الفيلم: “شغف بسيط” للمخرجة دانيال عربيد. هذه ليست المرة الأولى تحضر عربيد إلى الكروازيت، ولكن لم تكن يوماً في الاختيار الرسمي، بل في الأقسام الموازية. فيلمها مقتبس من رواية لآني أرنو صدرت عام 1992، وتحكي قصّة حبّ “ممنوعة” عاشتها الكاتبة مع رجل أعمال متزوج، من أوروبا الشرقية. رجل تسمّيه “أ”، من دون أن تكشف عن هويته أكثر من ذلك. الفيلم فرنسي الإنتاج بطبيعة الحال (عربيد مقيمة في باريس منذ سنوات ومتزوجة من منتج له شأن مهم في السينما الفرنسية)، وهو من تمثيل لاتيسيا دوش وسرغي بولونين. الفيلم اللبناني الثاني هو “مفاتيح مكسورة” للمخرج جيمي كيروز (أول فيلم له)، وقد صوّره في المناطق التي كانت حتى الأمس القريب تحت سيطرة “داعش”، لإضفاء المزيد من الواقعية على الأحداث التي تدور حول عازف تحطّمت مفاتيح البيانو الذي يعزف عليه، مِمّا سيُضطره إلى البحث عن طريقة لإصلاحه وسط أجواء مليئة بالعنف. الفيلم من بطولة عادل كرم وبديع أبو شقرا وطارق يعقوب وسارة أبي كنعان.
من مصر، اختير “سعاد” للمخرجة الشابة آيتن أمين (إنتاج مصري تونسي مشترك) عن علاقة شقيقتين في سن المراهقة، تعيش إحداهما حياة سرية على الـ”فيسبوك”. صُوّر الفيلم في إحدى مدن الدلتا، مع ممثّلين يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى. هذا إضافةً إلى فيلمين من فرنسا لمخرجَيْن من أصول عربية: “أحمر” لفريد بنتومي و”إبراهيم” لسمير قواسمي.
يبقى أن نتحرّى إذا كان هذا هو فعلاً البرنامج الحقيقي لمهرجان كان 2020، أو أنه برنامج بديل لإنقاذ ماء الوجه. لعلّنا لن نفكّك هذا اللغز أبداً. أيّاً يكن، الهمّ الأكبر لعشّاق السينما في العالم اليوم هو اكتشاف بعض هذه الأفلام، إما عبر مشاهدتها في الصالات التجارية عندما تعود إلى الحياة تدريجاً، أو في مهرجانات آخر العام، أو عندما تصبح متوافرة في منصّات التحميل والقرصنة.