روسيا تتخذ أخطر خطوة في تاريخها
بقلم:  اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر –

ما يحصل داخل روسيا الآن، أخطر بكثير من العقوبات الغربية عليها، لأن تداعياته ستنعكس بشكل سلبي ومدمر، للطبقة الوسطى وللصناعات الروسية.

 

بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا فرضت عدة دول عقوبات قاسية على روسيا، وتحاول موسكو تخفيف آثار العقوبات، والترويج بأن العقوبات لم تؤثر عليها، بل إنّها ألحقت ضرراً بالغاً بمصالح الغرب، خاصة الدول الأوروبية، وهذا صحيح إلى حد ما.

أبرز الأوراق الرابحة بيد روسيا هي النفط والغاز، والمواد الغذائية، وهذه كلها لا تستطيع أوروبا الاستغناء عنها، ورغم أنها ما زالت تستوردها من روسيا، لكن أسعارها ارتفعت وتفاقمت بنسب عالية جداً، مما أحدث تضخماً غير مسبوق في اقتصاديات الدول الأوروبية، ولم تسلم منه حتى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغ التضخم لأول مرة نسبة 8,6%.

 

اتخذت روسيا قراراً ببيع منتوجاتها الى الدول غير الصديقة بالروبل، وهذه الخطوة عززت مكانة عملتها الوطنية، فتراجع سعر الدولار من 120 إلى ما دون 59 روبلاً في غضون شهرين، فأراح ذلك المواطنين الروس الذين كانوا قد بدأوا يشعرون بالقلق والخوف على مستقبلهم، مع الانخفاض الكبير لسعر الروبل، في بداية الحرب على أوكرانيا.

 

وهناك عوامل أُخرى أدت إلى انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الروبل، وهي أولاً انخفاض الطلب عليه داخل روسيا، بعد العقوبات، التي طالت ليس الدولة الروسية وحسب، بل كافة المواطنين الروس، وخاصة الأغنياء منهم، بعد أن تم إخراج روسيا من نظام سويفت العالمي، فانخفضت بشكل كبير عمليات تحويل الأموال، من داخل روسيا إلى الخارج.

العامل الثاني، هو أن البنوك الروسية بدأت تفرض عمولات عالية على الودائع بالدولار والعملات الأجنبية، وهذا يُجبر المواطنين الروس على تحويل ودائعهم من دولار إلى الروبل، وفقاً للسعر الحالي للدولار، والذي يُعتبر منخفضاً نسبياً.

 

بعد اتمام عمليات تحويل الودائع، وهدوء العاصفة، سيعود الدولار إلى الارتفاع من جديد، وستتآكل أموال المودعين في البنوك الروسية وتفقد قيمتها، وهذا سيتسبب بتدمير للطبقة الوسطى، وهو يشبه إلى حد كبير ما حدث في لبنان، حيث أدّى سلوك المصارف، المدعوم من البنك المركزي، بالسطو على أموال المودعين، لتخفيف أعباء ديون الدولة، وتحميل ذلك إلى المواطنين، مما أدّى في النهاية إلى انهيار شامل، وتدمير للطبقة الوسطى، فتحولت غالبية الشعب إلى فقراء يعيشون تحت خط الفقر، خاصة موظّفي القطاع العام، وهذا هو السبب الرئيسي لانحلال الدولة وانهيار المؤسسات.

 

لقد عمدت الصين منذ عامين، إلى خفض قيمة العملة الوطنية، لمواجهة الركود الاقتصادي، وتنشيط الحركة الصناعية، وهذه خطوة أثبتت نجاحها. أما روسيا فهي تفعل العكس الآن، فبعد مغادرة الشركات الأجنبية لموسكو، والحصار الاقتصادي الذي تتعرض له البلاد، تم رفع قيمة الروبل بشكل مصطنع، وهذا سيؤثر سلباً على الانتاج والصناعات في البلاد، فوفقاً للسعر الحالي للدولار، أرتفعت كلفة انتاج السلع الروسية، وهذا سينعكس انخفاضاً في تسويقها وبيعها، في الداخل وفي الأسواق العالمية، هذا إضافة إلى عمليات المقاطعة التي تتعرض لها الآن.

 

لا شك أن الاجتياح العسكري الروسي لأراضي أوكرانيا، كان مغامرة كبيرة، لكن الخطوات الاقتصادية التي تتخذها موسكو اليوم، للرد على العقوبات الغربية هي الأخطر، وستنعكس لاحقاً بشكل سلبي على الصناعات الروسية، وهي تحتاج في هذه الظروف إلى خطوة معاكسة تماماً، بحيث كان يجب الحفاظ على سعر صرف للروبل، بمستوى فوق ال 75 روبلاً للدولار الواحد، بُغية استمرار وتفعيل النشاط الصناعي، في القطاع الخاص .

 

 

 

ففي علم الاقتصاد الحديث، يجب أن تتكامل السياسة النقدية، مع السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد. فلقد اعتمد لبنان خلال ثلاثين سنة تقريباً، سياسة نقدية، ارتكزت على تثبيت سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وسياسة مالية قائمة على الاقتراض لسد العجز، والصرف على مشاريع غير منتجة، تخلّلها كميات كبيرة من الهدر في إنفاق المال العام، فجاءت النتائج كارثية.

 

يشتكي اليوم بعض المواطنين الروس، من الإجراءات الحكومية، ويعتبرونها بمثابة خطوة للعودة إلى النظام الشيوعي، وستؤدي إلى إفقار الشعب، وإزالة الطبقة الوسطى، وتراجع الاقتصاد الوطني.

 

يبدو أن خسائر روسيا ما زالت محدودة، جراء الحرب في أوكرانية، إذا ما قارنّاها بحجم الأراضي التي تمت السيطرة عليها، والتي ترغب روسيا بضمّها، لكن على المدى البعيد، إذا استمر الحصار والعقوبات، لا بد أن يؤدي ذلك إلى أضرار بالغة للاقتصاد الروسي، وتدهور كبير في سعر صرف الروبل.

 

لا يمكن تبرير التدخل العسكري لأي دولة، في دولة أُخرى ذات سيادة، فهذا دون شك، يُشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، فالشعب الأوكراني وحده له الحق أن يقرر، أي سلطة يريد، ومع مَن تتحالف دولته. وإذا كان لدى روسيا ملاحظات على تصرّف القيادة الأوكرانية، ومعاملة الأوكران الناطقين باللغة الروسية، أو مخاوف أمنية من تحويل أوكرانيا إلى قاعدة للناتو، فكان يجب حل ذلك بالطرق السلمية، وعبر المؤسسات الدولية، وليس بالحرب.

 

فهل ستتدارك روسيا مخاطر مغامرتها العسكرية في أوكرانيا؟؟ أم أنها ستستمر في سياسة التحدي للغرب، والانخراط في مزيد من الحروب، والخطوات الاقتصادية الخاطئة؟؟؟ وما حقيقة أحلام العودة إلى حدود الاتحاد السوفياتي، التي بدأ يروّج لها البعض، من داخل وخارج روسيا؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى