باسيل: أفتخر بالتفاهم مع “حزب الله” والإسهام بمنع عزله* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

الانتفاضة الشعبية في لبنان التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استهدفت بشكل لافت وزير الخارجية السابق جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية). جاء هذا الاستهداف بعد سلسلة “مواقف تحريضية” بحسب أكثر من طرف سياسي وطائفي. يُضاف إلى هذه المواقف سلوك سياسي لباسيل، يتمثل بتدخله في الكثير من الملفات الداخلية، وفي العديد من الوزارات. هذا التدخل برأي الكثيرين انتهى دائما بالفشل. وكل الوعود التي انتهت بعبارة “ما خلونا” (أي دائماً يعرقلوننا)، التي رددها باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، في أكثر من تصريح زادت في غضب خصومه، إذ يعتبرون أن باسيل وتياره المدعومين من “حزب الله” ولديهم كتلة نيابية كبيرة وعدد كبير من الوزراء، إضافة إلى رئاسة الجمهورية، لا يحق لهم التذرع بهذا المنطق.

فشل الرئيس عون

وبعد ثلاث سنوات، للرئيس ميشال عون في القصر الرئاسي، استهلّينا الحوار مع جبران باسيل بسؤال محوري، هل فشل العهد؟ يرى باسيل أن الموضوع نسبي، لا أحد يختار الفشل، لكنه يشير إلى الحرب الداخلية والخارجية على رئيس الجمهورية وفريقه، مؤكداً أن المعيار الأساسي للنجاح أو الفشل في هذا البلد، يكمن في تحقيق أمور لم يكن بالإمكان تحقيقها سابقاً. ويؤكد أن الرئيس نجح في ترسيخ سيادة البلد وتغيير الواقع، بعد تحرير جزء من أراضيه التي كانت محتلّة من قبل جماعات إرهابية. كما أنه حقّق التوازن الداخلي عبر المشاركة في حكومات متجانسة، وأرسى العلاقة السوية بين اللبنانيين، كما أن قانون الانتخابات النيابية الأخير “استثنائي”، إضافةً إلى أن موضوع النفط والغاز، “كان من الأحلام”.

التفاهم مع “حزب الله”

تأخذ بعض المرجعيات السياسية على “التيار الوطني الحر” أنه هو من أعطى الشرعية لـ”حزب الله” في المناطق المسيحية، بعد توقيع وثيقة التفاهم معه عام 2006، ما أسفر لاحقاً عن تدهور العلاقات اللبنانية الخليجية. هذا التدهور الذي فاقم في الأزمة الاقتصادية، وأبعد لبنان عن “محيطه العربي” لمصلحة إيران والنظام السوري، وأدى إلى “انسحاب” الاستثمارات الخليجية من لبنان. رغم ذلك يقول باسيل “إذا كانت لي مساهمة في هذا التفاهم عام 2006، فأنا أفتخر بها، لأنّنا تجنّبنا في ذلك الوقت الحرب على لبنان، وكان هناك مشروع لعزل “حزب الله”، ونحن مَن منعنا ذلك”.

ويوضح باسيل أن رغبة التيار “لم تتغير في ما يتعلّق بأن تكون العلاقة مع دول الخليج جيّدة، لكن ضمن المحافظة على سيادة لبنان، أي عدم التدخل بشؤوننا”. كما أكد أنه ليس مع تدخل أي دولة، سواء كانت الولايات المتحدة أو السعودية أو إيران، قائلاً “نحن مع توازن العلاقات الخارجية، وليس مع محور ضد آخر”.

التسوية الرئاسية

لكن التفاهم مع “تيار المستقبل” الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعرض لنكسة، بخاصة بعد استقالة الحريري، الذي أعلن بعدها أنه لن يتوّلى زمام السلطة التنفيذية خلال هذا العهد. يردّ باسيل “حسناً فعل بهذا الموقف”. وعن التسوية الرئاسية، يقول، “الآن لا توجد تسوية، بعد خروج الحريري واستقالته”، مضيفاً “لم أنقلب ولم أستقِل ولم أطعن. كما كنتُ على خلافات دائمة مع الحريري حتى في فترة التفاهم. وفي الإطار السياسي، إنه حق مشروع لكل فريق أن يحظى بتأييد كل الناس، لكننا نعلم جيداً نحن وغيرنا، أنه من غير الممكن الفوز برضا الجميع”، في ردّ على تصريح الحريري بأن “التيار الوطني الحر يريد كل البلد”.

تداعيات “قانون قيصر”

في المقابل، أثارت زيارة السفيرة الأميركية لدى بيروت دوروثي شيا، جبران باسيل في دارته الجبلية اهتمام الإعلام، إذ وضعها البعض في خانة الإشارات الإيجابية تجاه رئيس التيار، وربما محاولة لسحبه من تحالفه مع “حزب الله”، في حين اعتبر آخرون أنه هو من يتقرّب من الولايات المتحدة عبر شيا، ليحمي نفسه من تداعيات “قانون قيصر” ومن موجة العقوبات التي تتساقط على المنطقة، علماً أن معلومات أشارت إلى ورود اسمه في لائحة العقوبات المقبلة بصفته حليفاً لـ”حزب الله”. ويقول باسيل في هذا الشأن “محاولة كل طرف تعزيز موقعه أو مطلبه في السياسة، أمر مشروع”. ثمة من اعتبر خطاب باسيل الأخير بمثابة إعادة تموضع سياسي وتوجيه رسائل إلى المجتمع الدولي، على أنه خارج هذا الاصطفاف، فيما يؤكد أنه “في حالة من إعادة التفكير الدائم واليومي لا تهدأ حول أفضل ما يقدّمه إلى البلد. إن الموضوع ليس بتوجيه الإشارات بل بخاتمته، كما أنها ليست المرّة الأولى التي نتعرّض فيها للتهديد من الخارج، وعبر وسائل كثيرة، وما زلنا في خطر من الداخل والخارج”.

محاربة الفساد

في الخطاب الأول للرئيس عون بعيد انتخابه، تعهّد “باستئصال الفساد” خلال ولايته، إضافةً إلى رفع التيار عناوين انتخابية لمحاربة هذه الآفة، لكن البلد لم يشهد ملفات تأخذ مسارها الطبيعي في القضاء. يعتبر وزير خارجية لبنان السابق أن موضوع الفساد هو الأصعب، إلى جانب الأزمة المالية والاقتصادية المرتبطة به، ولا ينفي عدم نجاحهم في محاربته، شارحاً أنه لم يكن بالإمكان التغيير لوجود أطراف كثيرة تستفيد من الفساد المستشري في مختلف النواحي، ولكن “يُقاس النجاح عند نهاية العهد، فإذا كرّس نمطاً جديداً في السياسة النقدية وتغييراً في السياسة الاقتصادية المتّبعة يكون قد حقّق النجاح، وإذا استمر هذا الوضع الصعب، يكون قد فشل”. ويوضح باسيل أن لبنان لم يشهد من قبل محاربة جدّية للفساد، مشيراً إلى النجاح في محاربته في بعض الملفات كالمرفأ والكازينو والسوق الحرة، وأخيراً قضية الفيول المغشوش، فالعقود لن تُجدّد، و”أقلية تحارب الفساد في وجه أكثرية، وقضاء لا يعمل على مكافحته”، بحسب تعبيره.

لماذا الإصرار على وزارة الطاقة؟

تسلّم “التيار الوطني” وزارة الطاقة منذ عام 2009 وتعاقب عليها وزراؤه، إذ تُعتبر من الوزارات الأساسية التي تتحمّل عبء المديونية، عبر تكلفة تغطية العجز في مؤسسة كهرباء لبنان بمبلغ 38 مليار دولار منذ عام 1992، فلِمَ يصرّ التيار على تولّي هذه الحقيبة؟ يقول باسيل إن إصرارهم يأتي من رغبتهم في تنفيذ مشاريع وتأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة، إضافةً إلى إقامة السدود واستخراج النفط والغاز.

ويؤكد أن “مردود هذه الأعمال هو لكل اللبنانيين”، ويردّ كل الاتهامات التي طالت هذه الوزارة، موضحاً أنها “كاذبة”. أما عن الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، “فمن الواجب تعديل قانون الكهرباء، لتكون فاعلة وليس كما هي الحال في وزارة الاتصالات التي لا تقوم بواجباتها”. وعن حجم الخسائر في مؤسسة كهرباء لبنان، يوضح، “لا أرقام موحّدة، هل هو 38 مليار؟ أو 61 مليار؟”، جازماً أنهم ومنذ استلامهم وزارة الطاقة، الخسارة هي 16 مليار دولار”، ويعترف بأنه “رقم كبير جداً، ولكن السبب سياسة دعم قطاع الكهرباء ومنذ عام 1990 إلى اليوم، ومع الخسائر، كان يُفترض أن تحقّق الدولة اللبنانية فائض 3 مليار دولار، وليس ديناً بقيمة 92 مليار، والسبب هو خدمة الدين”.

“فدرلة” الكهرباء

راج في الفترة الأخيرة حديث عن مشروع “فدرلة الكهرباء”، عبر معمل سلعاتا، البلدة التي تقع في قضاء البترون شمال لبنان، مسقط رأس جبران باسيل. وعُرض المشروع للمرة الأولى عام 2010، لكن جرى التحفّظ عليه من قبل الأفرقاء السياسيين حينها. وأعاد “التيار الوطني الحر” طرح المشروع مجدداً عبر وزير الطاقة الحالي ريمون غجر، لكن “حركة أمل” و”تيار المردة” كما “حزب الله”، صوّتوا ضده في مجلس الوزراء. حول هذا الموضوع، يوضح باسيل أن اهتمامه بمنطقة البترون لا يعني عدم اهتمامه بمناطق أخرى كجبيل والمتن، قائلاً إنه “هو من وقف ضد مشاريع تقسيم الكهرباء، ومعلوم من طرح لا مركزية التوزيع في مجلس الوزراء”. ويشرح عن مشروع معمل سلعاتا أنه غير مربح على الصعيد الانتخابي وهو يخسر بطرحه له، إذ إنّ الجميع في تلك المنطقة لا يؤيدون إنشاءه، لكنه موجود منذ عام 1978، وإذا أردنا كهرباء دائمة، “نحن مجبورون على إقامة معامل في ثلاثة مواقع، ومن يريد أن يلغي معمل سلعاتا أو الزهراني أو دير عمار، يكون ضد تزويد لبنان بالكهرباء على مدار الساعة”. في هذا السياق، كانت شركة “توتال” قد أبرقت إلى وزارة الطاقة والمياه، مقترحةً “إنشاء محطة تغويز واحدة في الشمال وإيصال الغاز عبر الأنابيب إلى المعامل الأخرى، من دون تحميل خزينة الدولة تكاليف إنشاء ثلاث محطات تغويز”، التي ستتجاوز كلفتها 13 مليار دولار لإقامتها وللغاز والتشغيل، على الرغم من توصية البنك الدولي ببناء محطة واحدة فقط. ويقول باسيل إنه وضع خطة لمعمل واحد عام 2012 بعد مناقصة ودراسات، وطرح فكرة إمداد خط غاز يمرّ في كل لبنان، وأعدّ مشروع قانون لمجلس النواب آنذاك، لكنه لم يُقرّ، ما دفعه إلى العودة مجدداً إلى مشروعه الأساسي أي محطة غاز واحدة وخط غاز واحد لكل لبنان.

“حزب الله” وانتخابات الرئاسة المقبلة

بعد المؤتمر الصحافي الأخير لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والذي انتقد بقسوة باسيل، أطلق مسؤولون مقربون من باسيل تصريحات اعتبر البعض أنها موجّهة ضد “حزب الله”، لأن الأخير لم يعلن موقفاً في صف باسيل، كذلك جاء التصعيد في المؤتمر الصحافي الأخير لباسيل، حين تحدث عن المعابر غير الشرعية بحماية قوى الأمر الواقع، في إشارة واضحة الى “الحزب”، ووُضِعَت المواقف في إطار الابتزاز السياسي، ليحصل رئيس “التيار الوطني الحر” على وعد من “حزب الله”، بأنه سيكون رئيس الجمهورية المقبل. في المقابل، يؤكد باسيل، “الحق معي ولا أبحث عن أحد ليكون إلى جانبي”، ويتابع مستشهداً بنفي الأمين العام للحزب حسن نصرالله، أن يكون قد ناقش معهم مسألة ترشّحه لرئاسة الجمهورية. لكن نفي نصرالله له أوجه عدّة، وقد يكون باباً لتكريس عُرف، أنه في كل مرة تحصل انتخابات الرئاسة، على المرشح الأوفر حظاً أن ينال موافقة الحزب لينجح. يجيب باسيل، “من الطبيعي أنه على كل من يريد الوصول إلى سدّة الرئاسة، أن يحظى بموافقة كل الأفرقاء. وقبول حزب الله وحده لا يكفي بأن تأتي برئيس للجمهورية. يستطيع الحزب أن يمنع ذلك لأنه يشكّل مع الآخرين الثلث الذي يعطّل عقد جلسة لمجلس النواب، لذا من البديهي أن تكون موافقته أساسية”. لكن مع ذلك، ينفي باسيل أن يكون معنياً بهذا الموضوع، ويصرّ على “أن هناك رئيساً للجمهورية هو العماد عون، وكل ما عدا ذلك حالياً هو من باب الكفر السياسي”. في السياق ذاته، تواردت معلومات أن “حزب الله” طلب من باسيل التخفيف من حدّة الاشتباك بينه والقوى السياسية، لأنها باتت تشكّل ضغطاً على الحزب نفسه. في هذا الشأن، يقول باسيل إن الموضوع يعنيه وحده، وهو يتحمّل مسؤولية أفعاله، “لا أحد مسؤول عني، نحن لدينا رأينا وسياستنا، والناس التي تؤيدنا، لا نقوم بأي فعل إكراماً لأحد أو ضده”.

اتفاق الطائف

وعن عودة ملف بلدة لاسا في قضاء جبيل في هذا الوقت بالذات (صراع بين سكان شيعة والبطريركية المارونية على ملكية بعض العقارات)، الذي اعتُبر أنه حُرّك بسبب خلاف باسيل مع الثنائي الشيعي، يؤكد رئيس التيار الوطني الحر أن المشكلة قائمة منذ فترة، وأن حلّها واجب من أجل حقوق الناس وحياتهم الهادئة في المناطق المختلطة، لكنه “لم يعلم بالأمر بل أطلعوه عليه”، ولم يتدخل حتى الآن، مضيفاً أن تلك المنطقة كانت أول مقرّ بطريركي ماروني، وللكنيسة أوقافها هناك.

من جهة ثانية، يدعو باسيل إلى تطوير اتفاق الطائف انطلاقاً منه، “على قاعدة التفاهم”، قائلاً إنه مهما كان رأيهم السابق بالاتفاق، يبقى هو الدستور. لكن خطابه الأخير الذي دعا خلاله إلى اللامركزية الإدارية، وصولاً الى المالية الموسّعة، قوبل بخطاب للشيخ أحمد قبلان أعلن فيه وفاة الصيغة والميثاق الوطنيين، في حين تحدثت بعض وسائل الإعلام عن محاولة باسيل تكريس صيغة المثالثة. يردّ على هذا الطرح، قائلاً، “ليحدّدوا موقفهم، تارة يقولون إننا نطالب بحقوق المسيحيين، وتارة أخرى يقولون إننا نطالب بالمثالثة”، مؤكداً “أنهم مع المناصفة وحقوق المسيحيين كما المسلمين”. ويعتبر باسيل أن الدولة المدنية هي الحل لكن “انطلاقاً من دستور الطائف عبر تطويره ومنه ننطلق نحو جمهورية جديدة لأنه تبيّن فشل هذا النظام”. وحول إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، يشرح أنه “ليس هناك أي قانون خارجي يستطيع عزل لبنان عن علاقاته، وصداقاته المجاورة تفرض نفسها. علينا أن نقيّم السياسة الخارجية التي تحفظ مصالح لبنان”. في سياق آخر، يردّ باسيل على اتهام رئيس “تيار المردة” بأنّهم يكذبون على الناس، موضحاً “أن فرنجية تكلم عن النفط بقدر ما يعرف عن النفط والغاز”، إذ ثَبُت بالحفر الأخير بأن الغاز موجود، إنما السؤال أين سنجد المكمن الأكبر لاستثماره.

ترسيم الحدود

وعن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، يقول إنه “مع حل هذا الموضوع بالتفاوض ضمن المبادرة الأميركية، وتحت رعاية الأمم المتحدة وبالمسار الذي كان قد بدأ، فنحن مع استكماله لأنه يصبّ في صالح لبنان”. ويشدّد باسيل على أنهم مع الوصول إلى تفاهم مع صندوق النقد الدولي ضمن شروط تناسب مصالح لبنان وليس مع التسليم بشروط تضعها المؤسسة المالية.

أما في ما يتعلّق بمستقبل المسيحيين في الشرق، فيعتبر باسيل أنه مهدّد على الدوام بسبب عوامل عدّة، معرباً عن اعتقاده بأنّ حفظ وجودهم يكون من خلال سياسة مشرقية منفتحة، بعيدة من التقوقع والانعزال، أو التبعية للخارج. “لسنا مع أخذ المسيحيين إلى محاور، في هذا البلد”.

 

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى