كورونا ينضم للاحتلال في محاربة أرزاق المقدسيين… 70% نسبة تراجع حركة إقبال الناس على الشراء في القدس
النشرة الدولية –
من حي الثّوري في القدس المحتلة إلى محلّه في شارع الواد بالبلدة القديمة، اعتاد التاجر المقدسي خالد إبراهيم الصاحب، أن ينطلق صباح كل يوم منذ أكثر من 24 عاما إلى هناك، بحثا عن رزقه كسائر تجار البلدة القديمة، إلا أن 65 يوما من الإغلاق القسري بسبب جائحة كورونا وتوقف الصلوات في المسجد الأقصى المبارك، ضربت حركة البيع والشراء وراكمت ديونا جديدة على التجار، لتضاف إلى سياسات التضييق للاحتلال الإسرائيلي على المدينة، بحسب تقرير نشرته الزميلة، هديل غبّون، لصحيفة “الغد” الأردنية.
يواظب الصاحب في محل ألبسته “الشبابية” المستأجر منذ الخمسينيات ويبعد عن المدخل الرئيس للحرم (باب الناظر) 7 دقائق سيرا على الأقدام، على تناول طعام إفطاره في “الدكانة” كما يحب أن يسميها “ليستفتح” باكرا، ورغم أن العودة إلى العمل إثر رفع الإغلاق أنعشت آماله والتجار الآخرين، لكن حركة إقبال الناس كما يقول، تراجعت حتى الآن بما نسبته 60-70 % .
ويشير الصاحب وهو رئيس لجنة تجار البلدة القديمة والناطق باسمها في حديث “للغد”، إلى أن هناك نحو 1800 متجرا في أسواق البلدة، أغلق منها خلال الأعوام الماضية ما يقارب 300-400 متجرا، جراء سياسات الاغلاق المتكررة للحرم القدسي من سلطات الاحتلال وحواجز التفتيش المحيطة بها، وبمحيط القدس المحتلة بسبب “جدار الفصل العنصري”، ما أضعف الحركة الشرائية، وفاقم الأعباء المالية على أصحاب المحلات.
ويقول “إغلاق كورونا فاقم حجم المشكلة، مع الاعتبارات السابقة من سياسات الاحتلال، وخفّض حركة الزوار من الضفة الغربية والمناطق المحتلة العام 1948 بنسبة تتراوح بين 50-70 % .”
وانعكست الأضرار المباشرة والفورية لأزمة جائحة كورونا على التجار، لتزامنها مع شهر رمضان المبارك، الذي يعد الموسم الأكثر نشاطا للبلدة، إذ يشكّل 40 % من “شغل السنة” ، بينما خسر كل تاجر ما يقارب 70-80 % من دخله، وفقا للصاحب.
ولم تقف تبعات الأزمة عند إغلاق المحال أبوابها في البلدة، بل دفعت بالزائرين إلى الامتناع عن الذهاب إليها رغم عودة فتح المسجد الأقصى المبارك، والتوجه نحو أسواق القدس خارج أسوار البلدة القديمة، لاعتقادهم بأن زيارة شوارع البلدة القديمة ومحلاتها “كسوق شبه مغلق” ، قد تزيد فرصة انتقال فيروس كورونا.
وتعتبر إيجارات محلات تجار البلدة القديمة، خاصة الجديدة إيجارات مرتفعة جدا، تضاف إلى سلسلة الضرائب التي يدفعونها “لبلدية القدس” كضرائب الأملاك أو ما يعرف “بالأرنونا” والتأمين الوطني وضريبة الدخل، كما يقول الصاحب الذي أشار إلى أن بعض إيجارات المحلات الجديدة تصل إلى 3-4 آلاف دينار أردني شهريا.
ويعتقد الصاحب أن البلدة القديمة، تحتاج إلى “خطة إنعاش متكاملة” وحملات ترويجية تشجع الزوار الفلسطينيين وغيرهم إلى العودة لارتياد أسواقها، في ظل “ابتلاع” مولات الاحتلال في القدس لمحلات البلدة أيضا، إذ تقدم تخفيضات على البضائع لايمكن للتاجر المقدسي مجاراتها، عدا عن الحاجة للتعويض عن الخسائر التي لحقت بهم عن فترة الإغلاق التي تحمّلها التجار، ووصل بعضها إلى شهرين ونيّف.
وطالب تجار البلدة القديمة في القدس، السلطة الوطنية الفلسطينية مرارا بتبني قضاياهم والتعويض عن هذه الخسائر، أو تغطية الفواتير الشهرية لبعض النفقات التشغيلية أو دعم أسعار البضائع ، خاصة وأن مولات الاحتلال تضارب على أسواق البلدة خاصة في مواسم أعياد “المسلمين والمسيحيين” ، وفقا للتجار.
ويرجّح الصاحب، تزايد عدد المحلات المهددة بالاغلاق في البلدة القديمة مع حلول نهاية العام الحالي، بعد أن تجاهلت العديد من الجهات في البلاد مطالباتهم، وبنسبة إغلاق قد تصل إلى 25 % من المحلات، حسب تقديراته، فيما لم ترد إليهم فعليا، أي حملات دعم عربية أو دولية إلى هناك حتى الآن .
أما عن حالة انتشار فيروس كورونا في القدس المحتلة، فيشير تجار إلى أن هناك “حالة تعتيم” كبيرة على حقيقة تفشّيه، وأن الإعلان عن إصابات كثيرة “سمع عنها المقدسيون” ولم يرونها، فيما تفرض سلطات القوة القائمة بالاحتلال، عقوبات صارمة على مخالفي الالتزام بتدابير الوقاية، كتسجيل غرامة بقيمة 200 شيكل ( نحو 50 دينارا أردنيا) لعدم ارتداء الكمامة، بينما تتساهل في أوقات أخرى في التدابير دون أسباب موثوقة.
وتتبع تنظيميا، محلات البلدة القديمة في القدس المحتلة، إلى غرفة صناعة وتجارة القدس، وسط محاولات سابقة عديدة لبلدية “القدس” التابعة للاحتلال أن تسحب هذه المرجعية لصالحها، في محاولات حثيثة قاومها المقدسيون مرارا.
وتراكمت الديون على تجار البلدة القديمة لأسباب عديدة خلال الأعوام الماضية، من بينها ارتفاع النفقات التشغيلية، والتأخر عن دفع الضرائب للبلدية بشكل منتظم، وهو ما دفع “بلدية الاحتلال في القدس” إلى الاستيلاء على عشرات المحلات، وتراكم الديون “المتداولة” التي تدفع أثمانا للبضائع بين التجار أنفسهم، كما يقول معتصم أبورميلة ، صاحب محل ألبسة شرعية في البلدة القديمة.
ويقول أبو رميلة 39 عاما لـ”الغد”، إن البضائع التي اشتراها التجار بأثمان مؤجلة السداد لنحو 60 أو 90 يوما، ما تزال مكدسة، وأن العديد من التجار المقدسيين تقاسموا “هذه الخسائر” وغيرها من ديون متراكمة بين بعضهم، كتقاسم البعض إيجارات المحلات، كما يقول.
وترتبط أسواق البلدة القديمة، روحيا واجتماعيا وتاريخيا، بالمسجد الأقصى الذي يعدّ نبضها وقبلة زوارها، وفق أبو رميلة الذي يضيف “رغم الأزمة وقف العديد من التجار إلى جانب بعضهم البعض لمواجهتها، كالسماح عن شهر إيجار أو تقاسمه لكن الديون لحقت بالجميع.. الوضع كان قاسيا جدا جدا وما يزال، خاصة أن شهر رمضان شريان رئيس، لتغذية أسواق البلدة لارتياد المصلّين للمسجد الأقصى المبارك.”
ويتحمّل أبورميلة إيجار محله المستأجر في البلدة القديمة إلى جانب تكاليف إيجار منزله ، وهو الذي يعيل عائلة مكونة من 5 أبناء وزوجة، قائلا إن آماله بانتعاش الأسواق في رمضان وما بعد انتهاء إغلاق كورونا، تبددت كليا، وأضاف “الصدمة جاءت كبيرة على التجار، وشارع الواد يعتمد على أهلنا في 48 والزوار القادمين للمسجد الأقصى.. الآن توقعنا أن يكون هناك إقبال كبير عليه، لكن الناس متخوفة جدا رغم إعادة فتح الحرم وتقديري أن 70 % من الزوار لم يعودوا للآن .”
ويساور أبو رميلة القلق، حيال استمرار تجاهل مطالب التجار، خاصة وأن الغرفة التجارية في القدس، لم تساندهم خلال الأزمة سوى بتوزيع المعقمات وأدوات الوقاية وبعض الطرود الغذائية وهو ما لا يفيد التجار، وأضاف:” الوضع حاليا يرثى له، والله يكون بعوننا نسأل الله الفرج القريب…في فترة الكورونا لولا تكاتف إخوتي وبعض الأصدقاء لما مشينا أمورنا، الوضع أجبرنا على ذلك بسبب توقف الايرادات .”
ويأمل أبورميلة، بعودة الحركة الشرائية لتقليص الديون المتداولة على التجار، رغم اعتقاده بأن وضع “مابعد الكورونا سيكون أكثر شدة” من قبلها، وهذا ما يتفق معه، سمير أبوصبيح صاحب محل “أبوعزيز للحلويات الشرقية”، القابع في البلدة القديمة منذ العام 1964.
ويقول أبوصبيح، 46 عاما، إن وضع كورونا ألقى بظلاله على شارع الواد ومحله المختص بالحلويات، خاصة وأن شهر رمضان يعد الموسم الأكثر بهجة وحركة بالنسبة له، واصفا أجواء البلدة القديمة خلال أشهر الإغلاق، بأنها أقرب إلى حالة “منع التجوّل”، إذ تخللها نحو شهرين من الإغلاق القسري.
وأشار أبوصبيح الأب لخمس بنات وولد، إلى أن نسبة البيع لديه لم تصل إلى 30 % ، قياسا على السنوات السابقة، في الفترات ذاتها من العام.
ويلفت أبوصبيح الذي ورث المهنة عن أجداده في صناعة الحلويات، إلى أن تجاوز الأزمة يحتاج إلى الوقت، وأن دخل محل الحلويات لديه يساند 3 عائلات، فيما لايعّول من جهته على الدعوات المتكررة من التجار للمسؤولين للاستجابة لمطالب تجار البلدة بالدعم والتعويض ولو الجزئي، سواء عبر السلطة الوطنية الفلسطينية أو الغرفة التجارية في القدس المحتلة، أو من خلال حملات الدعم للنقابات والمؤسسات الخيرية التي تدعم صمود المقدسيين، في الدول العربية والإسلامية، ويضيف:” لو جاء هذا الدعم كيف سنضمن أنه سيصلنا”.