متى يدخل الخليج عصر الخيم الخضراء؟* حمزة عليان
النشرة الدولية –
عززت قطر فكرة «الأمن الزراعي» وقالت إنه لا بديل عن الخيمة الخضراء، ثم أتبعت ذلك استخدام تكنولوجيا الزراعات، وأدخلت إنتاج الخضراوات والفواكه الكثيفة التربة التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وحققت معدلات عالية بالأمن الغذائي بعد التوسع بالبيوت المحمية وإنشاء حوالي 1400 مزرعة تنتهي بحلول 2022.
لا تصدق هذا الكلام، لم يعد هناك شيء اسمه “مناخ صحراوي” أو أننا نعيش في ظروف صحراوية لا تسمح لنا بالزراعة! هكذا بادرني أحد الأصدقاء المطلعين على تجارب دول أنهت تلك “المقولة الخرافية” ولم يعد من المقبول أن نبقى ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقدم الأعذار وكأننا نعيش في “إناء زجاجي مغلق”.
مناسبة الحديث ما كتبناه عن الأمن الغذائي وتجربة الكويت في ظل أزمة كورونا الأسبوع الماضي، والكلام يجرنا إلى مشاهدات في العراق عندما كانت عوائل من أهل الزبير تحفر آبار المياه وتزرع البطيخ كان المحصول يسد جزءا من حاجة أهل البصرة أو يكاد!
فالأمن الزراعي متروك لأبناء البلد والظروف التي تتحكم في معيشتهم بعيداً عن أحوال المناخ والطقس، وفي هذا المقام هناك تجارب تستدعي النظر إليها والعالم مفتوح أمامنا اليوم، والحاجة تدفعك بالوصول إلى الحد الأقصى، وما عليك إلا أن ترى بعينيك كيف تم تدجين الصحارى، وأصحاب هذه المدرسة يستشهدون بمقولة تنسب إلى ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بعدما خرجت بلاده مهزومة في الحرب العالمية الثانية مخاطباً شعبه “عليكم بتحويل حدائقكم إلى زراعة البطاطا”، وهذا للاستدلال على أن بإمكان الدول تخطي صعوبات الظروف الطبيعية المعاكسة!
الرهان على بقاء النفط وحده لم يعد يكفي، فالتغيير قادم لا محالة، وبالتالي فإن الانتقال إلى عصر الطاقة البديلة يبقى مسألة وقت، وهناك دول سبقتنا بأشواط في هذا المضمار، ومثلما كان الفحم سيد العصر الصناعي الأول فقد ولى زمانه وجاء من يحل مكانه.
انظروا إلى أوروبا الآن وغيرها من الدول كيف أخذت الطاقة الشمسية طريقها، 30% من استعمالات الكهرباء في بريطانيا يأتي من هذه الطاقة، وألمانيا تستورد من إسبانيا بحدود 25% من استهلاكها للكهرباء، ونحن نتكلم عن أمثلة بسيطة وفي قارة تغيب عنها الشمس! فكيف بنا في الخليج ودرجة الحرارة تصل إلى ما فوق الخمسين وعلى مدى أكثر من نصف السنة، وبإمكانك أن تشوي الغزال وأنت واقف!
لندع حكاية الأراضي الصحراوية خارج المنظور والحسبة، ونعطي لخيالنا فرصة الرؤية لواقع العالم كما هو، فالبيوت الخضراء والزراعات البلاستيكية ووفق المناخات المناسبة هي أجود ما نبحث عنه، والمنطقة الخليجية باستطاعتها استحضار التكنولوجيا المستخدمة في هذا القطاع، ولديها مصانع لتحلية المياه، وتملك قوة مالية تساعدها في تحويل الصحارى إلى مناخات استوائية، والسؤال: كيف تتم الاستفادة من الطاقة البديلة وصولا إلى الرطوبة في القطاعات الزراعية والاستخدامات الأخرى؟ وهذا أمر متاح ومقدور عليه.
قد تكون تجربة إسرائيل أقرب للتعلم منها، نظراً لتشابه الظروف المناخية مع الخليج، لن نتحدث عن الحال التي وصل إليها العالم العربي، ويكاد اليوم أن يعاني نتيجة النقص الذي يواجهه بشراء الحبوب من الخارج، في حين كان أهم الموردين في الثلاثينيات من القرن الماضي كحالة مصر بتصدير القطن وكحالة سورية وبلاد الشام بتصدير القمح إلى أوروبا والغرب.
صحراء النقب تمتد على مساحة 12 ألف كلم2، أكثر من نصف مساحة إسرائيل، وهي تشبه إلى حد كبير، صحراء الكويت وصحارى الخليج، هي اليوم “ملاذ للتقنية العالية” في مجال الزراعة، تلحقها دعاية من شأنها القول إنها تحولت إلى “أسطورة في ترشيد المياه والزراعة المحمية، وتحلية المياه والري بالتنقيط، وصاروا ينقلون خبراتهم إلى بلدان إفريقية وغيرها”.
نصف أراضي إسرائيل عبارة عن أراض صحراوية ومع ذلك شكلت الزراعة 3.3% من صادراتها إلى العالم بعدما تحولت من دولة زراعية تدار على النمط التعاوني الجماعي (الكيبوتزات) إلى اقتصاد يعتمد على التقنيات المتقدمة، وقبل أن تحل في ديارنا أزمة كورونا وتتعطل المزارع ويتوقف تصريف المحاصيل اتجهت دول عديدة إلى الاهتمام بالزراعة لتوفير الغذاء لشعوبها.
تجربة قطر تحت الأنظار منذ صيف 2017 عندما وجدت نفسها أمام حالة جديدة وغير مسبوقة، ولم تستعد لها وهي انقطاع خطوط الإمداد لإيصال المواد الغذائية والسلع عبر حدودها البرية والجوية، فماذا فعلت؟ قررت أن تعتمد على نفسها أولاً وتضع خططا وبدائل، فخاضت تجربة جديدة جعلت خياراتها تصب في خانة استنهاض وتفعيل الدور الوطني، وكانت فرصة لإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي بالدرجة الأولى حققت خلال ثلاث سنوات تقريباً اختراقا كبيرا بتوفير المواد والسلع الغذائية كاللحوم الحمراء والبيضاء والألبان والخضراوات والفواكه.
وعززت فكرة “الأمن الزراعي” وقالت إنه لا بديل عن الخيمة الخضراء، ثم اتبعت ذلك استخدام تكنولوجيا الزراعات، وأدخلت إنتاج الخضراوات والفواكه الكثيفة التربة التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وحققت معدلات عالية بالأمن الغذائي بعد التوسع بالبيوت المحمية وإنشاء حوالي 1400 مزرعة تنتهي بحلول 2022.
إن من تتاح له زيارة الدوحة سيرى بعينيه إنتاج مزارع الألبان وحدها في الجمعيات والسوبرماركات وهي تملأ الأرفف بأسماء تجارية محلية، مثل “بلدنا” و”داندي” و”غدير” وغيرها، صحيح أنها استبدلت خطوط استيراد وفتحت على إيرن وتركيا والمغرب والهند وباكستان إلا أنها اعتمدت على نفسها من جانب ونجحت فيه، خلقت من الأزمة باباً إيجابياً طرقته وأعطت نتائج مرضية، يمكن أن تبني عليها في المستقبل تحت أية ظروف قد تستجد على المنطقة.