البيت الأبيض في مواجهة جون بولتون الأمن القومي لمنع نشر مذكراته* تشاك كوبر
النشرة الدولية –
لا يريد الرئيس دونالد ترامب أن ينشر جون بولتون كتابه The Room Where It Happened: A White House Memoir (غرفة الحدث: مذكرات البيت الأبيض). كان يُفترض أن يصدر العمل في آذار الماضي، لكن أُجبِرت دار نشر “سايمون أند شاستر” مرتين على تأجيل نشر الكتاب لأكثر من ثلاثة أشهر، حتى 23 حزيران، وخضع النص خلال هذه الفترة للمراجعة من جانب مجلس الأمن القومي. تهدف هذه المراجعة في العادة إلى حماية أسرار الأمن القومي، ولا تسمح التنظيمات المعتمدة باستعمال هذا الإجراء “لمنع إحراج شخص معيّن”. لكنّ البيت الأبيض لجأ إلى هذا التدبير لتحقيق هذه الغاية تحديداً. تنتهك هذه الجهود تلك التنظيمات وحقوق بولتون بموجب التعديلَين الأول والخامس من الدستور الأميركي.
كان بولتون مستشار الأمن القومي الخاص بترامب طوال 18 شهراً وحرص في كتابه على عدم الإفصاح عن أي معلومات سرية. لقد طلب مني، بصفتي محاميه، تقديم النص إلى إيلين نايت، مديرة قسم مراجعة المواد قبل نشرها في مجلس الأمن القومي.
أرسلتُ النص إلى نايت في 30 كانون الأول الماضي، بعد أيام على إجراءات عزل الرئيس في مجلس النواب ووسط توقعات مفادها أن مجلس الشيوخ سيستدعي بولتون لتقديم شهادته. وبما أن النص يشمل فصلاً عن أوكرانيا، وهو الموضوع الذي أطلق إجراءات العزل في الأساس، كان احتمال أن يأمر ترامب ومساعدوه بمراجعة الكتاب قبل نشره بديهياً.
لهذا السبب، أبلغتُ نايت بأن بولتون، حين قرر تقديم نص كتابه، اتكل على التنظيمات التي تحصر إجراءات مراجعة النصوص قبل نشرها بمسؤولين حكوميين يتم تكليفهم بهذه المسؤولية دوماً. تمنع هذه القواعد المسؤولين من تصنيف المعلومات “منعاً لإحراج شخص معيّن” أو “لمنع أو تأخير صدور المعلومات التي لا تتطلب أي حماية خاصة خدمةً للمصلحة الوطنية”. فأكدت لي نايت على أن هدف المراجعة الوحيد هو منع الإفصاح عن معلومات سرية. لكن شهدت المرحلة اللاحقة أطول مراجعة وأكثرها تفصيلاً على الأرجح في تاريخ مجلس الأمن القومي. أمضى بولتون ونايت حوالى أربعة أشهر وهما يراجعان النص المؤلف من 500 صفحة تقريباً أربع مرات، سطراً تلو الآخر.
بدأت الجولة الأولى في 23 كانون الثاني، حين كانت إجراءات عزل الرئيس قيد التنفيذ. كتبت لي نايت أن نص بولتون يشمل “كمّاً هائلاً من المعلومات السرية”، وأنها ستقدم “إرشادات مفصّلة عن الخطوات المقبلة التي تسمح بمراجعة النص والمضي قدماً في أسرع وقت ممكن”.
بعد بضعة أيام، كتبت مجلة “فانيتي فير” أن “الرئيس بدأ ينتقم من خصومه”. ذكرت هذه المقالة أن ترامب “وضع لائحة بأسماء أعدائه” وأن “بولتون على رأس تلك اللائحة”، كما أن “الحملة ضد بولتون” شملت رسالة نايت في تاريخ 23 كانون الثاني و”يريد الرئيس أن يخضع بولتون لتحقيق جنائي”.
في 7 شباط، بعد يومين على تبرئة ترامب، أعلنت نايت أن أفضل طريقة لتفعيل مسار النشر الاعتيادي تقضي بأن تقابل بولتون لمراجعة كل مقطع من المعلومات السرية بالتفصيل. في غضون ذلك، اعترف البيت الأبيض بأن فريقاً من مجلس الأمن القومي قدّم موجزاً عن الكتاب لمستشار البيض الأبيض بات سيبولون، فيما كان هذا الأخير يقود حملة الدفاع في إجراءات العزل.
إجتمع بولتون ونايت في 21 شباط. في ذلك اليوم، كتبت صحيفة “واشنطن بوست” أن ترامب “شارك مباشرةً” في مراجعة الكتاب قبل نشره، و”أخبر فريقه بأنه يعتبر جون بولتون “خائناً”، وأن كل ما ذكره أمام المساعدين السابقين حول شؤون الأمن القومي يدخل في خانة المعلومات السرية، وأكد على نيّته منع نشر الكتاب”. ذكرت الصحيفة أيضاً أن ترامب تعهد أمام مجموعة من مقدّمي نشرات الأخبار بما يلي: “سنحاول منع نشر الكتاب […] هو يستطيع نشره بعد انتهاء ولايتي الرئاسية”.
دام الاجتماع بين بولتون ونايت لأربع ساعات. ثم كتبت هذه الأخيرة أنهما “راجعا النتائج الأولية لثلاثة فصول في مسودة النص بالتفصيل”. دوّن بولتون خمس صفحات من الملاحظات بخط يده حين كانا يناقشان مخاوف نايت بدقة. وبعد ثلاثة أيام، كتبت نايت أن الاجتماع كان “مثمراً جداً”، واعتبرت أن “عقد اجتماع آخر أو عدد من الاجتماعات اللاحقة سيكون مفيداً جداً لمناقشة الأجزاء المتبقية من مسودة النص”.
ثم اجتمعا في مناسبات لاحقة خلال الأسبوع الأول من آذار لأكثر من 10 ساعات. فراجعا بدقة كل نقطة من مخاوف نايت في الفصول الأحد عشر المتبقية، ما أسفر عن 34 صفحة إضافية من الملاحظات الخطية. ثم راجع بولتون نصّه بناءً على إرشادات نايت وملاحظاته الخاصة. بحلول 9 آذار، أعاد تقديم الفصول الأربعة عشر كلها لبدء الجولة الثانية من إجراءات المراجعة.
في المرحلة اللاحقة، لم يتلقّ بولتون أي اتصال من نايت قبل الجمعة 27 آذار، حين كتبت له: “أنا أقدّر جهودك لمعالجة المخاوف المرتبطة بسرية المعلومات في أحدث نسخة أرسلتَها، وأعتبر عدداً كبيراً من التعديلات مُرضياً. لكن ثمة حاجة إلى إحداث تعديلات إضافية لحماية معلومات الأمن القومي. لتسهيل هذه العملية، سأقدم لك لائحة بالتعديلات والبدائل اللغوية المطلوبة لإرشادك في المرحلة المقبلة من مراجعة مسودة النص”.
كانت لائحتها عبارة عن 17 صفحة من التعليقات والأسئلة والاقتراحات المطبوعة حول بدائل لغوية محددة واقتباسات مرتبطة بمصادر متاحة للعلن. عمل بولتون طوال عطلة نهاية الأسبوع وأرسل ردّه الكامل في 30 آذار، ووافق على معظم اقتراحات نايت وطرح حلولاً بديلة للاقتراحات الأخرى.
إنطلقت الجولة الثالثة من المراجعة عبر مكالمة هاتفية في 13 نيسان، حين قدّمت نايت لائحة أقصر بكثير من المخاوف المتبقية بعد تلقي النسخ المُعدّلة من بولتون في 30 آذار. فوافق الاثنان على هذه التعديلات اللغوية التي استلمتها نايت في 14 نيسان.
خلال المكالمة الهاتفية في 13 نيسان، قالت نايت إنها ستراجع النص كله مجدداً للتحقق من المسائل المُعدّلة والتأكد من أنها لم تغفل عن أي خطأ. وبعد المراجعة الأخيرة، جرت مكالمتان هاتفيتان، في 21 و24 نيسان، حيث طرحت نايت الجزء الأخير من التعديلات المطلوبة. فردّ بولتون سريعاً عبر تنقيح النسخة الأخيرة بحلول 24 نيسان. وفي 27 نيسان، بعد توضيح نقطة كانت محط نقاش سابقاً، أكدت نايت على إتمام آخر تعديل مطلوب. هكذا انتهت هذه العملية الشاقة والمطولة. لكن حين سألها بولتون عن موعد تلقيه الرسالة التي تؤكد على صلاحية نشر الكتاب، أجابت نايت بأسلوب غامض وقالت إن “تواصلها” حول الكتاب مع مسؤولين آخرين لم تكشف عن أسمائهم في البيت الأبيض كان “دقيقاً جداً”، وأكدت على ضرورة تجاوز اعتبارات داخلية أخرى في هذه العملية. كانت تظن أن الرسالة ستكون جاهزة في فترة بعد الظهر من ذلك النهار، لكنها ستتأكد من هذه المعلومة في نهاية اليوم. بعد مرور ستة أسابيع، لم يتلقّ بولتون الرسالة المنتظرة ولم تتواصل معه نايت منذ 7 أيار.
لكن تواصل معنا البيت الأبيض في 8 حزيران. كتب جون أ. أيزنبيرغ، نائب مستشار الأمن القومي، في رسالة له أن نص بولتون يحتوي على معلومات سرية، وأن نشر الكتاب سينتهك بنود اتفاقياته التي تفرض عليه عدم الإفصاح عن معلومات مماثلة.
صدر هذا الادعاء في اللحظة الأخيرة بعد مراجعة مطوّلة دامت أربعة أشهر، وبعد أسابيع من الصمت من جانب البيت الأبيض، وبعدما أنذرت تقارير صحفية البيت الأبيض بأن كتاب بولتون سيُنشَر في 23 حزيران، كما يعترف أيزنبيرغ في رسالته. إنها محاولة واضحة إذاً لاستعمال الأمن القومي كعذر لمنع بولتون من نشر كتابه، بما ينتهك حقه الدستوري بالتكلم عن المسائل التي تهم الرأي العام. لكنّ هذه المحاولة لن تنجح وسيُنشَر كتاب بولتون في مطلق الأحوال بتاريخ 23 حزيران.