فايننشال تايمز: متر أم متران .. كم يكفي لاتقاء الفيروس القاتل؟

النشرة الدولية –

الضغط الاقتصادي القوي لرفع عمليات الإغلاق المفروضة لمكافحة فيروس كورونا، أثار جدلا في جميع أنحاء العالم بشأن الحد الأدنى للتباعد الجسدي اللازم للحد من انتشار العدوى.

الدلائل حتى الآن تشير إلى أن توجيه منظمة الصحة العالمية بترك مسافة متر واحد هو الحد الأدنى، وأن خطر انتقال العدوى ينخفض أكثر عندما تتسع هذه المسافة إلى مترين وأكثر.

لكن الحكم معقد، لأن التباعد هو مجرد واحد من كثير من العوامل التي تؤثر في معدلات الإصابة – ولأن المحافظة على مسافة مترين ستعيق إحياء الأنشطة الاجتماعية والتجارية.

هذا هو السبب في أن دولا مثل إسبانيا والمملكة المتحدة، الملتزمة بترك مسافة مترين، قررت إما تقليل المسافة، وإما أخذت في الحسبان فعل ذلك.

علماء حكوميون وخبراء آخرون حاولوا إقناع الناس بأن تقليل المسافة استجابة عادلة للإيجابيات والسلبيات، وليس خطوة طائشة تظهر أن سبل العيش لها قيمة أكبر من الأرواح.

هذا الأسبوع، سير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين لدى حكومة المملكة المتحدة، قال، إن تخفيض المسافة البالغة مترين في البلاد يعتمد على “تقييم مدى انخفاض المخاطر”. أضاف: “من الخطأ تصوير ذلك باعتباره قاعدة علمية تقول، إن علينا ترك مسافة مترين أو لا شيء”.

فرناندو سيمون، عالم الأوبئة الذي يقود فريق مكافحة الفيروس في إسبانيا، يرى أن مسافة مترين لا تزال مثالية، على الرغم من أن بلاده ستخفضها إلى 1.5 متر اعتبارا من 21 حزيران (يونيو). قال هذا الأسبوع: “الدراسات اليوم تشير إلى أن مترا واحدا يعد كافيا، إضافة إلى هامش آمن”، مضيفا: “على أي حال، إجراءات الأمن والحماية (هذه) لا يمكن أن تكون كافية وحدها أبدا”.

ليندا بولد، أستاذة الصحة العامة في جامعة أدنبرة، قالت: “من منظور الصحة العامة، سيكون من الأفضل بكثير أن تحافظ على مسافة مترين (…) لكن بسبب الاعتبارات الاقتصادية، ربما يتعين علينا أن نكون أكثر مرونة”. أضافت: “الأمر لا يتعلق بالتباعد – بل يتعلق بأمور أخرى أيضا”.

جزء من سبب اختلاف وجهات النظر أن البحوث التي تم إجراؤها بشأن التباعد حتى الآن تميل إلى ما يسمى دراسات مبنية على الملاحظة أو التجارب الميكانيكية باستخدام النمذجة. كلاهما لا تفي بالمعيار الذهبي للتجربة السريرية الخاضعة للرقابة، وهو أمر يصعب إجراؤه في هذا المجال نظرا لصعوبة حساب المتغيرات الأخرى.

كذلك لا يوجد حتى الآن، إجماع على النقطة الحاسمة المتمثلة فيما إذا كان الفيروس ينتشر فقط عن طريق الرذاذ من الجهاز التنفسي ويسقط بسرعة على الأسطح، أو أيضا عن طريق جزيئات أصغر تعلق لفترة أطول تعرف باسم الهباء الجوي.

أشارت دراسة أجريت في 2017 باستخدام تماثيل عرض الأزياء إلى أن عدد قطرات الرذاذ الكبيرة من الجهاز التنفسي التي تصيب وجه شخص آخر، أو يستنشقها شخص آخر ينخفض إلى الصفر إذا كانت المسافة بينهما 1.5 متر، بدلا من متر واحد.

هذه النتائج بدت متسقة مع ورقة نشرتها مجلة “لانسيت” هذا الشهر، أشارت إلى أن نسبة احتمال الإصابة التي تبلغ 12.8 في المائة في حال تم ترك مسافة أقل من متر انخفضت 2.6 في المائة دون ذلك الحد. وأشارت أيضا إلى أن المخاطر تتراجع كلما زادت المسافة.

لكن تم التشكيك في الدراسة لكونها لم تراع التأثير المحتمل لوقت التعرض بشكل كاف. بن كاولينج، أستاذ في كلية الصحة العامة في جامعة هونج كونج، كتب في تغريدة: “المدة والمسافة كلاهما عاملين مهمين. هذه النشرة أخفقت بشكل ملحوظ في مراعاة المدة”.

تعليقاته تسلط الضوء على نقطة أشمل تتعلق بمخاطر تحديد المسافة، بينما تتجاهل عوامل الحماية الأخرى مثل ارتداء الكمامات، وتحسين عملية التنفس، أو تحديد الوقت الذي يقضيه الفرد في بيئات يحتمل أن تكون مصدرا للإصابة.

مثلا، وجود الشخص بالقرب من شخص ما لفترة قصيرة خارج المنزل في الهواء الطلق ربما لا يسبب مشكلات، كون الفيروس يميل إلى الاختفاء بسرعة في الهواء. في المقابل، وجود الشخص في المنزل مع شخص ما حتى مع الحفاظ على مسافة مترين ربما لا يكون كافيا لمنع العدوى.

ورقة عن حالات فيروس كورونا في كوريا الجنوبية نشرت هذا العام وجدت أن الأشخاص في دروس الرقص بهدف اللياقة البدنية، التي تستغرق 50 دقيقة مع عدد يصل إلى خمسة أشخاص، أصيبوا بالعدوى، على الرغم من أن مساحة الغرفة البالغة 60 مترا مربعا كانت كبيرة نظريا بما يكفي للسماح بمسافة مترين بين الأشخاص.

“رأينا أن قاعدة ترك مسافة مترين لا تنجح فعليا في البيئات الداخلية المزدحمة”، حسبما أفادت موجي سيفيك، وهي طبيبة وباحثة في علم الفيروسات في جامعة سانت أندروز، مضيفة: “حتى إذا حافظت على مسافة من الشخص المصاب، فلا يزال احتمال إصابتك قائما”.

مثلما هو الحال مع جوانب أخرى من الاستجابات الرسمية للجائحة، الإجابة على لغز التباعد تعتمد على ابيانات غير مكتملة، ومخاطر تم تقييمها على نحو تقريبي، وواقع عملي لكيفية حياة الناس وعملهم.

الضغوط المتباينة تنعكس في التوتر بين اثنين من الاستنتاجات الأكثر ثباتا التي يمكن استخلاصها: كلما زادت المسافة كان ذلك أفضل بشكل عام مقارنة بالمسافة الأقل، لكن مسافة مترين ليست حلا سحريا وربما تتسبب في أضرار اجتماعية بطرق أخرى.

جوليا ماركوس، عالمة الوبائيات والأستاذة المساعدة في كلية الطب في جامعة هارفارد، قالت: “الخطر ليس أمرا ثنائيا. وليس كأن الأمر ينطوي على كونك آمنا لو حافظت على مسافة تباعد أكثر من مترين بينك وبين شخص ما، وغير آمن لو كنت داخل نطاق مسافة مترين قرب شخص آخر. الأمور لا تسير بهذه الطريقة. هذا مثال آخر يوضح كيف أننا نصب تركيزنا على هذه الثنائيات وننسى أن الخطر هو في الواقع شبح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى